تحولت إلى تهديد استراتيجي

"حرب الكراسي الجامعية": تصاعد المقاطعة العلمية لدولة الاحتلال

المقطاة الاكاديمية الغربية لدولة الاحتلال
المقطاة الاكاديمية الغربية لدولة الاحتلال

مقدمة

منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والرد الإسرائيلي العسكري عليها، شهدت الساحة الأكاديمية العالمية تحولاً دراماتيكياً في العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية. ما بدأ كاحتجاجات طلابية تحول بسرعة إلى نمط مؤسسي يهدد بعزل إسرائيل أكاديمياً عن المجتمع العلمي العالمي. هذا التحليل يستعرض أبعاد هذه الظاهرة وتداعياتها المستقبلية وآليات المواجهة الإسرائيلية.

من الاحتجاجات الطلابية إلى المقاطعة المؤسساتية

شهدت الفترة منذ أكتوبر 2023 تصاعداً غير مسبوق في حملات المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل، مع توثيق نحو 500 حادثة مقاطعة بزيادة نسبتها 66% عما سبق. والأهم من ذلك هو التحول النوعي في طبيعة هذه المقاطعة:

1. من الفردي إلى المؤسسي: لم تعد المقاطعة مجرد مبادرات طلابية، بل أصبحت سياسات معتمدة من هيئات التدريس والمؤسسات الأكاديمية نفسها، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة.

2. المقاطعة الصامتة: ظهرت ظاهرة "المقاطعة الصامتة" حيث تُرفض أوراق بحثية أو طلبات منح من باحثين إسرائيليين دون إبداء أسباب واضحة، بل تحت ستار معايير أخرى غامضة.

3. تنوع أشكال المقاطعة: امتدت المقاطعة لتشمل وقف التعاون البحثي، استبعاد الأكاديميين الإسرائيليين من المؤتمرات، قطع برامج التبادل الطلابي، ومنع الاستثمار في الشركات المرتبطة بإسرائيل.

جغرافيا المقاطعة

كشف التحليل عن تباين واضح في مستويات المقاطعة وفقاً للتوزيع الجغرافي والتخصصات الأكاديمية:

1. التباين الجغرافي: ظهرت أوروبا، وخاصة بلجيكا وإسبانيا وهولندا، كبؤر رئيسية للمقاطعة، فيما كان الموقف الأمريكي أكثر تعقيداً، مع مقاومة الجامعات المرموقة لمطالب المقاطعة الرسمية.

2. التباين التخصصي: أظهرت العلوم الاجتماعية والإنسانية درجة أعلى من المقاطعة مقارنة بالعلوم الطبيعية والهندسية.

3. تدرج جامعي: تركزت المقاطعة في جامعات "الصف الثاني"، فيما ظلت جامعات النخبة العالمية أكثر مقاومة لضغوط المقاطعة.

البعد الاستراتيجي: التهديد القومي

تمثل المقاطعة الأكاديمية تهديداً يتجاوز البعد العلمي المباشر ليصبح قضية أمن قومي إسرائيلي للأسباب التالية:

1. تهديد الاقتصاد المعرفي: العزلة الأكاديمية تهدد قطاع التكنولوجيا العالية (الهايتك) الذي يعتمد على الأبحاث المشتركة وخريجي الجامعات الإسرائيلية.

2. تأثير الأجيال: نجاح حركة المقاطعة في توسيع قاعدة المؤيدين بين الشباب، الذين يُنظر إليهم كقادة المستقبل، يمثل تهديداً طويل الأمد.

3. البنية الصحية: التأثير المحتمل على النظام الصحي المرتبط بالأبحاث الطبية والتعليم الطبي المتقدم.

من الدفاع إلى المواجهة المنظمة

واجهت إسرائيل التحدي المتصاعد عبر استراتيجية متعددة المستويات:

1. الدبلوماسية الأكاديمية: تدخلات دبلوماسية وعلاقات مباشرة بين رؤساء الجامعات الإسرائيلية ونظرائهم الدوليين.

2. المواجهة القانونية: استخدام الإطار القانوني في البلدان المستهدفة لمواجهة المقاطعة، خاصة في الولايات المتحدة.

3. مشروع "درع الأكاديميين": مبادرة استراتيجية لرصد وتحليل ومواجهة ظاهرة المقاطعة الأكاديمية، بقيادة معهد نئمان للدراسات السياسية الوطنية.

الدرع: استراتيجية المواجهة المنهجية

يمثل مشروع "درع الأكاديميين" نقلة نوعية في التصدي للمقاطعة الأكاديمية من خلال:

1. التوثيق المنهجي: توثيق حالات المقاطعة عبر استبيانات واسعة النطاق موجهة للأكاديميين الإسرائيليين.

2. تحويل المعلومات إلى بيانات: تحليل المعلومات وتحويلها إلى بيانات قابلة للقياس والتقييم.

3. بناء استراتيجية وطنية: تقديم أدوات لصناع القرار لمعالجة الظاهرة عبر القنوات الدبلوماسية والإعلامية والمؤسسية.

قراءة في مستقبل المقاطعة

تشير مؤشرات الوضع الراهن إلى عدة اتجاهات محتملة:

1. إشارات تحول: قرار "رابطة أساتذة الجامعات الأميركية" بإزالة معارضتها المبدئية للمقاطعة الأكاديمية يشير إلى تحول في الموقف الأمريكي.

2. التأثير المتأخر: لم تظهر حتى الآن مؤشرات تراجع كبيرة في إنتاجية البحث العلمي الإسرائيلي، لكن الآثار قد تظهر على المدى المتوسط والبعيد.

3. فاعلية المواجهة: نجاح التدخلات المضادة الإسرائيلية في نحو ثلث الحالات الموثقة يعطي مؤشراً إيجابياً على إمكانية مواجهة الظاهرة.

توصيات

تمثل المقاطعة الأكاديمية تحدياً استراتيجياً لإسرائيل يتجاوز المجال العلمي ليؤثر على مكانتها الدولية واقتصادها القائم على المعرفة. مواجهة هذا التحدي تتطلب:

1. استراتيجية شاملة: تتجاوز ردود الفعل الآنية إلى خطة طويلة المدى تشمل الدبلوماسية العامة والتعاون الدولي.

2. التركيز على المقاطعة الصامتة: باعتبارها الأخطر والأصعب رصداً، وتطوير آليات لكشفها ومواجهتها.

3. بناء تحالفات أكاديمية جديدة: خاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية، كبديل للفراغ المحتمل في التعاون مع المؤسسات الأوروبية.

4. الاستثمار في البدائل: تطوير منصات تعاون افتراضية وبرامج بحثية مستقلة تقلل الاعتماد على المؤسسات الأجنبية.

إن تحول المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل من ظاهرة هامشية إلى تيار متصاعد يتطلب استجابة مؤسسية منظمة تحول التهديد إلى فرصة لإعادة هيكلة المشهد الأكاديمي الإسرائيلي وعلاقاته الدولية.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo