قال الدكتور أحمد سعدي، أستاذ السياسة في جامعة بن غوريون، إن الحرب على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي كشفت عن فشل أنظمة الرقابة المتطورة، كما أبرزت ظهور تحالفات غير تقليدية بين مجموعات ذات قواسم مشتركة غير متوقعة.
فشل أنظمة الرقابة في مواجهة التهديدات.
أشار الدكتور سعدي إلى أن الحرب الأخيرة على غزة شكلت اختبارًا صارمًا لأنظمة المراقبة الجماعية التي أصبحت منذ نهاية القرن الماضي الأداة الرئيسية لإدارة السكان والسيطرة عليهم.
وأكد أن السهولة التي تمكن بها مقاتلو حماس من اختراق الجدار الأمني الإسرائيلي المتطور، المعروف بـ"الجدار الحديدي"، والذي يتألف من حاجز بارتفاع 6 أمتار مزود بأجهزة استشعار ورادارات وأبراج مراقبة ومعدات كشف متطورة، كشف عن الفشل في منع الهجمات المنسقة التي نفذتها حماس، مما يعكس تراجع فعالية أنظمة الرقابة في تأمين الحدود.
التحديات المقبلة وإعادة التقييم
وأكد سعدي أن هذه التطورات تأتي في وقت يتزايد فيه الضغط على النظم الأمنية لتحديث تقنياتها وطرقها لمواكبة التهديدات المتغيرة، كما تبرز الحاجة إلى تعزيز التحالفات الدولية والتفكير في طرق جديدة لدعم حقوق الإنسان في ظل الصراعات المستمرة.
وشدد على أن النزاع على غزة يقدم درسًا مهمًا حول حدود الأنظمة التكنولوجية وعقبات النظام النيوليبرالي في مواجهة الأزمات الإنسانية.
وأضاف أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا وبيانات المراقبة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يكشف عن عيوب رئيسية: أولها، كما ذكر الروائي جراهام غرين، أن التكنولوجيا لا يمكنها دائمًا التنبؤ بالدوافع البشرية والإبداع، مما يعني أن الأفراد يمكنهم دائمًا تجاوز الأنظمة التقنية.
وثانيًا، تثير البيانات الموضوعية تفسيرات متعددة، كما حدث خلال حرب فيتنام، حيث أظهرت البيانات أن النصر قريب بينما لم يتحقق في الواقع، مشددا على أن هذا التباين في التفسير يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متوقعة في النزاعات.
التحديات التي تواجه النموذج الإسرائيلي للمراقبة
أوضح سعدي أن فشل نظام المراقبة الإسرائيلي في التصدي لهجمات حماس يعكس تراجع فعالية النموذج القائم على التكنولوجيا المتقدمة.
وأكد أن إسرائيل، التي تُعتبر رائدة في مجال المراقبة، اعتمدت على تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية، بما في ذلك أدوات مثل "البشارة" و"أين أبي" و"الخزامى"، والتي تستخدم لتحديد الأهداف وإدارتها، موضحا أنه رغم ذلك، فإن الاستخدام المكثف لهذه التكنولوجيا ساهم في تصاعد الوحشية في الصراع، وبدلاً من قصف مقاتلي حماس، لجأت إسرائيل إلى قصف أهداف تشمل مدنيين.
وأشار إلى أن التقنيات الحديثة تظهر تغييرات ملحوظة في استراتيجيات الحرب، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد أهداف بشكل أسرع وأرخص، مما يرفع من أعداد الضحايا المدنيين، مؤكدًا أن هذا التغير في استراتيجية القتل يعكس تحولًا كبيرًا نحو زيادة الوحشية في النزاعات وتقليل التمييز بين المدنيين والمقاتلين.
تغييرات في استراتيجية القتال
وأشار سعدي إلى أن طبيعة الحرب تغيرت بفضل التكنولوجيا المتقدمة، وبدلاً من مواجهة الأعداء في ساحة المعركة، يمكن الآن قصفهم في منازلهم، مما يؤدي إلى "أضرار جانبية" كبيرة.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يسمح بتحديد أهداف كثيرة بسرعة غير مسبوقة، ما يعزز من إمكانية قتل المدنيين إلى جانب المقاتلين، مؤكدًا أنه يمكن للذكاء الاصطناعي الآن توليد 100 هدف في اليوم، بينما كان يتم إنشاء 50 هدفًا في السنة في السابق، وهو ما يفسر زيادة وحشية الحرب وطمس الفارق بين المدنيين والمقاتلين.
الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات العسكرية
أكد الكاتب أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤثر على الأخلاقيات العسكرية، حيث أن الاعتماد على هذه التكنولوجيا يمكن أن يؤدي إلى خلق حالة من "الرضا الأخلاقي الزائف"، حيث تدفع هذه التكنولوجيا إلى التركيز على السرعة بدلاً من التفكير الأخلاقي.
تعاون إسرائيل مع شركات التكنولوجيا الكبرى: مشروع "نيمبوس"
أوضح سعدي أن إدخال الذكاء الاصطناعي في الأسلحة الإسرائيلية كان ممكنًا بفضل التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وأمازون، من خلال مشروع "نيمبوس"، والذي بموجبه قدمت غوغل خدمات خاصة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، لتسهيل تخزين ومعالجة البيانات، بالإضافة إلى تقديم خدمات استشارية.
تحالفات جديدة لدعم الفلسطينيين
تطرّق سعدي إلى التحالفات الجديدة التي نشأت بسبب الحرب على غزة، موضحًا أن الدعم للفلسطينيين يتجاوز الانتماءات الحضارية أو الأيديولوجية التقليدية، وبدلاً من ذلك، يرتكز على تجارب مشتركة في المراقبة والسيطرة، حيث يتقارب مؤيدو الفلسطينيين مع جماعات عانت من الاستعمار الاستيطاني في بلدان مثل جنوب أفريقيا والجزائر وأيرلندا، وهو ما يبرز تزايد الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية والتضامن معها.
ردود فعل دولية رافضة للعدوان على غزة
سعدي أكد أن ردود الفعل من الطلاب والموظفين ضد الدعم المقدم لإسرائيل تزايدت بسبب العدوان على غزة، مشيرًا إلى دعوة الاتحاد الكندي للطلاب إلى وقف فوري للقصف ورفع الحصار عن غزة. وكذا دعا طلاب جامعتي أكسفورد وكامبريدج جامعتيهما إلى إنهاء الدعم المقدم لإسرائيل، على اعتبار أن أرباحها لا يمكن أن تستمر على حساب حياة الفلسطينيين.
وأشار سعدي إلى تحركات مماثلة من موظفي ستاربكس الذين دعموا الفلسطينيين رغم ردود الفعل السلبية من الإدارة.
ممارسات شركات التكنولوجيا والتلاعب بالمحتوى
وتطرق سعدي إلى الانتقادات الموجهة لشركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وأمازون بسبب دورها في مشاريع ذات طابع أخلاقي مشكوك فيه مثل "نيمبوس". وكذا شركة ميتا-فيسبوك التي تعرضت لانتقادات بسبب التلاعب بالمحتوى الفلسطيني على منصاتها، مثل إضافة ترجمات آلية تحمل دلالات سلبية للمحتوى الفلسطيني، الأمر الذي يعكس التناقض بين توفير أدوات للتواصل وبين استخدامها لأغراض قمعية.
وفي ختام مقاله أكد سعدي أن الحرب على غزة كشفت عن التناقض العميق الموجود في النظام العالمي، وسلطت الضوء على السخط الذي تشعر به قطاعات كبيرة من السكان حول العالم فيما يتعلق بالنموذج النيوليبرالي ومبادئه الأساسية وأدوات المراقبة والإدارة، وذلك في ظل بقاء الكثيرين تحت المعاناة، لا سيما بين الأطفال، والمسنين، والنساء، والمرضى.
المصدر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار