وضعت جولة القتال على قطاع غزة أوزارها، بإعلان الجانب المصري التوصل إلى صيغة تهدئة جديدة بين المقاومة في غزة وحكومة الاحتلال، التي تغولت في الدم الفلسطيني، وأسفر عدوان جيشها الذي استمر خمسة أيام عن استشهاد 33 مواطنًا، بينهم قادة عسكريين مقاومين، وجرح نحو 190 آخرين.
ووضعت هذه الجولة من القتال الكثير من الأسئلة على الطاولة حول مفهوم "محور المقاومة" وشعار "وحدة الساحات"، بعد أن تُركت غزة تقاتل وحدها في الميدان.
من ناحيته، أكد "إبراهيم أبراش" الكاتب والمحلل السياسي أن جولة القتال الأخيرة في غزة أثبتت أنه لا يوجد "وحدة ساحات" حقيقة، لا على مستوى الإقليم، ولا على مستوى قطاع غزة نفسه.
وقال خلال حديث لـ"زوايا": "إن هذه المرة ليست الأولى التي تقاتل فيها غزة لوحدها، فغزة قاتلت بينما كانت الجبهات الأخرى صامتة، ما يطرح تساؤلات حول حقيقة وحدة الساحات، وهل المقصود أن يقف الفلسطينيون فقط إلى جانب الأطراف الأخرى، ولا يجدوا من يقاتل معهم؟".
واعتبر "أبراش" الحديث عن "وحدة الساحات" مجرد شعار وأمل، وأن الواقع أثبت عكس ذلك، مذكرًا بالشعار الذي أطلق في سبعينات القرن الماضي على الساحة العربية والذي كان يسمى بـ"جبهة الصمود والتصدي"، والذي كان مجرد شعار فارغ من المضمون.
اقرأ أيضاً: "معركة غزة": ما حقيقة "محور المقاومة" ووحدة الساحات؟
ووصف "أبراش" موقف ما يسمى بـ"محور المقاومة" بالسلبي، وقال: "إنه لم يقدم شيئا إلى غزة، وكل طرف كان مشغولاً بمشاكله وحساباته الداخلية".
مجرد شعار
من جهته، رأى "جمال زحالقة" عضو المكتب السياسي لحركة التجمع الديمقراطي الفلسطيني بالداخل المحتل أن "غزة تركت لوحدها فلسطينيا وعربيا، وأن الدم الغزي كان ينزف دون أن نشهد تحركًا دبلوماسيًا فلسطينيًا وعربيًا وحتى دوليًا، وكأن استهداف فصيل لا يمثل استهداف الشعب الفلسطيني كله".
وأكد "زحالقة" لموقع "زوايا" أن "إسرائيل" كانت تحضر نفسها وجيشها للمواجهة في ظل الحديث عن وحدة الساحات، ولكن ما حدث على الأرض أكد أن هذه الوحدة هي مجرد شعار يرفع، حتى الفصائل الفلسطينية الأخرى لم تتدخل بشكل جدي، وهو ما سمح لـ"إسرائيل" بأن تستفرد بفصيل دون آخر.
وأضاف: "سمعنا كثيرًا عن محور المقاومة، ولكننا لم نره فعلا على الأرض في الدفاع عن غزة، وهو ما يتطلب منا إعادة التفكير فلسطينيًا، فلا يعقل أن يترك الشعب الفلسطيني لهذا المحور الذي لا يضع القضية الفلسطينية في سلم أولوياته".
ترميم "وحدة الساحات"
بدوره أشاد الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم، عبر "زوايا" بأداء مقاتلي الجهاد الإسلامي خلال جولة القتال، وقال: "إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لن يتمكن من ترميم صورته، ولن ينجو من المحاكمة والخروج أزمته الداخلية".
وأكد أن المقاومة صمدت وكسبت ثقة الشعب الفلسطيني، واستطاعت كسر الموت على أسوار غزة، رغم أنها لم تحقق شروطها وخسرت العديد من قادتها وكوادرها.
وعبر "سويلم" عن استيائه من ترك حركة الجهاد الإسلامي لوحدها في ميدان المعركة للمرة الثانية، مؤكدًا أن جولة القتال الأخيرة، أثبتت أن لكل طرف من الأطراف سواء لحركة حماس أو حزب الله حسابات سياسية تفوق الأمنيات والادعاءات بوجود "وحدة الساحات".
اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة ما دام الدم الفلسطيني هو الغراء الذي يوحدنا
وطالب المحلل السياسي بإعادة ترميم مصطلح "وحدة الساحات" بمفهومه العسكري، وربطه بمفهومه المعنوي الذي يراد منه وحدة الشعب الفلسطيني والمناصرين من الشعوب العربية والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يكون مقبولًا وقابل للتحقيق.
الوحدة الداخلية
وفي ذات السياق، قال السياسي والوزير الفلسطيني السابق، حسن عصفور، إن مواجهة الأيام الخمسة تركت دروسا متعددة، داعيًا إلى ضرورة المسارعة لقراءة الحدث، الذي يمثل خطرًا يفوق خطر انقسام السلطتين، لبحث "وحدة الساحة الداخلية" بعد سقوط كلي لشعار "وحدة الساحات" المستورد.
وأكد في مقال له أن حركة حماس أصابها ارتباك شامل، وكانت تلهث وراء الحدث، بأشكال مختلفة، ولذا عليها قبل غيرها، أن تقف وتفكر في معادلتها مع العدو حول "النتوء الكياني" ومشروع "التقاسم الوظيفي".
وبين "عصفور" أن المواجهة كشفت حجم الفجوة بين قوى الضفة والقدس وقطاع غزة، حيث بات الانقسام جزءا من وعي الفصائل ذاتها، رغم أنها كلها تقريبا لها ذات الانتماء.
وأضاف: "ليس مفهوما مطلقا ولا مبررا ألا تكون المظاهرات الشعبية سيدة الحضور طوال معركة الأيام الخمسة"، مطالبًا الجهات الرسمية الفلسطينية بالتوقف عن التزاماتها بعدما فقدت الكثير من بريقها التمثيلي، وغابت سياسيا ودبلوماسيا عن تشكيل جبهة احتضان للفعل الوطني، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.