تطبيع السعودية والشرق الأوسط الجديد و(السلام الإبراهيمي)

السعودية والولايات المتحدة
السعودية والولايات المتحدة

بداية نعترف بأن دور الفلسطينيين بات محدوداً في التأثير على التغيرات ومجريات الأحداث في الشرق الأوسط والأمر ينطبق على الشعوب العربية، سواء تعلق الأمر بالصراع بين القوى الكبرى عالمياً والكبرى إقليمياً على المنطقة لتأمين مصالحها الجيواستراتيجية وفي إعادة ترتيب منطقة (الشرق الأوسط)  أو فيما يتعلق بالعلاقة بين دولة الكيان الصهيوني ومحيطها العربي والإسلامي، كما لم تعد تسوية الصراع العربي الإسرائيلي رسمياً مرتبط بحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ما يتأكد اليوم مع تزايد حالات التطبيع مع إسرائيل وآخرها التطبيع مع المملكة العربية السعودية.

تطبيع السعودية كما الحال مع أربع دول سبقتها في عام 2020 لا يرتبط بحل القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل تأتي في سياق المحاولات الدؤوبة لواشنطن لإقامة شرق أوسط جديد ينسجم مع  ما خطط له الغرب منذ بداية ظهور المصطلح بداية القرن العشرين مرورا بالشرق الأوسط الجديد الذي طرحه الصهيوني شمعون بيرس عام 1994 ثم الشرق الأوسط الجديد ثم الكبير مع الإدارة الأمريكية في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين 2004 و 2006  مستعينة بالمؤرخ اليهودي البريطاني الأمريكي برنارد لويس الذي وضع مخططاً لتقسيم الشرق الأوسط، والهدف الرئيس من كل ذلك هو إسقاط الهوية والثقافة العربية الإسلامية لدول العالم العربي وإدماج الكيان الصهيوني كدولة رئيسية وقائدة في المنطقة واستبعاد قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

أدركت واشنطن أنه لا يمكن لمشروعها النجاح في ظل مقاطعة عديد الدول العربية والإسلامية لإسرائيل، ولو شعبيا وثقافياً وحالة العداء الديني بين الطرفين، وفي ظل استمرار الممانعة والمقاومة وحالة العداء من غالبية الفلسطينيين وشعوب المنطقة للكيان الصهيوني وهو عداء يغديه إرث تاريخي وثقافة دينية واجتماعية ترفض الصهيونية، فعملت واشنطن على تفكيك وشرذمة العالم العربي سياسياً وثقافياً ودينياً وجغرافياً.

اقرأ أيضاً: كيف يتأثر قطاع غزة بافتتاح مطار العريش الدولي؟

كانت خطوتها الأولى السعي لإخراج مصر عسكرياً من ساحة المواجهة وهذا ما تم بعد حرب أكتوبر بجهود وزير الخارجية الأسبق هنري كسنجر وجولاته المكوكية وما أدت إليه من توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978، و بخروج  مصر من ساحة المواجهة سقطت أهم قلاع العرب في حربهم مع إسرائيل، وبالرغم من مقاطعة العرب لمصر في قمة بغداد في الثاني من نوفمبر 1987 ونقل مقر جامعة الدول العربي لتونس إلا أن هذه المقاطعة سقطت بعد سنوات قلائل وعادت جامعة الدول العربية للقاهرة وبذلك لم يعد التطبيع الرسمي مع إسرائيل من المحرمات، إلا أن مصر حافظت على الحد الأدنى من التطبيع وبقيت حالة العداء الشعبي للكيان الصهيوني واستمر العامل الديني أهم معوقات قبول الدولة الصهيونية في العالم العربي بالإضافة الى استمرار المقاومة الفلسطينية ونهجها المسلح ورفضها الاعتراف بالكيان الصهيوني.. 

وتوالت بعد ذلك الجهود الأمريكية لتفكيك الصراع العربي الإسرائيلي بتزامن مع محاولات إعادة هيكلة الشرق الأوسط وتم ذلك من خلال:
1-    العدوان الصهيوني على لبنان 1982 واحتلال بيروت وإخراج قوات منظمة التحرير من لبنان برعاية أمريكية (خطة فيليب حبيب)
2-    بعد الحرب مباشرة وقبل أن تبرد فوهات المدافع طرحت الرياض خطة فهد للسلام في قمة فاس الثانية 1982 والتي تحولت لاحقا للمبادرة العربية للسلام 2002، وفيها أبدت السعودية استعدادها للاعتراف بإسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة وقيام دولة فلسطينية.
3-   تم استدراج العراق والعرب عموما لحرب الخليج الثانية التي أدت لتدمير العراق 1991 ثم احتلاله عام 2003 وانهيار النظام الإقليمي العربي.
4-  عقد مؤتمر مدريد للسلام 1991 ثم توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين 1993 ثم اتفاقية وادي عربه مع الأردن 1994.
5-   اندلاع فوضى ما يسمى الربيع العربي برعاية وتوجيه أمريكي وتمويل خليجي وخصوصاً من الرياض والدوحة والامارات، وما أدت إليه من حروب أهلية وانهيار دول ونزاعات طائفية وعرقية وتفتيت بعض الدول حسب مخطط الشرق الأوسط الجديد ومتطلباته: العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، أراضي السلطة الفلسطينية، السودان، لبنان. 
6-   التنسيق مع دول الجوار: إيران وتركيا وإسرائيل، علناً أو بالسر، لاختراق وتحطيم حصانة العرب وانتهاك سيادة أراضيهم.

اقرأ أيضاً: كُتاب سعوديون: حان وقت "السلام" بين تل أبيب والرياض

كل ذلك ساعد الرئيس الأمريكي ترامب على طرح خطته (صفقة القرن) و (السلام الإبراهيمي) الذي يحمل دلالات وإيحاءات دينية تقفز على الصراع والخلافات الدينية، حيث سارعت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان للتطبيع مع العدو وصمتت العربية السعودية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي على الأمر بالرغم من أن التطبيع يعتبر خرقاً وتجاوزاً للمبادرة العربية التي تشترط الانسحاب وإقامة الدولة الفلسطينية قبل التطبيع، وتم التطبيع بالرغم من أن هذه الدول ليست في حالة حرب مع إسرائيل ولا تربطها حدود مشتركة معها ، والأخطر من ذلك أن تطبيع هذه الدول جاء في ظل تولي نتنياهو واليمين المتطرف السلطة وكأن هذه الدول تتبنى الرواية الصهيونية اليمينية.

كانت واشنطن تراقب الموقف الإيجابي للرياض وصمتها على تطبيع دول عربية وخصوصا خليجية بل وصدور تصريحات من مسؤولين سعوديين يباركون التطبيع، فأدركت وجود استعداد سعودي للتطبيع مع إسرائيل وخصوصا أن الرياض اتخذت خطوات إيجابية في هذا الاتجاه كالسماح للطيران الإسرائيلي بالمرور عبر أجوائها وزيارة وفود إسرائيلية للمملكة، وخصوصا تزامن هذه التطورات بالتغييرات الجذرية التي أدخلها ولي العهد محمد بن سلمان على المجتمع السعودي ثقافيا واجتماعيا ودينيا.، حتى التقارب مع ايران وتعيين سفير في الأراضي الفلسطينية كلها خطوات لتمرير التطبيع بهدوء وضمان صمت وقبول الإيرانيين والفلسطينيين، 

ولكن، ولأن الرياض ليست كغيرها من الدول وتعرف أن تطبيعها سيثير حالة غضب في الشارعين العربي والإسلامي لأنه لن يكون تطبيعا سياسيا فقط بل وديني حيث سيكون تطبيعا بين مكة و (أورشليم)، ولأنها تعرف أن واشنطن بحاجة لها لاستكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد و(السلام الابراهيمي) المزعوم، فإنها أعلت من سقف مطالبها كثمن للتطبيع، وما زالت المفاوضات جارية دون تسرع من المملكة، وإن كنا نعتقد بأن المملكة ستطبع مع إسرائيل بأي ثمن لأنها لا تستطيع الوقوف في وجه موجة التطبيع العاتية ولا في وجه واشنطن والأهم من ذلك لأن (الثورة الثقافية والدينية) التي أحدثها ولي العهد داخل المجتمع السعودي كسرت كثيرا من (التابوهات) أو المحرمات والتطبيع مع الكيان اليهودي الصهيوني كان إحداها.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo