لافتح لا حماس الوطن اولا

فلسطينيوم يرفعون أعلام فلسطينية
فلسطينيوم يرفعون أعلام فلسطينية

في غزة لا تحتاج إلى ساعة لتعرف الوقت، فالدخان هو عقرب الساعات وصوت الانفجار هو عقرب الدقائق، والناجي يعرف تاريخه من لون الغبار على ملابسه. “غزة أصبحت مقبرة للأطفال” قالها غوتيريش، وكأننا كنا بحاجة إلى شهادة أممية لنعرف أن المقابر هنا أكبر من المدارس. العالم كله يتسابق على تصوير الخراب وكأنه معرض فني بعنوان “فن الركام أما التذاكر فهي وعود إعمار مؤجلة حتى إشعار آخر، ربما في 2050… إذا بقي أحد ليقص الشريط.

ألم يكتفِ الجانب الإسرائيلي من تحويل البشر إلى أرقام في نشرات الأخبار؟ أم أن “ورقة حماس” ما زالت تبرر عندهم كل شيء، حتى وهم يعرفون أن رواتبها كانت تمر من نفس البوابة التي تمر منها بضائع المستوطنات؟ يا لهذا النفاق الدولي… نفاق يعطينا درسًا مجانيًا في أن الضحية يمكن أن تتحول إلى متهم إذا كانت لا تملك حلفاء أقوياء أو قصة تسويقية جيدة.

وهنا تبرز زاوية حادة: عندما طُرح مقترح أن حماس مستعدة للتخلي عن السلطة، كان أول قرار للوفد الأميركي والإسرائيلي هو شطب هذه الفقرة من المداولات. والسؤال: لماذا؟ أليس هذا دليلًا أن الولايات المتحدة ما زالت ترى في الانقسام الفلسطيني مشروعًا ذهبيًا للتهجير؟ أليس هذا اعترافًا بأن الهدف الحقيقي ليس إنهاء الحرب بل إدارة مسلسل طويل من المآسي؟ كيف نفهم أن القاضي والجلاد هما نفسهما من يديران المفاوضات يخطّان بنود “الحل” بنفس الأقلام التي توقع أوامر القصف؟

وفي مشهد جانبي ظهر بوتين وترامب في ألاسكا يتبادلان الابتسامات، وكأن غزة مجرد خبر قديم في أسفل نشرة الأخبار. أمريكا، كالعادة تمسك بعشرة ملفات في يد واحدة وتزرع تحتها عشرة حقول ألغام سياسية وأوروبا تتفرج حتى تدرك متأخرة أن الخطر كان يزحف نحوها وهي تضحك على النكات الدبلوماسية.

لكن هنا السؤال الذي يجب أن نطرحه بصوت عالٍ: أليس مستقبل الشعب الفلسطيني أهم من إعلان الهزيمة أو الانتصار؟ أليس الوقت قد حان لنعد إعلانًا حقيقيًا برؤية مستقبلية لبناء وطن جامع لكل الفلسطينيين يخاطب العالم بورقة واحدة وبرنامج سياسي واحد، لا ورقة فصائلية ضيقة لا تمثل لا حماس ولا فتح بل تمثل ضمير شعب دفع ضريبة سياسات خاطئة؟ أن نذهب جميعًا إلى العالم بملف واحد، ونسلّم قضية الأسرى والرهائن إلى جهة عربية دولية محايدة، ثم نلتفت إلى بناء الوطن بشراكة جماعية بدل أن نترك أطفالنا يرثون الخيام بدل البيوت.

هذا ليس وقت البكائيات بل وقت أن نقدّم أنفسنا ببرنامج سياسي موحّد تحت مظلة واحدة وأن نعترف أن صراعنا مع الاحتلال طويل لكنه ليس هزيمة إذا استخدمناه لتجهيز جيلٍ جديد… جيل الأيتام الذين يجب أن يرثوا مستقبلًا أفضل من المخيمات والخيام لا ميراثًا من الحروب فقط. زاوية حادة. تسئل.

في هذا العالم هناك دموع فاخرة تُسكب في مؤتمرات باريس ودموع رخيصة تذوب في ركام غزة في هذا العالم تُنقل القطط العالقة من فوق الأشجار بطائرات خاصة بينما أمهات غزة يرفعن أيديهن لانتشال أطفالهن بأصابع عارية في هذا العالم إذا مات طفل أشقر تُعقد القمم الطارئة وإذا مات مئة طفل أسمر يوزع العالم الطحين الممزوج بصور الزعماء على أكياس الإغاثة في هذا العالم تتصدر صور الزلازل عناوين الصحف أما زلزال الحرب في غزة فهو خبر جانبي بجانب إعلان تخفيض أسعار الأجهزة الكهربائية في هذا العالم الذي يبيعك الوهم على أنه سياسة ويسوق لك القتل على أنه دفاع عن النفس ويبني لك منصة خطاب ثم يدفنك تحتها هل نسأل نحن الفلسطينيين السؤال الذي لم نجرؤ على طرحه منذ عقود متى نصبح نحن الخبر العاجل قبل أن نصبح الجثة العاجلة

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo