بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في7 أكتوبر صعدت قوات الاحتلال من وتيرة جرائمها وانتهاكاتها في مدن ومخيمات الضفة المحتلة وشددت من قبضتها الامنية على نحو غير مسبوق في إطار حالة التأهب مما أسفر عن استشهاد ما يقارب من 371 مواطن وأكثر من 3000 جريح، وإلى اعتقال أكثر من 6000 فلسطينيا بحسب هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني منذ بداية الحرب.
ترافق ذلك مع سلسلة من الإجراءات العقابية التي طالت مختلف القطاعات ومنهم العمال بعد منعهم من العمل داخل كيان الاحتلال، ورفض تل ابيب تحويل أموال الضرائب (المقاصة) مما أدى الى تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع سيطرة السلطة الفلسطينية، ناهيك عن تصاعد هجمات المستوطنين كل ذلك دفع بالأوضاع نحو الغليان فيما بدت الهجمة الإسرائيلية وكأنها امتداد لما يجري في غزة.
ومن البداية لم تقتصر التصورات الاسرائيلية للحرب على القطاع بل شملت الضفة من خلال عمليات الاغتيال والقتل الممنهجة والحديث عن مخططات الترانسفير الى الأردن وقضم الأرض لصالح مخططات الاستيطان التي اتسعت على نطاق كبير جرى تهجير 16 قرية في الضفة، هذه الممارسات قربت الضفة من حافة الانفجار او انتفاضة ثالثة بحسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية.
دوفع الانفجار.. انتفاضة ثالثة
التحذيرات التي دأبت على إطلاقها الأوساط الأمنية في كيان الاحتلال من انفجار وشيك لجبهة الضفة المحتلة بسبب سياسة تضييق الخناق والقيود العسكرية تمحورت حول ما تشكله الضفة من تحدي أمني حرج في حال الخروج عن السيطرة والتي لن تكون في صالح الاحتلال المنهمك في حرب غزة.
القلق من انفجار الضفة المحتلة لم يكن مجرد تكهنات، بل جاءت على لسان مستويات امنية وعسكرية كبيرة في كيان الاحتلال حيث حذر رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك"، رونين بار، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، من انفجار الضفة الغربية نتيجة السياسات التي تتبناها حكومة تل أبيب، ولفت بار إلى أن هناك وزراء في مجلس الوزراء المصغر لشؤون الأمن "معنيون بتفجير الأوضاع في الضفة، مضيفا ان هذ المجلس يمثل المشكلة وليس الحل، على اعتبار أنه يضم عناصر معنية بإشعال المنطقة.
كما كشف تقرير للقناة الـ12 العبرية، أن المستوى العسكري على وجه التحديد حذر من انفجار الضفة الغربية، مما يعني جبهة أخرى يتعين على الاحتلال التعامل معها بكثافة عالية، وقال مسؤولون كبار في المؤسسة العسكرية للمستوى السياسي في الغرف المغلقة إن "الضفة على وشك الانفجار في انتفاضة ثالثة وشاملة، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية ومنع دخول العمال للعمل في إسرائيل".
لكن الأخطر ما تحدثت عنه مصادر إعلامية عبرية عن تحول في عسكري في مسار الاحداث بسبب التهديد الذي تشكله الضفة المحتلة حيث نقلت عن مسؤول عسكري إسرائيلي، قوله "إن الضفة الغربية على شفا الانفجار الداخلي"، وأشارت إلى أنه السبب الذي دفع الجيش إلى نقل وحدة "دوفدوفان" للقوات الخاصة من غزة إلى الضفة الغربية، بما تمثله من خسارة لقوة كبيرة جدّاً في القتال هناك، لكنه يعتبر ذلك ضروريّاً في ضوء الوضع في الضفة الغربية".
لكن هذه التقديرات الأمنية لم تلقي أي استجابة من قبل المستوي السياسي في كيان الاحتلال مما دفع بالإعلام العبري الى نقل هذا الاستياء من سلوك ائتلاف الحرب الى العلن حيث قالت صحيفة "هآرتس" العبرية إن "نتنياهو يفضل تعريض إسرائيل للخطر بدلا من حكومته، التي تعتمد على رغبة اليمين المتطرف في الضم والتفوق اليهودي والحرب، مضيفة: "هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن التوصل إليه من خلال تجاهله الإجرامي للتحذيرات المتكررة الصادرة عن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك"، وبينت "أن رسالة المؤسسة الأمنية واضحة وضوح الشمس: يجب على إسرائيل أن تفعل شيئا لتخفيف الظروف الاقتصادية المتدهورة بسرعة في الضفة.
لم تقتصر هذه المخاوف على الأوساط الأمنية بل شاركتها كذلك أوساط إعلامية أين حذر الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في مقال له بصحيفة هآرتس العبرية حكومة بلاده من انفجار وشيك لما وصفها بـ"طنجرة الضغط التالية في الضفة الغربية"، بسبب تصاعد اعتداءات المستوطنين الوحشية على الفلسطينيين، مضيفا إن التحذيرات التي تخرج من قادة بالجيش الإسرائيلي حول ما يحدث بالضفة هي تحذيرات "منافقة ووقحة" تهدف لـ"التغطية على مؤخرة الجيش"، على حد وصفه، لأن المستوطنون ليسوا هم فقط من يرتكب المذابح الآن في الضفة.
من جهته وصف الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي ما يحصل في الضفة الغربية بأنه "حرب غير معلنة" حتى من قبل 7 أكتوبر في ظل التضييق والحصار المستمر، وتابع بالقول "حكومة نتنياهو لا تريد أن تفتح أي جبهة أخرى، لذلك تقوم بقمع أي تحرك في الضفة للانفراد بقطاع غزة"، مشيرا الى أن "التركيز على جنين وطولكرم ومخيم بلاطة والخليل وأريحا جاء بسبب تواجد المقاومة الفلسطينية فيها، كما تنطلق بؤر التحركات منها، ولا تريد إسرائيل أن يكون ذلك نموذجاً ينتقل لأماكن أخرى".
في السياق أوضح الإعلامي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن، أن مناطق واسعة في الضفة تشهد منذ الحرب على غزة تصعيدا متدرجا، وعليه جاءت هذه التحذيرات للمستوى السياسي من أجل السعي للحد من حالة التوتر والغليان. مشددا إلى أن هذه التحذيرات حقيقية، ولا تأتي في سياق التقديرات أو الفرضيات لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي لا تعرف كيف يمكن أن تتطور الأمور ميدانيا، حيث لا يستبعد الجيش سيناريو تحول التوتر الأمني إلى مواجهة واسعة تفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
حرب غير معلنة
مذبحة صامته او حرب غير معلنة او الحرب المنسية كلها توصيفات أطلقت على ما يجري في الضفة المحتلة في ظل الهجمة المحمومة التي تقودها إسرائيل مستغلة الانشغال الدولي بالحرب على قطاع غزة من اجل فرض مخططاتها الاستيطانية هناك.
فالتحذير مما يجري في الضفة المحتلة لم يقتصر على العقاب الجماعي اليومية لجيش الاحتلال بل الى التحذير من مخطط أبعد تشرف عليه دولة الاحتلال عبر اذرع المستوطنين حيث كشف مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي قائمة قال إنها لتجمعّات تعرضت للتهجير القسريّ من مناطق "ج" في الضفة المحتلة، تحت ستار الحرب شملت تهجير 151 عائلة تضم 1,009 أفراد جرى تهجيرها قسرياً، من مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أهداف هذه الحرب غير المعلنة يكشفها مخطط حمل عنوان "خطّة إسرائيل الحاسمة" بشأن الضفة الغربية، التي وضعها وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش لتهجير الفلسطينيين، تضع هذه الخطة الفلسطينيين أمام خيارَين: إما التخلّي عن تطلّعاتهم السياسية والقبول بالعيش كمواطنين من الدرجة الثانية على أرضهم، أو "الهجرة" إلى الخارج. أما إذا اختار الفلسطينيون الانخراط في المقاومة المسلّحة ضدّ إسرائيل، فينبغي قتلهم.
الحرب التي ارادتها تل ابيب صامته انكشفت فلسطينيا حيث اتهمت وزارة الخارجية الفلسطينية، إسرائيل بتنفيذ ما وصفته بأنه «تهجير صامت» في الضفة الغربية، تزامناً مع حربها على قطاع غزة، وأوضحت الوزارة، في بيان، أن الحرب على غزة «تتزامن مع حرب إسرائيلية رسمية لتعميق جريمة التهجير الصامت في الضفة والسيطرة على المزيد من الأرض وتخصيصها لصالح الاستيطان».
يقول الكاتب المصري أحمد التايب يجب أن لا تنسينا أحداث غزة المأساوية ما يجرى في الضفة والقدس، فما يجرى هناك جرائم إنسانية بل وجرائم حرب لا تقل خطورة عن ما يجرى في غزة، حتى إبان سريان الهدن الإنسانية في غزة، لم تهدأ الأمور في الضفة الغربية ولا حتى في القدس، حيث قررت إسرائيل أن تفصل بين ما يحدث في قطاع غزة وما يحدث في الضفة والقدس، فالمخطط واحد والهدف واحد وهو تهجير وإبادة شعب فلسطين في كل بقعة من بقاع الأراضي الفلسطينية.
من جهته قال الكاتب منذر الحوارات يختفي وراء المشهد الصاخب في غزة مشهد آخر تحدث فصوله القاسية دون أن تثير حقها من الانتباه أو المتابعة وحتى لو حصلت لا تثير ذلك القدر من التفاعل، إنه مشهد الضفة الغربية والتي على ما يبدو أن دولة الاحتلال تهندس فصوله بهدوء شديد وروية بدون أي اعتراضات سوى بعض الاحتجاجات الخجولة هنا أو هناك، مضيفا صحيح أن حالات التعذيب والقتل والاعتقالات على الكلمة او حتى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك هدم البيوت وتدمير البنية التحتية والإغلاق الكامل قد مورست وعلى نطاق واسع في السابق لكنها ابداً لم تشهد كل هذا التصعيد وفي فترة محدودة.
مخاوف عالمية
ما يجري في الضفة المحتلة اثار مواقف دولية ساخطة إزاء الممارسات الإسرائيلية جاءت أقساها على لسان مسؤولين امريكيين بعدما صعدوا من لجهة انتقادهم لتل ابيب الى حد دفع نحو قرار بحظر تأشيرات الدخول على المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة هذا القرار وصفه البعض انه من ردود الفعل الملموسة والنادرة للولايات المتحدة ضد إسرائيليين منذ اندلاع الحرب
"انهم يصبون الزيت على النار"، هكذا وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان: اتساع حدة التوتر وتصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة المحتلة، مؤكدا أن رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو يتحمل مسؤولية كبح جماح المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، قائلا: "من غير المقبول على الإطلاق أن يكون هناك عنف من جانب المستوطنين المتطرفين ضد الأبرياء في الضفة الغربية، هذا شيء سنواصل الضغط باتجاهه".
المواقف الأوروبية نحت هي الأخرى صوب ذات الموقف مهددة بفرض عقوبات على المستوطنين كما اكد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن التكتل سيقترح على حكوماته فرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، كما قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إن باريس تدرس فرض عقوبات خاصة بها على الجهات المتورطة في أعمال عنف بالمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
هذا الوضع المتدحرج نحو الانفجار في الضفة اشارت اليه مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن ما يجري في الضفة المحتلة "مثير للقلق"، ويستدعي تحركًا "عاجلًا" مع التشديد على العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون في ظل الانتهاكات المتزايدة المستمرة وذات الطبيعة المختلفة ضد الفلسطينيين.
جامعة الدول العربية هي الأخرى جذرت من انفجار كامل للوضع في الضفة الغربية المحتلة، بسبب إمعان سلطات الاحتلال في القتل والقمع وتشديد الحصار على السكان، فضلا عن تسليحها على نحو متزايد للمستوطنين الخارجين على القانون، بما ينذر باندلاع المزيد من العنف، وأشارت الى إن الكيان الإسرائيلي يشن حربا حقيقية على الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي