هل هجمات "السايبر" وراء خلل "القبة الحديدية" لدى الاحتلال؟

القبة الحديدية
القبة الحديدية

أثناء عملية "ثأر الأحرار" العسكرية الأخيرة على قطاع غزة، ظهر خلل واضح في عمل منظومة القبة الحديدية، حيث فشلت في اعتراض عدد من القذائف الصاروخية التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي كان الاحتلال الإسرائيلي يتغنى بإنجازاتها، ويروجها كثيراً سعياً لبيعها إلى دول مختلفة.

وأفلت صاروخ من منظومة الاعتراض أطلقته الفصائل الفلسطينية مساء يوم الخميس 11 مايو الجاري، وسقط شرق تل أبيب وأصاب مبنى سكني بشكل مباشر، وتسبب في دمار كبير، وقتل مستوطن وأصاب 13 آخرين، فيما أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن القبة الحديدية أطلقت نحوه صاروخ اعتراض لكنها لم تتمكن من صده.

فشل القبة الحديدية

ولم يكن هذا الفشل الأول للقبة الحديدية، إذ لم تتمكن منظومة الاعتراض هذه من صد سوى 24 قذيفة صاروخية من أصل 104 أطلقتها الفصائل الفلسطينية، خلال التصعيد الذي جرى في 3 مايو الماضي، رداً على ارتقاء الأسير خضر عدنان.

وفي كلا الحالتين، أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بفشل القبة الحديدية، وأرجع السبب إلى عطل فني أصاب منظومة الاعتراض، وفي 4 مايو الجاري فتحت المؤسسة الأمنية في تل أبيب تحقيقاً لمعرفة أسباب تراجع أداء القبة الحديدية.

تكرار فشل القبة الحديدية، يعود من وجهة نظر مراقبين أمنيين تحدثت معهم "زوايا"، إلى دخول وحدة السايبر إلى ساحة المواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعني أن هناك تغيير في طريقة إدارة المعارك باتت تعتمده فصائل المقاومة الفلسطينية.

ضربات سيبرانية وصاروخية

لم تعلن الفصائل الفلسطينية بشكل رسمي أنها فعلت وحدة السايبر في معركة "ثأر الأحرار"، وفي نفس الوقت لم تنف تبني مجموعة "أنونيموس سودان" اختراقها لمنظومة القبة الحديدية وتحييدها عن العمل، قبل إطلاق الرشقات الصاروخية من غزة، وهذا ما دفع المراقبين الأمنيين إلى الاعتقاد بأن هناك عمل مشتركا في مجال السايبر بين الفصائل الفلسطينية ومجموعات قرصنة خارج قطاع غزة.

يقول مصدر في الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة إن المعركة مع الاحتلال لا تقتصر على الرد العسكري، وإنما شملت توجيه ضربات أمنية متزامنة مع إطلاق الصواريخ، وجرى ذلك عن طريق تفعيل وحدات السايبر التابعة للفصائل.

اقرأ/ى أيضاً: "أين محور المقاومة"؟ سؤال يبحث سكان غزة عن إجابته

ويضيف في حديث لـ"زوايا": "لا يمكن الإفصاح عن قدرات المقاومة في مجال السايبر، لكنها تتطور بشكل سريع، وباتت وسيلة أساسية في إدارة المعركة، وأسلوب له نتائج مهمة في مواجهة العدو، والآن لدينا قدر جيد من المعلومات عن جيش الاحتلال".

وبحسب المصدر، فإن وحدات السايبر التابعة للفصائل الفلسطينية تعد هدفاً ثابتاً للعدو، ولذلك أنشأ الاحتلال خلال السنوات الماضية هيئة وطنية للسايبر مهمتها مواجهة محاولات الاختراق وتتبعها، وهذا يدل على أن هناك خسائر على الأصعدة الأمنية والاقتصادية للكيان.

ويتابع المصدر: "فصائل المقاومة تعرف مدى أهمية هجمات السايبر في المعركة وتوظفها بآليات تخدم خططها، ونسعى لأن يكون ذلك منسجم مع الضربات الصاروخية التي تصيب أهدافها بدقة"، لافتاً إلى أن منظومة السايبر "حققت أهدافاً جيدة خلال جولتي القتال في مايو".

تأخر الإنذار المبكر والاستشعار في القبة الحديدية

وحول استخدام السايبر بالتزامن مع إطلاق القذائف الصاروخية في جولتي القتال خلال مايو، يقول أستاذ العلوم الأمنية في الكلية الشرطية إسلام شهوان إنه "بحسب المتابعة المعركة لاحظت أن نظام القبة الحديدية لم يكن فعالا بدرجة تمكنه من اعتراض الصواريخ، وهذا يوحي بأن الفصائل الفلسطينية أدخلت سلاح السايبر بالتزامن مع إطلاق الرشقات الصاروخية".

ويضيف شهوان لـ"زوايا": "كان من الواضح أن وحدات السايبر التابعة للفصائل الفلسطينية نجحت في اختراق منظومة القبة الحديدية وتمكنت من السيطرة عليها، إذ سجلنا ملاحظات أهمها أنه لم يتم تفعيل الإنذار المبكر في خمس رشقات صاروخية كانت موجهة إلى تل أبيب، بالإضافة إلى أن الاستشعار المبكر للصواريخ الفصائل كان يعطي أوامر بإطلاق صواريخ الاعتراض بعد نحو 10 ثواني من انطلاق الصاروخ في مساره".

ويشير شهوان إلى أن اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بوجود عطل فني في القبة الحديدية كان غريباً، لأنه من المعروف أن السياسة الإسرائيلية تتجنب الإقرار بالخسائر، وهذا ربما يعني أن فصائل المقاومة شنت أكثر من هجوم سيبراني على القبة الحديدية وأنظمة أمنية أخرى، وتسبب ذلك في إلحاق أضرار جسيمة بالاحتلال لاحظها السكان هناك.

تغيير إدارة المعركة

ويوضح شهوان أن شن هجمات السايبر بالتزامن مع إطلاق القذائف الصاروخية تسبب في تغيير طريقة إدارة المعركة، معتقداً أن هذه البداية، وربما في جولات قتال أخرى نلاحظ تطور أكثر من ذلك، بما يضفي وصول الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي دون اعتراض.

وبحسب شهوان، فإن الفصائل الفلسطينية باتت تدرك أهمية الحرب الإلكترونية في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، وباتت هجمات السايبر الموازية للصواريخ تسجل نقاط قوة أثناء الصدام العسكري المباشر، وظهر ذلك عندما عرضت حركة حماس فيديو يظهر فيه الموقع الجغرافي لمواقع عسكرية إسرائيلية، ومن الواضح أن ذلك كان نتاج لعمليات اختراق احترافية.

اقرأ/ي أيضاً: انتخابات جامعات الضفة.. انعدام الفوز الساحق وبقاء الثنائية

في الواقع تمتلك الفصائل الفلسطينية وحدات خاصة فيها للسايبر، وكانت حركة حماس قد صرحت في أكتوبر 2022، بأن جناحها العسكري كتائب القسام يضمن وحدة خاصة لسلاح السايبر، وقد جرى تأسيسها في عام 2014، وبحسب عضو قيادة إقليم قطاع غزة في حركة حماس زكريا أبو معمر فإن مقاتلي الجناح العسكري تمكنوا من استهداف منظومات حيوية في إسرائيل، وطالت هذه العملية 30 ألف هدف للعدو غالبيتها منشآت أمنية وعسكرية.

آثار القرصنة على إسرائيل واضحة

وحول قدرات الفصائل الفلسطينية في مجال السايبر، يقول الباحث في مجال أمن الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات حيدر المصدر إن الاحتلال الإسرائيلي لم يفصح يوماً أنه تلقى هجمات من القوى السياسية في غزة، لكن آثار عمليات القرصنة للمواقع الإسرائيلية، باتت واضحة خلال هذا العام، إذ تعرضت البنوك في تل أبيب بالإضافة إلى بريد إسرائيل المركزي، وموقع شركة الكهرباء، والأنظمة المشغلة لتطبيق صافرات الإنذار.

ويضيف المصدر لـ"زوايا": "الهجمات السيبرانية التي شنتها الفصائل ضد الأنظمة الإسرائيلية، تثبت أن هذه الأحزاب لديها قدرات تكنولوجية عالية، خاصة وأن نوعية القرصنة الإلكترونية التي تعرض لها الاحتلال الإسرائيلي تشير إلى أنها نفذت بشكل دقيق ومخطط له، وأن عناصر مدربين مَن فعلوا ذلك.

ويوضح المصدر أن قصف الاحتلال الإسرائيلي لأكثر مقر تدعي أنه يستخدم لقدرات السايبر للفصائل الفلسطينية، يعكس قدرة الأحزاب السياسية على تعطيل خدمات في دولة الاحتلال، لافتاً إلى أن هجمات القرصنة لا تقتصر على الأجهزة الخاصة بالأدوات العسكرية، بل أيضاً تشمل عمليات اختراق مواقع خدمة مدنية أو حسابات إلكترونية.

وأقر الاحتلال الإسرائيلي بأن هجمات السايبر التي تعرضت لها تجعله يواجه تحديات عديدة، ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن قائد جهاز منع العنف والجريمة لدى الاحتلال مائير حيون بأنهم يخوضون حرباً في مجال السايبر لا تتوقف، ويواجهون تحديات داخلية وخارجية في مجال الاختراقات الواردة من جهات معادية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo