في يوم الجمعة، 20 حزيران، حوالي الساعة 15:30، قال دونالد ترامب: “حسنًا”. الرئيس الأمريكي أعطى البنتاغون الضوء الأخضر لضرب مواقع نووية في إيران. كان اليوم السابق للقرار حاسمًا، وتمت مناقشة جميع الخيارات. تلقى الرئيس إحاطة استخباراتية وتحدث مع مستشاريه في البيت الأبيض لساعة، ثم جلس لتناول الغداء مع ستيف بانون، الذي لا يشغل أي منصب رسمي في الإدارة. حظي بانون بساعتين ليهمس في أذنه.
بانون، مدير حملة ترامب الانتخابية الأولى في 2016، يُعد أحد مهندسي الحركة الشعبوية إلى جانب تاكر كارلسون. جاء إلى البيت الأبيض متوسلاً لزعيم الحركة “ألا ينجرف خلف القوى التي تدفع نحو حرب أخرى في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم نتنياهو”. بانون، الذي تحدث لـ”نيويورك تايمز” عن لقائه بالرئيس، لا يخفي اشمئزازه من رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يراه محرضًا على الحرب: “هو يُضخم من حجم التهديد، ثم يبدأ حربًا، ثم يتضح أنه لا يملك القدرة العسكرية لإنهائها. فهل تتوقع منا أن نأتي لتنظيف الفوضى؟”
منذ عام 1948، كانت العلاقة مع إسرائيل محل إجماع بين الحزبين في الولايات المتحدة. عبّر عنها الرئيس جون كينيدي في 1962 عندما قال إن “العلاقة الخاصة مع إسرائيل لا تقل أهمية عن العلاقة مع بريطانيا”. على مدى أكثر من عقد، عمل نتنياهو بشكل منهجي لتقويض هذه العلاقة، خصوصًا مع الحزب الديمقراطي وناخبيه. ويبدو أنه ساهم في تغيير جذري في نظرة الجمهوريين أيضًا.
فقدت إسرائيل دعم الديمقراطيين الشباب في السنوات الأخيرة. والآن، يُغيّر الجيل القادم من الجمهوريين مساره أيضًا
لحظة مفصلية في القطيعة مع الديمقراطيين كانت في 2015، عندما ألقى نتنياهو خطابًا في الكونغرس بدعوة من الجمهوريين لمهاجمة الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما. هذا القرار الواعِي بقطع الجسور مع الديمقراطيين أثمر عن نتائج سلبية لإسرائيل، ظهرت بوضوح في عملية “حارس الأسوار” عام 2021، حين أظهرت استطلاعات أن دعم الديمقراطيين لإسرائيل انخفض لأول مرة إلى أقل من 50%. ومنذ ذلك الحين، استمرت التوجهات نحو الانخفاض.
في آذار الماضي، أشار استطلاع لمركز بيو إلى التراجع الواضح في صورة إسرائيل بين الجمهور الأمريكي. رغم أن غالبية الجمهوريين ما زالوا يدعمونها، إلا أن الفارق يتضح أكثر في فئة من هم دون سن الخمسين: في 2022، 63% من الجمهوريين دون الخمسين كان لهم رأي إيجابي في إسرائيل، اليوم النسبة انخفضت إلى 48%، بينما قال 50% إن نظرتهم لإسرائيل سلبية.
حين وقف الرئيس الديمقراطي جو بايدن بحزم إلى جانب إسرائيل في حقها في الدفاع عن نفسها، واجه انتقادات من حزبه. بايدن، نانسي بيلوسي، وتشاك شومر يمثلون جيل “الطفرة السكانية” (Baby Boomers) الذين رأوا في إسرائيل ديمقراطية صغيرة وباسلة تحتاج للدعم. “معجزة”، كما وصفها بايدن. ترامب، رغم أنه ليس عاطفيًا تجاه إسرائيل، هو أيضًا من هذا الجيل.
لكن خلف ترامب، الجيل القادم من الجمهوريين يرى إسرائيل بشكل مختلف. خلال العقد الذي أعقب دخول ترامب إلى السياسة في 2015، أصبحت حركة MAGA تحت قيادته تخوض نقاشًا صريحًا حول إسرائيل، خصوصًا منذ 7 تشرين الأول. في العام الماضي، ومع توسع الحرب في الشرق الأوسط، بدأت الحركة تناقش الموقف من إسرائيل بصراحة أكبر.
نائب ترامب، جاي دي فانس، الذي يُعد أحد أبرز مفكري الحركة، حاول إعادة صياغة شعار “أمريكا أولاً” في خطاب ألقاه في معهد كوينسي في أيار 2024. بدلاً من وصف إسرائيل كـ”الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” ذات “القيم المشتركة”، تحدث عنها إلى جانب “الدول السنية المسلمة” كحلفاء مهمين، ما يشير إلى تغيير في الرؤية.
حتى “مؤسسة هيريتج”، التي صاغت معظم سياسة ترامب، دعت مؤخرًا إلى تقليص تدريجي للمساعدات لإسرائيل. النقاش في حركة MAGA حول الحرب ضد إيران أعاد “القضية الإسرائيلية” إلى الواجهة. شخصيات مؤثرة مثل بانون وكارلسون أثاروا تساؤلات صريحة: لماذا يخاطر الأمريكيون من أجل إسرائيل؟ كما قال كارلسون: “لماذا يواصل الجمهوريون التعبد لإسرائيل؟ أنا لست الوحيد الذي يفكر هكذا، وهذا لا يجعلني معاديًا للسامية”.
بحث أُجري في جامعة نورث إيسترن أظهر أن الفجوة بين الأجيال هي السمة الأبرز في النظرة إلى إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر. 43% فقط من الشباب الجمهوريين (18–24 عامًا) يدعمون إسرائيل، مقارنة بـ72% من الجمهوريين فوق 65 عامًا. بين الديمقراطيين، يدعم إسرائيل 36% من الشباب مقابل 56% من الأكبر سنًا.
الصراع داخل حركة ترامب هو صراع بين الأجيال أيضًا. الشباب يتابعون الأخبار من الإنترنت، بينما الجيل الأكبر ما يزال مرتبطًا بقنوات مثل فوكس نيوز. النائبة مارجوري تايلور غرين تساءلت في لقاء مع كارلسون: “لماذا يعرضون علينا طوال اليوم أن إسرائيل — وهي قوة نووية! — تتعرض لهجوم؟ لماذا يُفرض علينا هذا التغطية، دون أي حرب أخرى؟”.
الحرب التي يحاول ترامب تسويقها كـ”حرب الـ12 يومًا” ستُذكر كلحظة فارقة في تاريخ الحركة الترامبية. بانون أشار بدقة إلى مصدر الخلاف: الرفض العميق لثلاثية “اليسار، الهجرة، والحروب غير الضرورية”. هذا هو لبّ الحركة، ومنه انطلقت كل النقاشات.
لكن ترامب أوضح أنه هو من يحدد معنى “أمريكا أولاً”: “أنا من أعاد هذا المصطلح إلى الاستخدام، لذا أنا من يقرر معناه”، قال في مقابلة مع مجلة “أتلانتك”.
استطلاعات أجريت خلال الحرب أظهرت أن ترامب يملك تأثيرًا فريدًا في تشكيل الرأي اليميني حول دعم إسرائيل. لم يُقنعهم بضرورة دعمها، بل أقنعهم أن الهجوم على إيران هو عملية لمرة واحدة، لن تجرّ أمريكا إلى حرب شاملة.
في النخبة الشعبوية التي تستعد لوراثة زعامة ترامب البالغ 79 عامًا، يُجمع على أن إسرائيل تحاول جرجرة أمريكا إلى الشرق الأوسط. تلاعب نتنياهو بترامب لم يغب عن أعينهم، ولن يُنسى. البعض يذكّر بشهادة قديمة لنتنياهو في الكونغرس قبيل غزو العراق، حين شجع على الإطاحة بصدام حسين وقال إن الخير وحده سيأتي منها.
المراجعة بدأت. دان كالدويل، مسؤول سابق في البنتاغون، كتب في “واشنطن بوست” أن على الولايات المتحدة إغلاق قواعدها في الشرق الأوسط. “الهجوم على إيران أثبت أن لا حاجة لها”، كتب، محذرًا من أن نزعة إسرائيل نحو الحروب تُعرض القواعد الأمريكية للخطر، وقد تجرّ أمريكا إلى صراعات لا مصلحة لها بها.
المؤثر تيو فون، الذي استضاف ترامب العام الماضي وأعاده إلى جيل الشباب، قال: “كنت أظن أن الشعار هو أمريكا أولاً، مش كأننا مقاولين عند إسرائيل”.
هذه المواقف تشعل نقاشًا متزايدًا حول العلاقات بين واشنطن والقدس. كما يشكك التقدميون في الحزب الديمقراطي بـ”أيباك”، كذلك الآن في حركة MAGA.
عندما استضاف فون عضو الكونغرس توماس ماسي، سأله: “شو اللي بناخده من إسرائيل بالمقابل؟”، فأجاب ماسي: “بناخد مجموعة دول بتكرهنا”.
مارجوري تايلور غرين واصلت النقاش عبر X، وكتبت: “الآن صار عندنا خطر من هجوم إيراني على أراضينا، لأن نتنياهو يجرّنا إلى حرب ثانية. قبل أسبوع حتى ما كنا نفكر في الموضوع”.
المؤثر تيم ديلون، الذي أجرى مقابلة مع نائب الرئيس فانس، وسّع النقاش ليشمل حرية التعبير. تساءل: “هل بنقمع حرية التظاهر في الجامعات من أجل إسرائيل أو من أجل أمريكا؟ لما اعتقلوا طالبة دكتوراه في جامعة تافتس… هل انتخبنا حكومة تتلقى أوامر من إسرائيل؟ لا أعتقد”.
في مقابلة مع كارلسون وغرين، طُرحت أسئلة مشابهة لكن بلغة دينية. غرين قالت: “إحنا عايشين في بيتنا، أمريكا هي بيتنا. إذا كنا موالين لدولة ثانية ما بتدفع ديوننا، وما بتحمي حدودنا، ورئيس وزرائها كان أول من بارك لبايدن — هؤلاء أجانب”. فقاطعها كارلسون مضيفًا: “وعندهم علاقات مع الصين”.
قال كارلسون: “هناك شعور بين المسيحيين البروتستانت، لنقل الإنجيليين، بأن لدينا واجبًا أخلاقيًا في دعم الحكومة العلمانية لإسرائيل، وكأن الله أمرنا بالقتال نيابة عن هذه الحكومة الحالية، وليس عن إسرائيل التي وردت في الكتاب المقدس”.
فأضافت غرين: “هذه حكومة تدعم الإجهاض، وحقوق المثليين، وحقوق المتحولين جنسيًا”.
نشرت صحيفة واشنطن بوست مؤخرًا تقريرًا عن شبان جمهوريين جذبتهم رسالة ترامب الانعزالية، وهم الآن يمرون بمرحلة “صحوة” أو إعادة تقييم للعلاقة مع إسرائيل.
“أن تكون ‘أمريكا أولًا’ يعني أن يكون للنجوم والخطوط في علمنا الأولوية على نجمة داوود”، قال جوسيا نيومان، طالب مسيحي ورئيس تجمع الجمهوريين في جامعة كزافييه في أوهايو.
وأضاف أنه زار إسرائيل عندما كان صغيرًا، وكان يعتقد أنها “أرض الشعب المختار”.
لكن منذ 7 أكتوبر، زعزعت صور غزة التي رآها على شبكات التواصل الاجتماعي قناعته — خاصة عندما أدرك أن القنابل التي تُلقى هناك أمريكية الصنع.
قال نيومان: “بدأت أري والديّ صورًا ومقاطع فيديو من غزة”، وألقى باللوم على قناة فوكس نيوز لما وصفه بـ”نزع الإنسانية عن الفلسطينيين”.
“حتى والديّ صُدموا مما رأوه — أشياء لم تُعرض أبدًا في نشرات الأخبار. المجاعة، وقف المساعدات الإنسانية، القصف المتكرر حتى لا يبقى سوى الرماد. لقد انكسر قلبي”، قال.
في قلب النقاش المتصاعد داخل حركة “MAGA” بقيادة ترامب، ظهرت مواقف جديدة بين الجيل الجمهوري الشاب تجاه إسرائيل. شخصيات مثل مارجوري تايلور غرين وتاكر كارلسون بدأت تنتقد علنًا الدعم الأمريكي لإسرائيل، متسائلة عن الجدوى والمصالح الوطنية الأمريكية.
اتهمت غرين الحكومة الإسرائيلية بأنها “علمانية وتدعم الإجهاض وحقوق المتحولين”، وتساءلت لماذا تُعطى أولوية لدولة أجنبية على حساب “البيت الأمريكي”.
في الوقت نفسه، يعيد شباب جمهوريون النظر في علاقتهم العاطفية السابقة بإسرائيل. جوسيا نيومان، طالب جامعي مسيحي، قال إنه تأثر بشدة بمشاهد من غزة على الإنترنت بعد 7 أكتوبر، واكتشف أن ما يراه يختلف تمامًا عما تعرضه وسائل الإعلام التقليدية مثل “فوكس نيوز”.
وأكد أن حتى والديه المحافظين صُدموا من صور المجاعة والقصف، متسائلًا: “هل نحن نتصرف من أجل أمريكا، أم من أجل إسرائيل؟”.
باختصار، الحرب الأخيرة والانتقادات المتزايدة من داخل اليمين الشعبوي الأمريكي تشير إلى تحوّل كبير في المواقف التاريخية تجاه إسرائيل، خاصة في أوساط الجيل الشاب من الجمهوريين الذين يتبنون نهجًا انعزاليًا ويشككون بمدى أولوية المصالح الإسرائيلية في السياسة الخارجية الأمريكية.
نتنئيل شلوموفيتش هارتس
10 تموز 2025
ترجمة مصطفى ابراهيم