ما بعد الحرب

تصورات مستقبل غزة.. خيارات معقدة لتركة ثقيلة

اثار العدوان على غزة
اثار العدوان على غزة

لا زال الانشغال باليوم التالي للحرب على غزة يهيمن على المواقف، في ظل تباين الرؤي والتصورات حول مستقبل إدارة القطاع ما بعد تدمير الوضع الراهن، ومفهوم الحل الذي مازال ضبابيا الى حد الان، وان اتفق الكثيرين على ضرورة ان يكون سياسيا وليس امنيا للخروج من فوضى الحرب، الا انهم اختلفوا حول البدائل والكيفية التي يجري فيها توطين فكرة الحل والذى توزع ما بين سيناريوهات عدة، منها عودة السلطة الى غزة وهو الخيار الأكثر ترجيحا مستقب، او تسليم القطاع الى إدارة إقليمية او دولية، او سيطرة أمنية إسرائيلية محدودة، فيما لم يغب مخطط التهجير القسري او ما يعرف بـ "الترانسفير المقنع" عن جدول الحرب، هذا التباين انعكس على المواقف الامريكية والإسرائيلية حول طبيعة وشكل السلطة القادمة .

ما بعد الحرب على غزة... تصورات إسرائيلية

منذ العدوان على غزة وبروز الحديث عن مستقبل القطاع لم يتخلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن موقفة الرافض لعودة السلطة الفلسطينية الى حكم القطاع، بل ووضع هذا الموقف الى جانب فكرة القضاء على حماس كما رفض نتنياهو أي دور لقوات حفظ السلام الأجنبية على اعتبار انها لم تثبت نجاعتها في اشارة الى لبنان .

نتنياهو برر رفضة الدائم لعودة السلطة الفلسطينية الى غزة بسبب عدم ادانة الرئيس محمود عباس لما جري يوم 7 أكتوبر، مضيفا انه لن تكون هناك سلطة مدنية تعلم أبنائها ما اسماه الكراهية لإسرائيل، وان الحل يكمن من وجهة نظرة في السيطرة الأمنية على القطاع لمنع شن هجمات في المستقبل.

لكن التصورات التي قدمها نتنياهو حول مستقبل غزة لم تغادر مربع الحلول الأمنية وهو من بنى مسيرته المهنية على شعار أنه سيد الأمن، مؤكد عزم تل أبيب فرض "سيطرة أمنية كاملة" على قطاع غزة، تشمل "نزعا كاملا للسلاح"، " وهو التصور الذى يتناقض مع ما أعلنه سابقا عن تولي "المسؤولية الأمنية الشاملة لفترة غير محددة" على قطاع غزة عقب الحرب، وهي الرؤية التي تدعمها الولايات المتحدة بشرط أن يقود "الفلسطينيون الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها في غزة"

غموض الطرح الاسرائيلي بشان مفهوم السيطرة الأمنية دفع الولايات المتحدة الى الطلب من تل أبيب توضيحا لتصريحات نتنياهو بالإبقاء على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة بعد الحرب، وقالت مصادر عبرية مطلعة إن "الإدارة الأمريكية طلبت توضيحا من إسرائيل مفاده: ما هو المقصود ؟ وما معنى السيطرة الأمنية طوال الوقت؟، وسبق للولايات المتحدة أن أعلنت على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أنه لا عودة للاحتلال إلى غزة بعد انتهاء الحرب.

القلق من غياب استراتيجية او تصور سياسي في اليوم الذي يلي الحرب تسلل الى الدوائر الإسرائيلية حيث أعرب رئيس القسم الأمني- السياسي في وزارة الحرب سابقاً عاموس غلعاد ان الجيش يقدم القدرات العسكرية، لكن الحكومة لا تقدم تصوراً سياسياً شجاعاً، إن ما يقلقني هو عدم وجود إستراتيجية لليوم التالي، في ظل وجود تهديدات محيطة أخرى، كالضفة الغربية المرشحة للانفجار، وإيران وقد باتت على عتبة النووي، ولا أحد يتحدث عن ذلك، وهذا علاوة على تصاعد الانتقادات ضدنا في العالم.

منطقة عازلة

نقلت وكالة رويترز عن مصادر عبرية، مطلع الشهر الجاري، ان نتنياهو أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن إسرائيل تنوي إقامة "منطقة عازلة" والسيطرة أمنيّاً على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب لمنع حماس وآخرين من التسلل ومهاجمتها".

واعترف مسؤول أمريكي أن إسرائيل عرضت قضية "المنطقة العازلة"، لكنه شدد على أن واشنطن تعارض كل خطة من شأنها أن تقلص مساحة الأراضي الفلسطينية.

الى ذلك كشفت مصادر مصرية وإقليمية إن إسرائيل أبلغت عدة دول عربية برغبتها في إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة لمنع أي هجمات مستقبلية عليها في إطار مقترحات بشأن القطاع في مرحلة ما بعد الحرب.

وذكرت ثلاثة مصادر إقليمية أن إسرائيل أبلغت جارتيها مصر والأردن، إلى جانب الإمارات التي طبعت العلاقات معها، بهذه الفكرة.

في الاطار ذاته قال مصدر أمني إسرائيلي كبير إن فكرة المنطقة العازلة "تجري دراستها" مضيفا "ليس من الواضح في الوقت الحالي مدى عمقها (المنطقة العازلة) وما إذا كانت قد تصل إلى كيلومتر واحد أو كيلومترين أو مئات الأمتار (داخل غزة)".

من جهته قال محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية في صحيفة "هآرتس" العبرية تسفي برئيل، إن "إنشاء منطقة عازلة على الحدود ليس فكرة جديدة". واصفا تجربة إسرائيل في إقامة منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان بالفاشلة، موضحا أن الشريط الأمني ​​الذي أقامته على الأراضي اللبنانية فشل أيضا في تحقيق أهدافه بتوفير الأمن للإسرائيليين في الشمال والجليل الأعلى، وأصبح ساحة قتال دائمة مع حزب الله.

الخيارات الامريكية.. من حل الدولتين الى إدارة دولية

رغم الدعم العسكري والسياسي اللامحدود الذي قدمته الإدارة الامريكية لإسرائيل خلال هذا العدوان، لكنها ظلت تحتفظ بفكرة ما عن الحل وطرحت العديد من البدائل فيما بقيت تشير في اكثر من مناسبة الى ضرورة عملية سياسية تفضي الى "حل الدولتين" ، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارا بضرورة وجود "دولتان لشعبين"

حيث كشفت صحيفة بوليتيكو إن مسؤولي إدارة بايدن قد أمضوا أسابيع في صياغة خطة متعددة المراحل لما بعد الحرب، وتتصور سيطرة السلطة الفلسطينية المتجددة في نهاية المطاف على قطاع غزة.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فعلى الرغم من أنه حل غير مثالي، فإن المسؤولين الأمريكيين ينظرون إليه باعتباره أفضل الخيارات السيئة للمنطقة، لكن لم يتم الكشف عن تفاصيل كيفية إعادة السلطة لإدارة غزة، خاصة أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يرفض أي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية.

في الإطار ذاته كشف موقع أكسيوس الأميركي عن خطة الرئيس الأميركي جو بايدن "لما بعد الحرب في غزة"، ويقول الموقع إن الخطة تقوم على السعي لإحياء محادثات السلام وحل الدولتين سعيا لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فيما قالت صحيفة التايمز البريطانية إن فريقا عسكريا بريطانيا يعمل في الضفة الغربية على إعداد السلطة الفلسطينية لتولي إدارة قطاع غزة.

هذا التوجه الأمريكي أكده رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية عندما قال أن السلطة الفلسطينية تعمل مع مسؤولين أميركيين على خطة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

واضاف اشتية إن النتيجة المفضلة للصراع هي أن تصبح حركة (حماس) التي تدير قطاع غزة حاليا شريكا أصغر لمنظمة التحرير الفلسطينية بما يساعد على تأسيس دولة مستقلة جديدة تشمل الضفة الغربية والقطاع والقدس الشرقية.

في الشأن ذاته، يقول الكاتب محمد أمين، إن مستقبل إدارة غزة بعد الحرب الدائرة يجري بحثه الآن "في الغرف المغلقة"، ويضيف بأن "كل السيناريوهات تفترض إدارات مختلفة، إلا أن تكون إدارة فلسطينية، تحت لواء دولة فلسطينية واحدة وموحدة".

ويتابع أمين بالقول: "هناك أفكار أن تكون تحت إدارة قرضاي [حامد كرزاي] جديد تمّ إعداده لهذه اللحظة، يعيش في دولة عربية.

بدوره قال الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، أنه لا توجد إستراتيجية واضحة ومحددة لإسرائيل بشأن مستقبل غزة ما بعد الحرب، باستثناء تلك المواقف التي صرح بها نتنياهو، وحصلت على شرعية من الإدارة الأميركية، وتتلخص في إشراك إسرائيل بالوضع الأمني الجديد الذي سينشأ في غزة على افتراض أنها حققت أهداف الحرب.

عزة تحت الاشراف الدولي

عودة السلطة ليس هو الخيار الوحيد وان كان الأكثر واقعية، لكن ثمة بدائل قالت واشنطن انها تعمل عليها مع إسرائيل كما قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي من بينها نشر قوة متعددة الجنسيات، قد تضم قوات أمريكية، أو وضع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة بشكل مؤقت .

في تقرير موسع أعده معهد الشرق الأوسط، قال فيه ان من بين السيناريوهات المطروحة حول مستقبل غزة يتمثل في نشر قوة دولية قوية لضمان نزع السلاح الشامل والأمن، مع وضع قطاع غزة تحت إدارة دولية مؤقتة. وهذا يتطلب استصدار قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وهو ما يبدو غير مرجح إلى حد ما في المستقبل المنظور.

لكن ما يجعل خيار وجود قوة دولية او متعددة الجنسيات صعبا، هو ما قاله مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، إن هناك بعض القلق داخل الإدارة بشكل خاص بشأن إحجام "الحلفاء العرب" للولايات المتحدة، عن لعب أي دور في قوة حفظ سلام دولية بعد الحرب.

وذكر أحد السفراء العرب لشبكة CNN، أن بلاده "لن تقوم على الإطلاق" بنشر أي من قواتها في غزة بعد الحرب. وأوضح السفير أن جزءا من ذلك يرجع إلى أن الدول العربية لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تُخضع الفلسطينيين.

الاهتمام الأمريكي باليوم التالي للحرب يعود بحسب الكاتب اميل امين الى خشية من حالة الفراغ في قطاع غزة في حال الانسحاب الإسرائيلي السريع بعد تحقيق الغرض العسكري، الأمر الذي يجعل منها مرتعا لجماعات مشابهة، وهناك تجارب سابقة سواء في أفغانستان أو في أفريقيا.

ويرى أمين أن الخوف الأمريكي الأكبر هو أن "تستفيد إيران من فراغ السلطة، وتستسلم لإغراء استخدام أساليب جديدة، أو نشوء وارتقاء حلفاء جُدد لها، ليكملوا مهمة شن هجمات على إسرائيل".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo