عندما تتصادم الإرادات
في ليلة الجمعة الثامن من أغسطس 2025، شهدت أروقة الحكومة الإسرائيلية مشهداً درامياً لم تعتد عليه منذ عقود. فبينما كان "الكابينيت" المصغر يصوت لصالح خطة احتلال غزة التي طرحها نتنياهو، كان هناك صوت واحد يقطع صمت الليل بالرفض - صوت الجنرال إيال زامير، رئيس هيئة الأركان العامة، الذي وصف الخطة بأنها قد تكون "فخاً مميتاً" ليس فقط للأسرى والجنود، بل لإسرائيل ذاتها.
التشخيص: معارضة غير مسبوقة
1- طبيعة المعارضة الداخلية
ما يميز هذه اللحظة التاريخية أن المعارضة لم تعد مقتصرة على الأحزاب السياسية أو الحركات الاحتجاجية، بل امتدت لتشمل:
- المؤسسة الأمنية بالكامل: إجماع نادر من رؤساء الأجهزة الأمنية ضد الخطة
- رئيس مجلس الأمن القومي: تساحي هنغبي يخرج عن صفوف "جوقة التشجيع" لنتنياهو لأول مرة
- القادة العسكريون السابقون: صف موحد من الجنرالات المتقاعدين يحذرون من العواقب
2- التبعات متعددة الأبعاد
تتجاوز مخاطر احتلال غزة الجانب العسكري المباشر لتشمل:
التبعات السياسية:
- تآكل الشرعية الدولية لإسرائيل
- تعميق العزلة الدبلوماسية
- تصدع التحالفات الإقليمية
التبعات الأمنية:
- استنزاف الجيش الإسرائيلي وقوات الاحتياط
- خطر التورط في "متاهة غزة" طويلة الأمد
- تهديد حياة الأسرى الإسرائيليين
التبعات الاقتصادية:
- كلفة الاحتلال طويل الأمد
- تأثير على الاقتصاد المحلي
- تحويل الموارد من التنمية إلى الحرب
التحليل: صراع الهويات والمصالح
1- نتنياهو: سياسة البقاء
تكشف المعارضة الواسعة عن حقيقة مؤلمة للمؤسسة الإسرائيلية: أن مصلحة رئيس الحكومة الشخصية في استمرار الحرب تتناقض جذرياً مع مصلحة الدولة. فالحرب تحميه من المحاكمات القضائية وتحافظ على تماسك حكومته اليمينية المتطرفة.
2- المؤسسة العسكرية: ضمير المهنة
موقف الجنرال زامير يعكس تطوراً نوعياً في العلاقة بين السياسة والعسكر في إسرائيل. فلأول مرة منذ عقود، يجد رئيس أركان نفسه في موقف "حارس التخوم" أمام قيادة سياسية يصفها المحللون بأنها تجمع بين:
3- الجهل الفادح في الشؤون العسكرية
- الخطاب الأجوف والشعبوي
- الرؤية الدينية المسيانية المتطرفة
- المعضلة الأخلاقية: الصمت أم المواجهة؟
يواجه زامير خيارين صعبين:
- الاستقالة: والتي يطالب بها البعض كاللواء إسحق بريك، معتبرين أن بقاءه يعطي شرعية للسياسات المرفوضة.
- البقاء والمقاومة: كما يطالب اللواء نمرود شيفر، الذي يرى ضرورة أن يكون زامير "جداراً حصيناً" أمام الحكومة المتطرفة.
التقدير الاستراتيجي: السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: التصعيد والاستبدال
- إقالة زامير أو إجباره على الاستقالة
- تعيين قائد أكثر "طواعية" للحكومة
- تنفيذ خطة الاحتلال رغم المعارضة
الاحتمالية: متوسطة
العواقب: كارثية على المدى الطويل
السيناريو الثاني: التراجع التكتيكي
- تجميد الخطة مؤقتاً تحت ضغط المعارضة
- البحث عن بدائل أقل إثارة للجدل
- الحفاظ على الوضع الراهن في غزة
الاحتمالية: عالية
العواقب: استمرار الأزمة دون حل
السيناريو الثالث: التغيير الجذري
- سقوط حكومة نتنياهو تحت ضغط المؤسسة الأمنية
- تشكيل حكومة وحدة وطنية
- إعادة تقييم شاملة للاستراتيجية
الاحتمالية: منخفضة في المدى القريب
العواقب: إيجابية على المدى الطويل
الخلاصة: لحظة حقيقة تاريخية
ما نشهده اليوم ليس مجرد خلاف سياسي عادي، بل لحظة حقيقة تاريخية تعيد تعريف العلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية في إسرائيل. إن موقف الجنرال زامير، المدعوم بإجماع المؤسسة الأمنية.
إن "متاهة غزة" التي يحذر منها النقاد لا تهدد الفلسطينيين فحسب، بل قد تؤدي إلى تآكل الأسس الأخلاقية والاستراتيجية لإسرائيل نفسها. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستكون هذه اللحظة نقطة تحول نحو العقلانية، أم بداية انزلاق أعمق في دوامة العنف والتدمير؟
التوصية الاستراتيجية: على المجتمع الدولي أن يدرك أن هذا الانقسام الداخلي في إسرائيل يشكل نافذة فرصة نادرة للضغط من أجل حل سياسي عادل، قبل أن تؤدي سياسات المغامرة إلى كارثة إقليمية لا يمكن السيطرة عليها.