أهداف عدوان إسرائيل على غزة

القصف الإسرائيلي تجاه منازل المواطنين بغزة
القصف الإسرائيلي تجاه منازل المواطنين بغزة

هل صحيح أن العدوان الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، هو لمجرد الرد على عمليات شنتها حركة الجهاد الإسلامى قبل أيام، أم أن الأمر يتعدى ذلك بكثير لمحاولة إحداث تغيير فى المعادلة القائمة حاليا فى فلسطين وفى المنطقة بأكملها؟

يصعب تصور أن تلجأ إسرائيل إلى هذا العدوان الذى أدى إلى استشهاد ٣٠ فلسطينيا منذ بدايته يوم الثلاثاء الماضى وحتى فجر أمس الجمعة ــ موعد كتابة هذه السطور ــ لمجرد الرد على بعض عمليات حركة الجهاد، التى لم تفعل ذلك إلا بعد أن تسببت إسرائيل فى موت خضر عدنان أحد قادتها داخل سجون الاحتلال بعد أن أضرب عن الطعام لمدة ٨٦ يوما احتجاجا على عدم نقله للعلاج فى مستشفى مدنى ناهيك عن أن اعتقاله كان بتهم ملفقة حتى توفى يوم الثانى من مايو الحالى. هذه الوفاة اعتبرها رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتيه عملية اغتيال متعمدة. حركة الجهاد نفذت عدة هجمات ضد إسرائيل بعد هذا الحادث، وإسرائيل ردت بقصف متواصل. كثيرون اعتقدوا أن الأمر انتهى عند هذا الحد، لكن الجناح المتطرف داخل الائتلاف اليمينى المتطرف الحاكم اعتبر أن الرد الإسرائيلى ضعيف جدا، ويقوض فكرة الردع الإسرائيلى، وكان أبرز دعاة هذا الرأى هو حزب «القوة اليهودية» بزعامة إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى الذى علق نشاطه فى الحكومة منذ أسبوع.

ويعلم الجميع أن استمرار بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة رهن بهذا المتطرف وحزبه وائتلاف أحزاب «الصهيونية الدينية» الداعم الأساسى لحكومة نتنياهو.

أظن أن نتنياهو ــ المتشبث بالسلطة حتى النفس الأخير ــ حسبها بشكل برجماتى يتلخص فى شن العدوان على غزة بحيث يحقق مجموعة من الأهداف المختلفة أو بعبارة أخرى يصطاد أكثر من عصفور بعدوان واحد.

أول الأهداف أن يعيد التماسك للائتلاف الحاكم، عبر استئناف سياسة الاغتيالات بحق قادة المقاومة الفلسطينية، وهى الصيغة التى كانت تحكم العلاقات مع المقاومة طوال الفترة الماضية، لكن السؤال هل ستقبل المقاومة العودة لسياسة اغتيال قادتها من دون رد يتناسب مع البلطجة الإسرائيلية؟

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة جهود الوساطة لوقف إطلاق النار توفر لإسرائيل نقطة انطلاق ملائمة

الهدف الثانى هو أن نتنياهو يعتقد أن هذا العدوان سيعيد توحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية التى تعرضت لشرخ عميق بعد المظاهرات الشعبية غير المسبوقة، احتجاجا على مشروع قانون إصلاح القضاء الذى قدمه الجناح المتطرف فى الحكومة، وهو مطلب مهم لهذا الجناح ولنتنياهو شخصيا للحد من تدخل القضاء فى الحياة السياسية، خصوصا النبش فى فساد رئيس الحكومة، وربما محاكمته.

ونعلم أن نتنياهو اضطر للانحناء للعاصفة السياسية قبل أسابيع وجمد مشروع القانون، وتراجع عن إقالة وزير الدفاع يؤاف جالانت. ودخل فى صراع علنى مع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن متهما إياه بأنه يتدخل فى الشئون الداخلية لإسرائيل.

مشكلة نتنياهو فى هذا الملف أنه لا يريد الاستمرار فى الصدام مع كل مكونات المجتمع الإسرائيلى، وفى نفس الوقت فإن المتطرفين فى حكومته يصرون على الاستمرار فى طرح القانون وتمريره فى قراءة نهائية بالكنيست. وبالتالى فإن رئيس الحكومة ربما اعتقد أن هذا العدوان الأخير على غزة وتداعياته المحتملة ربما تلخبط كل الأوراق. ومن هنا فقد يستطيع الإفلات من مصيدة قانون إصلاح القضاء.

اقرأ أيضاً: نكبة 48 حلقة من مسلسل تآمر ما زال متواصلاً

الهدف والعصفور الثالث، إن نتنياهو يريد أن يستعيد شعبيته المتراجعة جدا فى الداخل الإسرائيلى، ويرى أن العدوان على الفلسطينيين هو أحد أسهل الطرق للحصول على الشعبية، فى بلد يزعم أنه واحة الديمقراطية فى المنطقة واحترام حقوق الإنسان!

الهدف الرابع، أن نتنياهو المصدوم من المصالحة الإيرانية السعودية وتداعياتها فى المنطقة، وكلها ضد المصالح الإسرائيلية، يريد أن يفسد هذه المصالحة بكل الطرق، حتى لا تتعمق وتؤدى إلى نتائج أخطر على إسرائيل، وبعد أن كانت إسرائيل تمنى نفسها بعلاقات مع السعودية لمواجهة إيران، فوجئت أن طهران والرياض تصالحتا بوساطة صينية، وأنها هى التى ستدفع الثمن.

ربما يخطط نتنياهو لاستمرار العدوان بحيث يجر حركة حماس للمعركة، وبعدها حزب الله من لبنان، وربما صواريخ من سوريا، وإذا حدث كل ذلك فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية يعتقد أن ذلك سيقود إلى تطورات دراماتيكية تفسد المصالحة العربية الإيرانية أولا، وتقود إلى إحياء فكرة الهجوم على المشروع النووى الإيرانى ثانيا.

المشكلة الأساسية فى كل هذه السيناريوهات أن ساحتها الأساسية هى الدم الفلسطينى المستباح إسرائيليا من دون رد عربى إلا من بعض الشجب والإدانة.

المصدر : الشروق المصرية
atyaf logo