روسيا وحرب غزة.. بين الانتهازية و الاستثمار السياسي

القصف على غزة
القصف على غزة

من يراقب المشهد الدولي من اعلى منذ اندلاع المواجهة بين حركة حماس وإسرائيل يوم 7 أكتوبر يشعر وكان العالم كله اجتمع في 360 كيلو مترا من جهة المواقف والصراعات السياسية فغزة ليست مسرحا للحرب فحسب، بل شكل اخر من الصراع احتدم بين القوي الدولية الكبرى خاصة روسيا والولايات المتحدة الامريكية، فالدخول الروسي على جبهة الحرب بالمواقف السياسية المؤيدة لحماس عزاه البعض الى مصلحة في نفس بوتين في محاولة لاستغلال هذا الصراع لتعزيز مكانة روسيا في الشرق الأوسط ، وتوظيفها بما يخدم أهدافها سواء فى المنطقة، أو فى علاقتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

احراج واشنطن و أوروبا .. الإطاحة بالمنظومة الأخلاقية

زيارة وفد حماس برئاسة عضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق إلى العاصمة الروسية موسكو ورفض الأخيرة ادراج الحركة على لائحة ما يسمى بالإرهاب والحفاظ على قنوات اتصال ثابتة مع الحركة كان مؤشرا ليس على تمايز المواقف بقدر ما كانت بحسب المتابعين في تحديد أنماط العلاقة مع اللاعبين في الملفات الإقليمية الساخنة واحراج المنخرطين في الصراع، ففي اول تعليق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ركّز على «فشل سياسات واشنطن في الشرق الأوسط».

الى ذلك اعتبرت المختصة في الشون العربية في مركز الاهرام للدراسات السياسية صافيناز محمد أحمد ان تركيز الدبلوماسية الروسية على إحراج الولايات المتحدة والقوى الأوروبية من خلال الترويج الإعلامى الروسى لسياسة ازدواجية المعايير فيما يتعلق بدور واشنطن وحلفائها فى دعم إسرائيل، واتضح ذلك جلياً فى وصف بوتين للولايات المتحدة بالنفاق؛ حيث قارن بين الحصار الذى فرضه جيش الاحتلال على قطاع غزة، وحصار ستالينجراد خلال الحرب العالمية الثانية.

من جهته قال الكاتب ليون هادار انه في سياق الحرب الباردة الجديدة، ترجو الصين وروسيا أيضًا أن تفوزا بقلوب وعقول أمم ما يعرف بالجنوب العالمي، ولقد وفرت لهما حرب غزة فرصة لذلك بفضحها المفترض لـ«النفاق» الأمريكي من خلال الاحتجاج بأن الأمريكيين يدعمون الإسرائيليين والأوكرانيين لأنهم «بيض» ولا يقيمون وزنًا لمصالح الفلسطينيين لأنهم شعب «أسمر» من شعوب العالم الثالث.

وفي هذا الصدد، ترى الكاتبة تاتيانا ستانوفايا أن الوضع في المنطقة "يساهم في نشر الخطابات المعادية للغرب من خلال اتهامه بالتسبب بحالة عدم الاستقرار العالمي وبإعادة فتح النزاعات التاريخية".

ويشير إيغور دولانويه إلى أن "الانتقام الإسرائيلي على غزة يتسم بسيل من النيران، ما سيسلط الضوء بلا شك على ما يمكن اعتباره معايير مزدوجة في رد الفعل الغربي على استخدام القوة".

بدوره قال ديمتري مينيك، من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "ما يوحّد جزءاً من بلدان الجنوب وروسيا ليس تبادل القيم الإيجابية بقدر ما هو الاستياء، وحتى الكراهية، وفي كثير من الأحيان التصور غير العقلاني للغرب"، مضيفاً "ولهذه العلاقة مع الغرب مصادر عدة تشكل أرضاً خصبة لا تنضب لموسكو".

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حمّل الغرب مسؤولية الأزمة في الشرق الأوسط، حيث تقصف إسرائيل قطاع غزة، واتهم الولايات المتحدة بأنها تريد أن تنشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط.

صرف النظر عن حرب أوكرانيا

مراقبون اعتبروا ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعي بالفعل إلى استغلال فرص الاضطرابات الجديدة. في تحويل الاهتمام الدولي عن الحرب في أوكرانيا ويرى الكرملين أن هذا الخلاف المفترض سيقوض التضامن الغربي مع أوكرانيا.

حيث حذرت دراسة صادرة عن معهد الحرب في واشنطن، من أن روسيا "ستستغل الحرب" بين إسرائيل وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، بغية "إضعاف الروح المعنوية" لدى الأوكرانيين، بحجة أن الغرب "سيوجه أنظاره إلى الأزمة الجديدة في الشرق الأوسط، وبالتالي سيضعف الدعم الدولي المقدم لكييف".

من جهته قال الدبلوماسي الروسي قنسطنطين غافريلوف لصحيفة "ازفستيا" الموالية للكريملين: "أعتقد أن هذه الأزمة ستؤثر بشكل مباشر على مجريات العملية العسكرية الخاصة (في أوكرانيا)".

وأضاف أن "رعاة أوكرانيا سيتشتت انتباههم بفعل الصراع في إسرائيل. وهذا لا يعني أن الغرب سيتخلى عن الأوكرانيين. لكن حجم المساعدات العسكرية سينخفض... ومسار العملية قد ينقلب سريعاً لصالح روسيا".

يقول نائب مدير المرصد الفرنسي الروسي إيغور دولانويه "إن هجوم حماس يساهم بفعل العواقب المترتبة عنه في استنزاف الإهتمام الغربي العام بأوكرانيا".

اقرأ أيضاً: أزمة نتنياهو مع المؤسسة العسكرية تتفاقم مع توسع الحرب

ويوضح ألكسندر غابويف، من مركز كارنيغي، أن "هذا الصراع يُعدّ بمثابة نعمة لروسيا لأنه يصرف الكثير من الاهتمام الموجه من الولايات المتحدة والغرب"، مشدداً على أن الإدارة الأمريكية تعتزم تخصيص الكثير من الوقت للأزمة الحالية في الشرق الأوسط، أقله حتى الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

وكان وزيرُ الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، اتّهم الرئيسَ الروسي "فلاديمير بوتين" بمحاولة استغلال الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس"؛ سعيًا لخفض الدعم الغربي لأوكرانيا.

وأمام لجنة في مجلس الشيوخ، قال "بلينكن": "إن بوتين يسعى لتحقيق مكاسب من هجوم حماس على إسرائيل أملًا في أن يشتّت ذلك انتباهنا.

تعزيز العلاقات الروسية الايرانية

يري العديد من الخبراء التقارب بين طهران وموسكو أصبح أحد مفاتيح الدبلوماسية الروسية، ولا سيما مع الاستخدام المكثف للمسيّرات الإيرانية في أوكرانيا. وتشكّل الجمهورية الإسلامية داعماً رئيسياً لحركة حماس، على غرار حزب الله في لبنان.

يقول معهد دراسات الحرب الأمريكي- إنه يمكن أن تعزز طهران أيضاً برنامجها النووي.

وتسارعت الشراكة بين إيران وروسيا بسبب غزو موسكو لأوكرانيا، وشراء روسيا لأسلحة إيرانية، لاستخدامها في الحرب ضد كييف. ووفقاً للولايات المتحدة، فإن موسكو وطهران لديهما الآن شراكة دفاعية كاملة.

خبراء روس اكدوا إن إسرائيل قامت بتوسيع نشاطها في إطار تزويد كييف بمعلومات استخباراتية لمكافحة الطائرات الإيرانية من دون طيار. وبدأت تدرس تزويد كييف بأنظمة صاروخية متطورة لمواجهة الهجمات الجوية. في هذا الإطار، بدا أن إسرائيل تسعى إلى فحص تداعيات «التحالف الروسي الإيراني» من جانب، والعمل، من جانب آخر، على توسيع نشاطها لفحص قدرات الطائرات الإيرانية المقدمة إلى روسيا، والأنظمة العسكرية الأخرى، التي قد يكون جزء كبير منها موجوداً أيضاً لدى «حزب الله» في لبنان.

في السياق اعتبر نايجل غولد ديفيز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) "لقد عززت حرب روسيا في أوكرانيا العلاقات العسكرية مع إيران. وقد زار مسؤولو حماس موسكو ثلاث مرات على الأقل منذ غزو روسيا لأوكرانيا".

ويضيف: "كان السؤال دائماً هو إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التعاون من دون دفع (إسرائيل) إلى إعادة التفكير في علاقاتها مع موسكو". كما تخشى موسكو من أن يؤدي أي انتقام قاس ضد إيران إلى إضعاف أحد حلفائها المقربين القلائل.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo