متاهة المناطق العازلة التي تريدها "إسرائيل"

نزوح الفلسطينيين
نزوح الفلسطينيين

الحديث الإسرائيلي عن إقامة منطقة امنية عازلة على طول القطاع من الشمال إلى الجنوب، هو واحد من سيناريوهات اليوم التالي للحرب، والمرتبطة بخطة السيطرة الأمنية المؤقتة على القطاع، في حال تحقيق الهدف الرئيسي بتدمير حركة حماس ونزع السلاح وفق التصورات الإسرائيلية، لكن تفاصيل هذه الخطة مازال مبهما ولم تتضح معالمها، من حيث عمق المنطقة العازلة التي تخطط إسرائيل لإقامتها في قطاع يبلغ طوله نحو 40 كيلومترا ويتراوح عرضه بين سبعة كيلومترات و12 كيلومترا، وما هو المدي الزمني لهذه الخطة، التي تصطدم كما يبدو بالعديد من الإشكالات من حيث واقعيتها في امكانية تحقيق الامن للاحتلال، فيما رأى اخرون ان إقامة منطقة أمنية عميقة يعني احتلال أجزاء من القطاع، وهي الفكرة التي لاقت رفضا أمريكيا لاي محاولة لتقليص مساحة القطاع.

مخطط المنطقة العازلة احتلال جديد

إسرائيل ربطت انشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح على طول القطاع بهدف ابعاد المخاطر الامنية كما تروج، وللحيلولة دون تكرار ما جري يوم السابع من أكتوبر، وتشمل هذه الخطة كما اعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو "إقامة منطقة عازلة بين غلاف غزة وقطاع غزة والسيطرة على محور فيلدلفي (صلاح الدين) بين القطاع ومصر"، لكن ثمة من يرى في الخطة ابعاد سياسية تتخطي الأهداف العسكرية والأمنية المعلنة .

و نقلت وكالة "رويترز" عن مستشار نتنياهو للسياسة الخارجية أوفير فولك ان "الخطة تقوم على عملية من ثلاثة مستويات تشمل تدمير حماس ونزع سلاح غزة والقضاء على ما اسماه التطرف في القطاع، كما نقلت رويترز عن مسؤول إسرائيلي فكرة المنطقة العازلة لا تزال قيد الدراسة وليس من الواضح حاليا مدى عمقها، وأنها ربما تصل إلى كيلو متر واحد أو كيلو مترين اثنين أو مئات الأمتار داخل غزة.

في غضون ذلك كشفت مصادر مصرية وإقليمية إن إسرائيل أبلغت عدة دول عربية برغبتها في إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة لمنع أي هجمات مستقبلية عليها في إطار مقترحات بشأن القطاع في مرحلة ما بعد الحرب.

وذكرت ثلاثة مصادر إقليمية أن إسرائيل أبلغت جارتيها مصر والأردن، إلى جانب الإمارات.

كما كشف مصدران أمنيان مصريان أن إسرائيل طرحت خلال محادثات الوساطة مع مصر وقطر فكرة نزع الأسلحة من شمال غزة وإقامة منطقة عازلة في شمال القطاع تحت إشراف دولي.

وأفادت المصادر بأن عدة دول عربية تعارض ذلك. وأضافت أن الدول العربية قد لا تعارض إقامة حاجز أمني بين الجانبين لكنّ هناك خلافا حول موقعه.

المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، قال إن "إسرائيل تريد من خطة المنطقة العازلة أن تبعد أي فلسطيني وخصوصا من عناصر حماس من الاقتراب بسهولة من الجدار وهو ما يعني إنشاء بعد كبير بالمسافة، وفي حال تم اجتيازه سيكون الجيش قادرا على الرد أو الهجوم بشكل فوري.

ويضيف شتيرن ان الخطة ترتبط بـ"اعتبارات تكتيكية ولا تحمل بعدا عسكريا وأمنيا فحسب بل آخر سياسي، معتبرا أن إنشاء المنطقة العازلة هو احتلالا لأراضٍ جديدة.

الخبير العسكري اللواء المتقاعد، مأمون أبو نوار أوضح أن خطة إسرائيل تستند على "إقامة طوق أمني أو ما يعرف بـ Bufferzone Security وبحدود 2 إلى 3 كيلو متر على طول القطاع من الشمال إلى الجنوب".

وترتبط الأهداف التي تريدها إسرائيل بمحاولة "منع اختراقات أمنية في المستقبل"، ومع ذلك "لن يكون الأمر مجديا لكبح إطلاق الصواريخ والقذائف.

في السياق قالت أستاذ العلوم السياسية حنان أبو سكين، إن المنطقة العازلة هي مصطلح قانوني، يتم تطبيقه غالبا في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة بين دولتين، ويكون الهدف من تطبيقها إنشاء حد فاصل بين الدولتان المتنازعتان، وتكون عبارة عن منطقة منزوعة السلاح، لحين الاتفاق على التسوية أو التهدئة.

وكشفت أبو سكين، أن إسرائيل تتلاعب بالمصطلحات وتسعى من وراء إقامة منطقة عازلة داخل غزة إلى اقتطاع جزء من أراضي غزة، مشيرة إلى أن هذا سيتماشى مع التصريحات الإسرائيلية بأن السيطرة العسكرية للاحتلال على القطاع ستظل مستمرة حتى بعد الحرب.

في هذا الإطار قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، جهاد الحزارين، إن ما تسعى إليه إسرائيل يمثل خدعة جديدة يمارسها نتنياهو للعمل على احتلال جزء من غزة مضيفا ان مخطط إسرائيل يذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال تنفيذ ما أعد له مسبقاً من مخطط التهجير والتضييق على الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن ما يتعلق بفكرة المنطقة العازلة تحت ذريعة الأمن، والتي تستهدف عمق القطاع بمسافة تقدر حسب التسريبات بمئات الأمتار وصولاً إلى كيلو متر.

فشل خطة المنطقة العازلة.. لبنان نموذج

فكرة إقامة منطقة عازلة ظلت موضع شك حتى بين الأوساط الإسرائيلية حيال نجاعتها في تحقيق الامن بالاستناد الى التجربة اللبنانية حيث أنشأت إسرائيل منطقة امنية عازلة في جنوب لبنان على عمق نحو 15 كيلومتراً في عام 2000، لكن هذه المنطقة لم تمنع الهجمات من الحدود الشمالية بعدما تحولت الى منطقة عمليات للمقاومة اللبنانية.

إعادة الحديث عن انشاء منطقة عازلة في غزة شكل صدمة كما يقول أستاذ القانون في جامعة "رايخمان" العبرية المحامي عميرام غيل، الذي أكد إن هذه المنطقة العازلة لن توفر الأمن للإسرائيليين، بل ستُغرق تل أبيب في "مستنقع قتال" مع الفلسطينيين في غزة، مثلما كان على مدار سنوات طويلة بالجنوب اللبناني. وأضاف "إننا نسمع تصريحات مسؤولين إسرائيليين عن منطقة عازلة مع غزة ولا نصدق".

خبراء عسكريون أكدوا ان إسرائيل جرّبت المناطق العازلة، خاصة عبر السياج الذكيّ وفشلت. كما ان مساحة القطاع (365 كلم2) لا تسمح بإنشاء مناطق عازلة في داخله، خاصة مع الكثافة السكانيّة الكبيرة فيه. ولا يمكن لإسرائيل البقاء في المناطق العازلة مع وجود مقاتلي حركة حماس وغيرها من التنظيمات، لذلك يفرض هذا الوضع القضاء التام على كلّ التنظيمات في القطاع، وحتى الآن، يلعب عامل الوقت ضد القوات الإسرائيليّة.

وإذا تمّ القضاء على كلّ التنظيمات، فمن سيحكم القطاع؟ ومن سيتطوّع لذلك؟ وهل يمكن لمجلس الأمن استصدار قرار لإدارة القطاع، في ظلّ احتمال الفيتو الصيني أو الروسيّ؟

من جهته قال نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية صلاح جمعة، على الخطة الإسرائيلية بإقامة هذه المنطقة العازلة قائلا إنها "لن تنجح"، واستدل على ذلك بأن "إسرائيل أقامت منطقة عازلة بالفعل من قبل، وكانت تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، والنتيجة في النهاية معروفة، فشل ذريع". كما أنّ الفصائل الفلسطينية "دائما تبتدع ما تحتاج إليه للوصول إلى إسرائيل، ولديها الآن الأنفاق وطائرات مسيّرة وصواريخ وطائرات شراعية".

بدوره قال الصحفي الفلسطيني جمال سالم، بأن إسرائيل أقامت منطقة عازلة على الحدود مع لبنان في وقت سابق، لكنها "لم تمنع حزب الله بالتأكيد من استهدافها؛ فالصواريخ لا تعرف مناطق عازلة". وأقصى ما يمكن أن تفعله المنطقة العازلة في غزة، حسب سالم، هو "أن تمنع هجوما بريا مثل ما تعرّضت له إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي"، لكن الفصائل الفلسطينية "لديها من الصواريخ ما يصل إلى تل أبيب".

في الإطار اعتبر رئيس التيار الإصلاحي في حركة فتح محمد دحلان، أن خطة إسرائيل للمنطقة العازلة غير واقعية ولن تحمي القوات الإسرائيلية، وأضاف أن المنطقة العازلة قد تجعل القوات الإسرائيلية هدفا أيضا في هذه المنطقة.

رفض دولي وإقليمي لفكرة المنطقة العازلة

قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إن واشنطن تعارض أي تقليص في أراضي غزة، مضيفا: "نحن لا نؤيد أي تخفيض للحدود الجغرافية لغزة… يجب أن تظل غزة أرضا فلسطينية، ولا يمكن تقليصها". كما اكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة ستعترض على أي منطقة عازلة مقترحة إذا كانت داخل قطاع غزة .

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض أنقرة لخطط إقامة منطقة عازلة في غزة بعد انتهاء العدوان الذي يشنه الاحتلال على القطاع، مضيفًا أن مثل هذه الخطة "لا تحترم" الفلسطينيين. مضيفا أن مستقبل غزة بعد الحرب يقرره الشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل يجب أن تعيد الأراضي التي تحتلها.

لم تلقى الخطة الاسرائيلية كذلك ترحيبا اوروبيا في ظل حالة القلق حيالها كما نقلت صحيفة هارتس العبرية عن مصدر دبلوماسي غربي قوله "عندما يتم طرح أسئلة محددة على الإسرائيليين بشأن هذه المسألة، فمن الواضح أنهم أنفسهم لا يملكون إجابات بعد. إنهم لا يعرفون مدى عمق المنطقة العازلة، وكيف سيفرضونها بالضبط، وإلى متى ستستمر. المشكلة أننا بحاجة إلى معرفة الإجابات على كل هذه الأسئلة، لنقرر ما إذا كنا سندعمها".

وفي الوقت الحالي، تناقش القوى الغربية ما إذا كانت ستدعم الخطة، وفي ذات الوقت تشعر بالقلق من أن تصبح "المنطقة العازلة" دائمة، كما يقول دبلوماسي تحدث لـ"هآرتس".

الى ذلك راي الصحفي والباحث أشرف أبو الهول أن فكرة إقامة منطقة عازلة ما زالت مرفوضة عربية ودوليا، لأن مساحة غزة صغيرة"، موضحا: "منطقة عازلة عرضها كيلو متر واحد يعني أخذ 50 كيلومترا من مساحة غزة. 2 كيلومتر بالعرض يعني تقليص مساحة القطاع 100 كيلو متر".

ويعتبر أن "الفكرة من كل الجوانب مرفوضة"، وأن "إسرائيل تبحث عن مخرج آخر ربما سيكون في ترتيبات من سيدير غزة بعد الحرب".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo