أرباح وخسائر إيران من حرب غزة

اثار العدوان على غزة
اثار العدوان على غزة

منذ العدوان الإسرائيلي على غزة تصدرت طهران المشهد الإقليمي وفرضت نفسها على الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بدت معها، وكـأنها قاب قوسين أو أدني من الانغماس في هذه المواجهة وقيادة محور المقاومة نحو حرب إقليمية أوسع لحماية او الدفاع عن نفوذها.

تصريحات وزير خارجية طهران امير عبد اللهيان عن نفاذ الوقت والصبر الإيراني وهي من استبقت ذلك بموقفها المعلن منذ البداية انها لم تكن على علم بما جري يوم السابع من أكتوبر وهو الموقف الذى طمأن الجميع.

لكنها وجدت في الحرب منافع سياسية ودبلوماسية وعسكرية أظهرت من خلالها ايران قدرة اذرعها ووكلائها في المنطقة من لبنان الى سوريا واليمن والعراق على تفجير الاحداث واستطاعتها تأزيم المشهد الشرق اوسطي في وجه إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية من خلال التلويح بورقة خروج الأوضاع عن السيطرة وتوسعة الصراع.

لكنها استمرت بالنسبة لجميع الأطراف كعدو عاقل من حيث القدرة على إدارة قواعد الاشتباك وعدم تعميق الصراع خاصة على الجبهة الشمالية والتي يقودها حزب الله والحراك الحوثي في البحر الأحمر وهي رسالة مفادها ان إيران لن تتورط في صدام عسكري مباشر لا مع الشيطان الأكبر ولا الأصغر منه لكنها ستحافظ على عقيدة "الدفاع الأمامي" وهي بحسب الكثيرين تعني أن طهران ستقاتل حتى اخر جندي حمساوي او لبناني او سوري.

مكاسب طهران

منذ انطلاق المواجهة بين حماس وكيان الاحتلال بدا من الصعب الفصل بين ما جري في السابع من أكتوبر وأهداف إيران التي ذهبت الإشارات صوب احتمال تورطها في الحدث باعتبارها الداعم الأكبر لحماس على صعيد التمويل والتدريب لكن طهران أدارت المواجهة على جبهة السياسية لا الايدولوجيا مع كافة القوي التي رأت انها قد تكون مسئولة عما حدث.

يقول الكاتب محمد علوش حتّى الآن، لا توجد استراتيجية إيرانية واضحة للتعامل مع هذه الحرب في الخطاب السياسي، لا تزال طهران تحاول النأي بنفسِها عن الهجوم الذي شنّته حماس، بعد مزاعم وسائل إعلام أمريكية بأنّها خطّطت للهجوم وأعطت الضوء الأخضر له. كما تتجنّب إصدار تصريحات واضحة باحتمال انخراطها أو دفع وكلائها إلى الانخراط في الحرب، لكنْ في الميدان، تواصلُ إرسال الرسائل التحذيرية من خلال الهجمات العرَضية من جنوبي لبنان وسوريا.

بعيدا عن الأيديولوجيا والتصريحات أظهرت ايران براجماتية عالية كما يري الكاتب محمد محسن أبو النور وذكاء من حيث الجمع بين مصالحها السياسية الوطنية، وبين الأيديولوجية من حيث تأسس نظامها على العداء الديني المطلق لإسرائيل، وبالتالي تعرف أن ظروف الحرب وميدانها الطبوغرافي يجعل من المستحيل عليها دخول حرب مع إسرائيل كما أن فهم إيران الراهن العميق لبنية النظام الدولي الجديد الذي بات يتشكل، يجعل من أي مواجهة مع إسرائيل ليس صراعا مع كيان صهيوني محتل ومغتصب بل هو صراع مع القوى الدولية.

الحرب في غزة عززت كذلك من مكانة وحضور ايران في المنطقة ليس على صعيد الازمة فقط ثمة أسباب أخرى كما يقول الكاتب رانج علاء الدين منها عرقلة عمليّة التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل التي اكتسبت زخماً كبيراً في الأشهر التي سبقت السابع من أكتوبر، ومحاولة تقويض اتفاقات التطبيع القائمة بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، وقد أدّت هذه الهجمات مجتمعةً إلى تضخيم استعراض إيران لقوتها في الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه امتحان النفوذ الغربي في المنطقة وإضعافه وزعزعة الوضع الأمني الإقليمي.

كما بينت هذه الحرب قدرة طهران ووكلائها على زعزعة الامن الإقليمي كما يقول المحلل فارس البيل، أن إيران استخدمت خلال هذه الحرب ذراعها الأبعد عن المنطقة الساخنة، للقيام بأعمال تعلم أنه لن يكون لها أثر كبير أو رد فعل قوي ضدها، أرادت المراوغة وكسب العاطفة الشعبية العربية والإسلامية، وإن ما يحكم جماعة الحوثي في تحركاتها ضد إسرائيل "حسابات إيرانية بالتأكيد"، مضيفًا أن طهران "تريد استخدام الحوثيين لكسب عواطف الناس باعتبار أنها ذراع من محور المقاومة".

في السياق يؤكد الكاتب الصحفي خير الله خير الله يصعب تجاهل الحسابات الخاصة بـ "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي تبيّن أنّ تركيزها الأوّل والأخير على توظيف حرب غزّة بما يخدم مصالحها، حيث استطاعت إيران إثبات أنّ ثمّة فاعليّة كبيرة لأدواتها في المنطقة، تستطيع توسيع حرب غزّة بكبسة زرّ، يكفي إعطاء ضوء أخضر لـ"حزب الله" كي تنتقل المعركة الكبرى من غزّة إلى الجليل وجنوب لبنان، مضيفا لم يعد مستبعدا تتويج الانتصار الإيراني في حرب غزّة، التي لا بدّ من الاعتراف بأنّها أعادت حل الدولتين، دولة إسرائيل ودولة فلسطين إلى الواجهة، بصفقة إيرانيّة – أميركيّة.

بدوره يقول المحلل السياسي الفلسطيني زيد الأيوبي، إنّ النظام الإيراني يسعى إلى "توتير أجواء المنطقة" من أجل تحقيق مكاسب استرايتيجية بحيث يضمن "الدور المستقبلي" في عدة ملفات إقليمية، وهذا النظام هو الذي يوفر سائر الدعم لحركة حماس على مستوى تدريب المقاتلين والتمويل وتغطية جميع النفقات، بالتالي فإنّ الحركة أو بالأحرى جناحها المسلح يرتهن للقرار الإيراني، كما لن تكون هناك تحركات "بمنأى عن إرادة ملالي طهران"

في الاطار ذاته اعتبر الكاتب أميد شكري أن خطوات طهران محسوبة وهي تسعي الى دعم المعارضة الأيديولوجية الإيرانية لوجود الدولة الإسرائيلية، بينما تعمل على عزل إسرائيل سياسياً واقتصادياً ومما يعزز هذه السياسة الضربات الحوثية في البحر الأحمر، والتي تسبب صعوبات وتعطيل لإسرائيل وشركائها في مساعيهم البحرية، وتريد إيران أن تستمر في كونها قوة رئيسية في حركة المقاومة ضد إسرائيل من أجل تعزيز قوتها ونفوذها في المنطقة.

من جهته يقول الكاتب نديم قطيش إيران ليست معنية بالمشاركة العسكرية في الحرب، بقدر ما تصب جل تركيزها على استثمار الحرب لتعزيز موقعها على رقعة النفوذ في الشرق الأوسط. وإذا تركنا جانباً التصريحات النارية للمسؤولين الإيرانيين ولبعض قادة الميليشيات الحليفة لها، سنكتشف أن الواقع على الأرض يشير إلى لعبة إيرانية أكثر دقة، تهدف إلى تعزيز سيطرة طهران في مجال نفوذها، وتحديداً العراق ولبنان واليمن، مع تجنب مخاطر أي حرب شاملة.

حصاد الحرب.. أين تخسر إيران

الحسابات الدقيقة هي من ابقت الجميع ومن بينهم طهران بعيدا عن المواجهة الشاملة وتكلفتها الباهظة اذا ما قرر الجميع الانخراط في صراع اقليمي من خلال التضحية بالعديد من المكاسب والتي تشكل خسارة لابد منها حتى وان كان ثمنها خسارة ايران لاحد اذرعها او حلفائها في المنطقة مثل حركة حماس.   

ربما كانت ابرز أوجه الخسارة التي يمكن تفسيرها بوضوح هو الانتقاد الذى وجهته حركة حماس لدور حزب الله في هذه الحرب على لسان عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسي أبو مرزوق والذى قال كنا ننتظر كثيراً من حزب الله  بعدما اعلن امينه العام حسن نصر الله ان الجبهة الشمالية هي جبهة تضامن وهو ما اعتبر انه رسالة الى طهران وليس الى حزب الله مباشرة .

الوجه الاخر للخسارة التي طالت ايران في هذه المواجهة تتمثل كما يقول مدير وحدة الدراسات السياسية في لمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات  مروان قبلان، في حال نجاح إسرائيل في مهمتها الهادفة إلى تغيير النظام في غزّة، فسيشكّل ذلك ضربة كبيرة لإيران لأنها ستخسر حليفًا رئيسًا، أي حركة حماس، ولن يكون لديها فرصة سانحة للانخراط في القضية الفلسطينية. والأهم من ذلك، أنه إذا نجحت إسرائيل في غزّة، فسيكون حزب الله الهدف التالي، لأنه يشكّل تهديدًا أكبر من حماس، ما يشكّل ضربة أكبر لإيران.

وسائل اعلام غريبة وامريكية أعطت إشارات حول محدودية المكاسب التي قد تخرج بها طهران من هذه المعركة حيث قالت صحيفة نيويورك تايمز ان طهران أظهرت علامات "ضعف إستراتيجي" خلال هذه الحرب، فوفقًا لتقييمات المخابرات الأميركية إلى أن إيران فوجئت بهجوم حركة (حماس) ولم تفعل إلا أقل القليل لمساعدة حليفها المفترض رغم أن حماس ألحقت بإسرائيل أعظم هزيمة منذ نصف قرن من الزمن. مضيفة أن خامنئي أمر قادته العسكريين بممارسة "الصبر الإستراتيجي" لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة.

بدوره يقول الكاتب علي فايز أن الصراع المستمر قد لا ينتهي بالنصر الواضح الذي أعلنته طهران بالفعل. فهي تريد أن تصبح قوةً مهيمنة في الشرق الأوسط، ولكنها لم تكن على استعداد للاستفادة من الحرب في غزة من خلال جعل محور المقاومة يفتح جبهات رئيسيّة جديدة ضد تل أبيب أو واشنطن، مضيفا أنه يمكن لإيران أن تسبب الفوضى، لكنها ليست قويّة بما يكفي لشن هجوم حقيقي، فهي لا تزال بحاجة إلى حلفائها الإقليميين في المقام الأول للدفاع عن أراضيها، لذلك قد تستنتج طهران أن هذا الصراع جعلها تبدو أضعف لا أقوى وأنها أكثر عرضةً للخطر.

في طهران يقرأون الخسارة على الصعيد الداخلي حيث ذكرت صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية ان ثمة أسباب مختلفة لعدم تدخل إيران في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل منها عدم دعم أي من الدول الكبرى مثل روسيا والصين لحماس، وبالتالي في حال قررت إيران مساندة الحركة ستجد نفسها في عزلة دولية جديدة كما أن هناك توجها جديدا لدى المرشد الإيراني وهو أنه أصبح أكثر حذرا وقلقا من تبعات الحرب مع أميركا، لا سيما بعد مقتل قاسم سليماني في غارة جوية أميركية، وهذا التوجه الجديد نسبيا جعل قرارات إيران أكثر واقعية .

يقول الكاتب سمير التقي لعل طهران ستدرك أنه ما إن يتوقف القتال أو يتخامد، حتى ينفرط عقد أوراقها السياسية الإقليمية، فلا مصداقية لمقولاتها «بتحرير لفلسطين» ولا «بنصرة المستضعفين»، فمن كان يريد فعلا إقران القول بالفعل، يمكنه أن يفعل ذلك والأتون في أوجه. أما بعد تخامد القتال، فلن يجدي «حزب الله» ولا «الحشد» ولا «الزينبيون» إلخ... التبجح بنصرة فلسطين ولا مقارعة «الشيطان الأكبر».

 

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo