فلسطينيو سوريا في لبنان يواجهون عاصفة الترحيل

فلسطينيو سوريا في لبنان
فلسطينيو سوريا في لبنان

يجلس أحمد أمام منزله في مخيم عين الحلوة، يَعُدُ خطوات الناس في الشارع. ما يثير استغراب جيرانه من وجوده في هذا التوقيت، وهم الذين اعتادوا رؤيته صُدْفَةً، بسبب دوامه الطويل في معمل فرز النفايات في مدينة صيدا اللبنانية.

لم يجلس أحمد المكنى بـ"أبو لؤي" في هذا المكان والتوقيت، إلا مُجبراً ومرغماً، فعليه الاختيار والمفاضلة بين الخوف أو إطعام عائلته.

يعيش أحمد، الشاب الثلاثيني في منزل بمخيم عين الحلوة جنوب لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، بعد لجوئه من سوريا ومغادرته لمخيم اليرموك.

ومنذ دخوله الى لبنان، وهو مُنكبٌ على العمل ليعيل أسرته، المؤلفة من طفلين، عوضا عن مطالبته بتسديد إيجار المنزل الشهري.

ومع كل تلك الالتزامات، التي تترافق مع أزمة اقتصادية خانقة في لبـنان، اضطر أحمد في اليومين الأخيرين إلى أن يتوقف عن العمل، بسبب الحملة التي تنفذها الدولة اللبنانية من أجل ترحيل اللاجئين السوريين في لبنان إلى سوريا.

اقرأ أيضاً: "أين محور المقاومة"؟ سؤال يبحث سكان غزة عن إجابته

شكّلت هذه الحملة صدمة لأحمد وعائلته، فكيف سيستطيع أن يعين أسرته؟ أو أن يُطعم أطفاله ويدفع أجار منزله؟ وهو يخاف أن يعتقله الدرك اللبناني، أثناء توجهه الى عمله خارج المخيم، ويُرحّلهُ الى سوريا.

يضغطُ أحمد على سيجارته بكلتا إصبعيه، يأخذ منها نفساً عميقاً، ويُخرج دخاناً كان أشبه بغيمة، ثم يجيب على سؤال حول قلقه من العودة الى سوريا: "لوين بدي أرجع ؟ إذا بيت أهلي كلو مدمر بمخيم اليرموك، وكل أهلي تشتتنا، بعض منهم سافر وبعض منهم مات".

يحتد أحمد في الحديث ويقول: "أنا ما بخاف من الرجعة على سوريا، بس إذا رجعت لهناك، كيف بتعيش عيلتي؟ لأنه رح أروح عالجيش وأقعد أقل شي ست سنين عسكري، إذا بقيت عايش أصلًا، وأنا طلعت لأنه ما بدي أشارك بالحرب",

يواري أحمد عينيه، هرباً من دمعة قد تباغتها، ويقول " نحن عايشين بلبنان عيشة صفر، عودتنا إلى سوريا هي تحت الصفر بمراحل، ندم حياتي إني ما سافرت من هالبلد"

مع نهايات شهر نيسان المنصرم، بدأت الدولة اللبنانية حملة لترحيل اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها إلى سوريا. وعَزَت أسباب هذه الحملة، بعدم قدرة البلد على تحمل هذا العدد الضخم من اللاجئين، خصوصاً مع تفاقم الوضع المعيشي وانهيار الليرة اللبنانية، فيما وضّحت بعد ذلك أن الحملة تستهدف فقط المقيمين بشكل غير قانوني ولا يملكون إقامات شرعية.

ترافقت هذه الحملة مع زخم إعلامي من جميع المحطات التلفزيونية اللبنانية، التي أفردت مقدمات نشراتها الإخبارية وعدد كبير من التقارير، عن مساوئ اللجوء السوري وأثره الكبير على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلد.

وانعكس هذا الضخ الإعلامي بشكل كبير على الواقع، حيث تكررت حوادث الاصطدامات بين اللبنانيين والسوريين، وتطورت في كثير من الأحيان إلى أحداث عنف.

الدولة اللبنانية تقدر عدد السوريين في البلد بأكثر من مليوني نازح، فيما تنفي جهات حقوقية وجمعيات مدنية هذا الرقم، وتقول إنه أقل من ذلك بكثير.

بين كل هذا الهرج، يتساءل فلسطينيو سوريا المقيمون في لبنان عن وضعهم، لاسيما وأنه لغاية الآن لم يصدر أي توضيح من أي جهة فلسطينية في لبنان حيال هذه القضية.

بدورها، أصدرت الأونروا مذكرة، حصلت "زوايا" على نسخة منها، رفضت فيها إعادة أي لاجئ بشكل قسري، لأنه يتنافى مع مبادئ القانون الدولي في حق العودة الطوعية. وشددت الوكالة على عدم إجبار أي لاجئ فلسطيني بالعودة إلى سوريا بشكل غير طوعي، في حين تقدر الوكالة عدد الفلسطينيين السوريين بلبنان بما لا يتجاوز العشرين آلفًا.

اقرأ أيضاً: قذائف الهاون سلاح أرهق الاحتلال بمعركة "ثأر الأحرار"

ومع بداية شهر أيار الجاري، كانت الدولة اللبنانية قد اعتقلت اللاجئ الفلسطيني السوري "باسل الخطيب" أثناء توجهه إلى عمله ضمن حملة الترحيل التي تنفذها، دون معرفة مصيره بعد.

عائلة "باسل" أطلقت مناشدات بعدم إعادته الى سوريا، فيما تواصلت رابطة الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى لبنان مع الأونروا، لمتابعة قضية الشاب "باسل"، في حين أكدت الوكالة أنها تتابع القضية مع الأجهزة اللبنانية للإفراج عنه وقالت في رسالتها: "تعبر الأونروا عن قلقها إزاء مثل هذه الحوادث، حيث إن لاجئي فلسطين ليس لهم دولة للعودة إليها، ويظلون عرضة بشكل خاص لاحتمال الترحيل القسري والهجرة التي طبعت تاريخهم منذ تهجيرهم من فلسطين في العام 1948"

في هذا السياق، يقول الناشط الحقوقي "جابر سليمان: "عدد الفلسطينيين من سوريا في لبنان، يكاد لا يقارن بالأرقام التي نسمعها بعدد النازحين السوريين في لبنان، لذلك على الفصائل الفلسطينية أن تتخذ موقفا جديا مع الدولة اللبنانية، بالعمل على استثناء الفلسطينيين من الحملة، خصوصاً مع دمار معظم المخيمات الفلسطينية في سوريا".

وطالب سليمان الفصائل والأونروا والمعنيين بهذه القضية بالضغط على الدولة اللبنانية، خصوصاً أن فلسطينيي سوريا غير مشمولين بالحماية التي توفرها الأمم المتحدة UNHCR للاجئين السوريين، وبالتالي هم مستثنيين من أي حل إقليمي.

ويضيف "سليمان" بخصوص حملة إعادة اللاجئين السوريين في لبنان:" هذه الحملة بالمجمل، لا تتعدى البازار السياسي والمقايضة، في ظل عملية انتخاب رئيس للبنان، لذلك يعتبر النزوح السوري، ورقة ضغط هامة في هذا السباق، وأيضا لا نستطيع أن نفصل هذه الخطوة عن التفاهمات الدولية التي تحدث في المنطقة".

عاد "أحمد" وذهب إلى عمله في صيدا، بالرغم من رحلته المحفوفة بالمخاطر. فالتزامات الأسرة تفرض عليه هذه الظروف الشاقة، وإلا سيجوع أطفاله أمام عينه. يودعهم كل يوم صباح، كأنه جندي ذاهب إلى المعركة ولا يدري إذا كان سيعود لهم أم لا، بينما زوجته تظل تتصل به كل ساعة خلال تواجده في العمل للاطمئنان عليه، حتى يعود الى البيت بالمخيم.

حالة من القلق تكتنف أحمد وآلاف الفلسطينيين من سوريا اللاجئين إلى لبنان، ولا يدرون متى تنتهي هذه الأزمة، وهل يجدون أذنا صاغية لحالتهم الإنسانية المقعدة؟

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo