مقدمة
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أولت مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الإسرائيلية اهتمامًا بالغًا لرصد وتحليل اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي تجاه الحرب وتداعياتها المختلفة على الأصعدة الداخلية.
يستعرض هذا التقدير أبرز ما جاء في استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في مارس 2025، مع التأكيد على أن الآراء والمصطلحات الواردة تعكس نتائج الاستطلاع ولا تمثل وجهة نظر هذا التقدير.
أبرز المؤشرات والتحولات في الرأي العام الإسرائيلي:
أولاً: تراجع المزاج العام وتصاعد التشاؤم:
أظهر الاستطلاع انخفاضًا ملحوظًا في مستويات التفاؤل في أربع مجالات رئيسية: مستقبل الحكم الديمقراطي، الوضع الأمني، الوضع الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي.
سجل التماسك الاجتماعي أدنى مستويات التفاؤل (22% فقط بين اليهود والعرب)، مما يعكس شعورًا عامًا بتراجع الوحدة والتضامن.
أظهر تشاؤم كبير بشأن الوضع الاقتصادي (25% نسبة التفاؤل)، مما يشير إلى تزايد القلق إزاء الأداء الاقتصادي.
بينما كانت نسبة التفاؤل بمستقبل الحكم الديمقراطي أعلى نسبيًا (38%)، إلا أنها لا تزال تعكس مخاوف لدى غالبية الجمهور.
كان الوضع الأمني المجال الوحيد الذي اقتربت فيه نسبة التفاؤل لدى اليهود من النصف (39.5%)، مع تباين حاد في التقييم بين اليهود والعرب (20% فقط من العرب متفائلون).
لوحظ ارتفاع في التفاؤل لدى اليمين السياسي مقارنة بالوسط واليسار، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الحكم الديمقراطي والوضع الأمني.
بالمقارنة مع استطلاعات سابقة، ارتفع التفاؤل تجاه الحكم الديمقراطي بشكل طفيف، بينما انخفض التفاؤل بشأن الوضع الأمني والاقتصاد والتماسك الاجتماعي بشكل ملحوظ، مما يشير إلى اتجاه عام نحو التشاؤم والقلق بشأن مستقبل الدولة والمجتمع.
ثانياً: انقسام حول سلطة المحكمة العليا وإمكانية العصيان المدني:
أظهر الاستطلاع انقسامًا في الرأي العام اليهودي حول الالتزام بقرار المحكمة العليا بشأن إقالة رئيس جهاز "الشاباك"، حيث أيدت غالبية ضئيلة (54%) الالتزام، بينما عارض ذلك 36%. وكان التأييد للالتزام بقرارات المحكمة أعلى بكثير بين المواطنين العرب (71%).
كشف التوزيع حسب الانتماء السياسي عن دعم قوي لالتزام الحكومة بقرار المحكمة من قبل اليسار والوسط، ومعارضة كبيرة من اليمين وناخبي الائتلاف الحاكم.
فيما يتعلق بإمكانية تصاعد الاحتجاجات إلى "عصيان مدني" في حال عدم امتثال الحكومة لقرار المحكمة، أيد 41% من اليهود هذا الخيار، ونسبة أعلى بين العرب (52%). وكان التأييد للعصيان المدني مرتفعًا جدًا بين اليسار والوسط اليهودي، ومنخفضًا جدًا في صفوف اليمين.
ثالثاً: تباين الآراء حول علم نتنياهو بقضية "قطر- غيت":
أظهر الاستطلاع أن غالبية اليهود (55.5%) يعتقدون أو يوقنون بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان على علم بعلاقات مستشاريه مع قطر، على الرغم من نفيه. وكان هذا الاعتقاد أقوى لدى المواطنين العرب.
كشف التحليل حسب الانتماء السياسي عن قناعة شبه مطلقة لدى اليسار وأغلبية واضحة لدى الوسط بعلم نتنياهو، بينما كان اليمين منقسمًا بالتساوي حول هذه القضية.
تشير هذه النتائج إلى أن تقييم معرفة رئيس الحكومة بعلاقات مستشاريه مع قطر يتأثر بشكل كبير بالانتماء السياسي للمستطلعين.
رابعاً: تحول في أولويات الحرب على غزة:
أظهر الاستطلاع تحولًا ملحوظًا وسريعًا في أولويات الجمهور الإسرائيلي فيما يتعلق بأهداف الحرب، حيث تزايدت نسبة من يرون أن استعادة الأسرى هي الأولوية القصوى على حساب القضاء على حركة حماس.
بحلول مارس 2025، تجاوزت نسبة من يفضلون استعادة الأسرى الثلثين، بينما تراجعت نسبة من يرون أن القضاء على حماس هو الهدف الأهم إلى نحو الربع فقط.
يُعتقد أن هذا التحول يعكس تغيرًا في الرأي العام حول جدوى وأولوية أهداف الحرب، وربما تزايد الشكوك في إمكانية تحقيق هدف القضاء الكامل على حماس.
يُظهر الانقسام السياسي داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي تأييدًا ساحقًا لإعطاء الأولوية لاستعادة الأسرى في أوساط اليسار والوسط، وحتى في اليمين، ظهرت أغلبية ضئيلة تؤيد هذا الخيار.
يبدو الرأي العام منقسمًا بشكل متساوٍ حول إمكانية تحقيق الهدفين معًا (استعادة الأسرى والقضاء على حماس).
خلاصة
يعكس استطلاع الرأي الأخير لشهر مارس 2025 حالة من التشاؤم المتزايد والانقسام العميق في المجتمع الإسرائيلي تجاه العديد من القضايا المحورية، وعلى رأسها الحرب على غزة وتداعياتها الداخلية.
يظهر تراجع في الثقة بالمؤسسات، وتصاعد في المخاوف بشأن المستقبل الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تحول ملحوظ في أولويات الحرب لصالح استعادة الأسرى. كما تكشف النتائج عن تأثير كبير للانتماء السياسي على مواقف الأفراد تجاه مختلف القضايا المطروحة، مما يشير إلى استمرار حالة الاستقطاب الحاد في المشهد الإسرائيلي.