من سفر الحرب على غزة ... التصورات التوراتية لمعركة الإبادة

أثار القصف على غزة
أثار القصف على غزة

لم تكن تصريحات وزبر الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت والتي وصف فيها الفلسطينين عشية هجوم 7 أكتوبر بانهم حيوانات بشرية ، مجرد رد فعل غاضب على هول الحدث، بل يخضع في حقيقته الى التصورات الثيولوجية التوراتية اليهودية عن الاخر، والتي رافقت الصراع والعلاقة مع الفلسطينين او العرب بشكل عام، وتهدف الى نزع الصفة الإنسانية عن اعدائهم (Dehumanization)، من خلال تشبيههم بالحيوانات او الصراصير او الديدان، وتعززت خلال جولة الحرب الحالية، جولة زجت إسرائيل بدء من رئيس وزرائها الى حاخاماتها بهذه اليوتوبيا العنصرية التوراتية فيها بهدف التحشيد للحرب .

هذا الخطاب المنزوع من الإنسانية اعتبرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، انها "دعوة صريحة لارتكاب جرائم حرب، بل وذهبت المنظمة التي تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكية مركزاً لها في تدوينة لها عبر منصات التواصل الاجتماعي، الى حد وصف تصريحات غالانت بـ "المقززة".

نبؤة اشعياء.. أبناء النور والظلام

بهذا الخطاب وجه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حديثه الى الجمهور الإسرائيلي يوم الأربعاء 25 أكتوبر مستعينا هذه المرة بالخطاب اللاهوتي في محاولة منه لاستفزاز الخيال الديني والتاريخي للاسرائيليين والعقدة الوجودية خلال حربه المقدسة للقضاء على حركة حماس عندما قال"سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمع بعد، خراباً في أرضك، سنمنح المجد لشعبك، سنقاتل معاً وسننتصر".

وواصل نتيناهو مزامير الحرب، قائلا: "نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام وهي عبارة اقتبسها من الإصحاح 9 من سفر"نبوءة إشعياء" وهو أحد أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس.

هذا النمط من الخطاب اثار جدلا واستياء واسعا حول مغزاة، لأن النبوءة لا تقتصر على الفلسطينين حيث اعتبر مرصد الازهر لمكافحة التطرف حديث نتنياهو انه لم يكن يقصد به الإشارة إلى إبادة الفلسطينيين من أهل غزة فقط، بل به إشارة واضحة إلى مصر، بل هناك إشارة إلى حلم (إسرائيل الكبرى)، حيث تتكلم النبوءة عن دمار العراق ودمشق واليمن ومصر وقيام إسرائيل الكبرى بين النيل والفرات، على الرغم من أن تلك الأحلام ليست جديدة، بل تحمل خطورة كبيرة لجميع الأطراف، لما تمثله من التهديد بحرب دينية.

من جهته قال الكاتب محمد جميح في ظل وجود حكومة «دينية متطرفة» تتكئ على مرويات ثيولوجية وتاريخية وتصورات ذهنية وأدبيات متوارثة، وفي سياق زحف اليمين المتطرف على قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي فإنه يمكن أن يقال إن تصريحات وزير حرب الاحتلال عن سكان قطاع غزة لا تخرج عن الصورة التقليدية للآخر العربي لدى المرويات اليهودية، وفي الأدبيات والخطاب الإعلامي والسياسي المعاصر في إسرائيل، حيث إن " العربي الجيد هو العربي الميت" حسب محتوى الخطاب التراثي .

في السياق انتقدت عالمة الكتاب المقدس آن ماري بيليتييه “الإشارة المبتذلة”، وقالت إن الذي يسير في الظلام في سفر إشعياء ليس "العدو" المجاور، بل الشعب اليهودي نفسه، الذي يمر "بكل تأكيد بمحنة سياسية وروحية"، مشددة على أن معنى النص لا يدعم ما ذهب إليه بنيامين نتنياهو.

ويتحدث سفر إشعياء، وهو نص رئيسي من العهد القديم، عن سبي الشعب اليهودي إلى بابل وعودتهم، بالإضافة إلى إعادة بناء الهيكل في القدس، ويتكون من 66 فصلا، ويتناول نهاية منفى الشعب اليهودي، وإعادة بناء الهيكل في القدس، ونهاية الزمان.

قنبلة نووية على غزة

حرب الإبادة التي تقودها حكومة تل أبيب منذ شهر على قطاع غزة بواسطة القذائف والطائرات لا تنتمي هنا للمفاهيم العسكرية المجردة، بل الى أيديولوجيا كامنة في العقدة الوجودية للخلاص من كابوس غزة، وهو ما عكسه تصريح ما يسمى وزير التراث بحكومة الاحتلال عميحاي إلياهو إن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن، مضيفا أن قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض، وعلى إسرائيل إعادة إقامة المستوطنات فيه، ورأى أن للحرب أثمانا بالنسبة لمن وصفهم بـ"المختطفين" الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: تعرف على الوسطاء لوقف العدوان وعقد صفقة التبادل

هذه التصريحات العنصرية التي اطلقها عميحاي الياهو أثارت رددود فعل غاضبة دفعت نتنياهو الى محاولة تدارك الموقف في ظل تصاعد الخطاب اليميني المتطرف والذى يشكل حرجا لتل ابيب امام العالم عندما وصف "كلام وزيره انه منفصل عن الواقع"، زاعما أن "إسرائيل والجيش الإسرائيلي يتصرفان وفقا لما اسماه لأعلى معايير القانون الدولي لمنع إلحاق الأذى بالأشخاص غير المتورطين.

في السياق قالت الفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر إنه يجب أن نأخذ تعبير "إبادة جماعية" على محمل الجدّ لأنه يصف ما يحدث بالفعل، فالهجمات لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضا السكّان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير، مضيفة: "ان هذا التأطير العنصري للعنف المعاصر يلخّص التعارض الاستعماري بكونه بين المتحضرين والحيوانات التي يجب هزيمتها أو تدميرها للحفاظ على الحضارة".

أرض الميعاد .. من غزة الى لبنان

جوقة التطرف الاسرائيلي لم تقف عند هذا الحد بل يجري تغذية ذلك عبر مجموعة دينية في اوساط جيش الاحتلال المتأهب للمذبحة تحت ذات العناوين والتصورات الدينية وهو ما كشفه مقطع فيديو ظهر فيه الحاخام العسكري الإسرائيلي التابع لوحدة "ناحل" في الجيش الإسرائيلي عميحاي فريدمان وهو يتحدث إلى مجموعة من الجنود يقول فيه "إن أرض الميعاد كلها لنا بما فيها غزة ولبنان"، وفق ما نقلته صحيفة "هآرتس" العبرية.

ويضيف الحاخام: "لقد وصلنا إلى نقطة محورية بأن صعد الشعب الإسرائيلي فيها مرتبة أخرى، لقد استطعنا الآن أن نحدد من نحن، ولذلك سوف سندمر الشر، وسوف نستأصل حماس والأعداء.. سندمرهم جميعا قريبا".

يقول الكاتب أشرف بدر في تحليلة للخطاب الصهيوني خلال معركة طوفان الاقصي انه عندما تتم شيطنة الفلسطينيين ونزع صفة الإنسانية عنهم، ووصمهم بالإرهاب والدعشنة، يصبح من السهل على الآلة العسكرية الإسرائيلية التمادي في ممارساتها الدموية، وكأنها لا تقترف جريمة، أو أيّ تجاوُز أخلاقي، فالمستهدفون بهذا القتل والتدمير والحصار والتجويع، ليسوا بشراً، أو منتمين إلى الجنس البشري، بل هم "حيوانات بشرية" وحشرات يجب التخلص منها، من دون أيّ رحمة، أو رأفة، أو تأثُّر بمشاهد الأطفال والأبرياء وأشلائهم بعد قصف بيوتهم.

المنطق الإسرائيلي الدامي واللاانساني دفع الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين الى كتابة نصّاً مقتضباً بعنوان: "صمت غزة". قال فيه: " أعلن علماء من كلية علوم النبات في جامعة تل أبيب، في الأيام الأخيرة، أنهم سجلوا بميكروفونات خاصة حساسة بالموجات فوق الصوتية صرخات الألم التي تصدرها النباتات عند قطعها أو عندما تفتقر إلى الماء، في غزة لا توجد ميكروفونات".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo