الهجرة من الضفة الغربية.. ما وراء الصمت وغياب الأرقام "الدقيقة"؟

الهجرة من الضفة الغربية
الهجرة من الضفة الغربية

تتعاظم المؤشرات بشأن تزايد نسبة الهجرة من الضفة الغربية، إما على شكل عائلات أو فرادى إلى دول غربية أو خليجية في السنوات الأخيرة، بناء على مشاهدات ملموسة.

بالرغم من عدم وجود إحصاءات جديدة في السنوات الأخيرة بشأن الهجرة لأسباب متعددة، إلا أن من يعيش في الضفة الغربية يلمس مدى تزايد الأخبار عن هجرة شباب يعرفهم، أو أسئلة متصاعدة بشأن كيفية الحصول على هجرة أو لجوء أو السفر إلى مناطق أخرى، بحثا عن استقرار اقتصادي وربما نفسي.

هناك من هاجر أو من يفكر جديا بالخطوة، بينما كان في الماضي رافضا للفكرة مطلقا

واللافت أن هناك من هاجر أو من يفكر جديا بالخطوة، بينما كان في الماضي رافضا للفكرة مطلقا، ما يؤشر إلى واقع يستدعي من السلطة الفلسطينية والأحزاب التوقف عندها، بدلا من إغماض العينين، ومحاولة إنكارها، هربا من المسؤولية عمّا آل إليه واقع الحال.

مؤشرات لتصاعد الهجرة أو الرغبة بها

بحسب استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في عام 2016، فإن ربع سكان الضفة الغربية يرغبون في الهجرة في زيادة واضحة في أعداد الراغبين في الرحيل عن الأراضي الفلسطينية مقارنة بالأرقام في استطلاعات سابقة. وجاء في الاستطلاع أنّ نسبة الرغبة في الهجرة بين سكان الضفة بلغت 25 في المئة.

اقرأ أيضاً: مواقف السلطة "النمطية".. دليل ضعف يقرب انهيارها؟

ويُجمع باحثون في أحاديثهم لموقع "زوايا" أنه بالرغم من انعدام الأرقام الدقيقة إلا أنه بالمقارنة بين آخر نسبة وما نشهده اليوم بعد ما خلفته كورونا وحرب أوكرانيا من أزمات اقتصادية مضاعفة وغلاء فاحش، إلى جانب ممارسات الاحتلال وسوء إدارة السلطة، فإن هذا يقود إلى الاستنتاج بارتفاع نسبة الهجرة او الراغبين بها في الضفة.

وتشير تقارير إلى أن نحو 400 ألف على الأقل قد هاجروا من الضفة الغربية خلال العقود الأخيرة. ورغم أن الأوضاع الميدانية ليست السبب المباشر لهجرتهم، إلا أن مسببات الهجرة نابعة من الأوضاع السائدة في الضفة بكل مركباتها السياسية والاجتماعية. 

انعدام الأمن الشخصي نفسياً واقتصادياً

لا شك أن الاحتلال يُعدّ سببا رئيسيا يدفع الغالبية العظمى من الفلسطينيين إلى الهجرة، ما يؤكد على وجود "هجرة صامتة". وإسرائيل تعي هذه الظاهرة تماما، وهناك دراسات تناولتها صدرت باللغة العبرية، علما أنه يصعب إيجادُ دراسة واحدة بالعربية.

ثمة عوامل ظرفية وموضوعية متعلقة بما آل إليه الحال الفلسطيني

لكن، أيضا ثمة عوامل ظرفية وموضوعية متعلقة بما آل إليه الحال الفلسطيني ألقت بظلالها على ميول الفلسطيني بالهجرة والرحيل، كما تؤكد عضو الملتقى الوطني الديمقراطي نور عودة لموقع "زوايا".

وترى عودة أن تفكير الإنسان بالهجرة هو نابع بالعادة من الشعور إما بانعدام الأمن الشخصي أو الاقتصادي والاجتماعي وسط شعور بأن الطريق إلى المستقبل بات مسدودا بشكل أو بآخر. وفي الواقع الفلسطيني، فإن الاحتلال وممارساته وفقدان الأمن الشخصي المتزايد مع غياب حالة الحماية ولو كانت شعبية أو فصائلية، كلها عوامل مجتمعة تدفع بالفلسطينيين إلى التفكير بالهجرة.

تلاشي العقد الاجتماعي؟

وأضافت عودة في حديثها لموقع "زوايا" سببا ثانيا متعلقا بالعقد الاجتماعي الفلسطيني الذي لم يعد موجودا. وأشارت إلى أن هذا العقد هو الذي كان يعزز صمود الفلسطينيين في عهد سابق رغم قمع الاحتلال من منطلق الشعور الجمعي بأن المصير واحد، موضحة أن العقد لم يكن تقليديا كما الدول الأخرى، لكنه تلاشى الآن.

فالعقد الاجتماعي، بحسب نور عودة، اختفى نتيجة الخلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ظل غياب أي أمل بالمستقبل، بالترافق مع ازدياد نسب البطالة وقلة فرص العمل، وأوضاع اجتماعية واقتصادية آخذة بالتعقيد(..) وهو ما جعل الناس تبحث عن "خلاص فردي، وهذا يكون غالبا من خلال هجرة؛ لأن الواقع الذي يعيشونه ليس من منطلق (نحن)"، تقول عودة.

لماذا غابت أرقام الإحصاءات؟

يتفق مراقبون على أن تحاشي الإحصاءات ومراكز الاستطلاع لموضوع الهجرة تحديدا ليس صُدفة، وتعتقد نور عودة أن تراجع استطلاعات الرأي والإحصاءات للموضوع مرتبط بتراجع الحريات عموما وخشية المنظومة السياسية من إعطاء صورة صحيحة لمدى التدهور الحاصل في الحالة العامة، وشعور الناس وتطلعاتهم، وعلاقتهم بالمنظومة بشكل عام.

المنظومة السياسية في الضفة تقوم دائما ب"تسييس" موضوع هجرة الشباب

وأشارت عودة إلى المنظومة السياسية في الضفة تقوم دائما ب"تسييس" موضوع هجرة الشباب، عبر التركيز على قطاع غزة أكثر، من منطلق أن الشباب هناك يهاجرون بأعداد مهولة لأسباب موضوعية معروفة للجميع، وهي تحت المجهر.

لكن عودة رأت أنه لا توجد رغبة لدى الحاكمين في الضفة و"المتحكمين بها" أن تظهر الأرقام والأسباب فيما يخصهم ويخص حكمهم بالضفة، وهو ما يفسر تراجع الأرقام ذات الصلة نتيجة عدم وجود دراسة للموضوع، وذلك كي "لا يُظهروا حجم تفاقم الأزمة، وفشلهم في تثبيت صمود المواطن الذي لطالما تم التغني به قولاً لا فعلاً".

"حالة إنكار"

بالنتيجة، تشدد عودة على أنّ المنظومة السياسية لا تتطرق للموضوع لأنها في "حالة إنكار مرضية للهجرة ومواضيع أخرى؛ بدعوى أنها "لا تريد التطرق للواقع، تريد الحديث عن انتصارات وهمية، حتى لو كان صناع القرار هم من يتحمل المسؤولية".

وتختم عودة بالقول: "لذا، هم يحجبون واقع هجرة الشباب والعقول والخبرات؛ لأن حجب المعلومة منسجم مع الأداء المرتكز على إنكار كل شيء، وهم لا يغيرون الواقع بل يعززون الشعور بالحاجة للخلاص الفردي".

الشباب يبحث عن الملاذ وفق احتياجاته

من جانبه، قال الباحث بالاقتصاد السياسي د.ابراهيم ربايعة إنّ الحديث عن موضوع الهجرة معقد على المستوى الإقليمي والدولي، وهو ما جعل فرصة الهجرة ليست سهلة، خاصة أن دولا كانت حاضنة للشباب الفلسطيني شهدت ضربات بعد كورونا وقبلها وبعدها بفعل أزمات متراكمة، في ظل انعدام الاستقرار الإقليمي في السنوات الأخيرة.

لذا، يرى ربايعة في حديثه لموقع "زوايا" أنّ الشاب الفلسطيني في حال حصل على الفرصة سيهاجر، لكن في ظل تنافسية إقليمية ودولية عالية بفعل الأزمات المتراكمة أصبحت فرص الشباب الفلسطيني محدودة جدا اليوم.

العمل داخل الخط الأخضر مقابل استبعاد الهجرة ولو مؤقتا!

وأشار إلى أنّ العنوان هو "الخلاص الفردي للشباب"، بمعنى أنه يبحث عن الملاذ وفق احتياجاته، وأحد الملاذات وفق ربايعة يتمثل بتوجه 200 ألف شاب فلسطيني إلى سوق العمل الإسرائيلي مع صعوبة الهجرة مقارنة بما سبق.

العمل داخل الخط الأخضر يجذب عدداً متزايداً من شباب الضفة الجامعيين

وهنا، نوه ربايعة أن العمل داخل الخط الأخضر يجذب عدداً متزايداً من شباب الضفة الجامعيين، وهو ما يعني أنه أصبح خيارا يجب أخذه بعين الاعتبار بشكل جدي عند الحديث عن الهجرة، مبينا أن الخيارات المتاحة للشباب الفلسطيني داخليا مختلفة عن فترات سابقة.

اقرأ أيضاً: وثائق عسكرية تكشف: نزع بدو النقب من أراضيهم تم بالقوة وبذرائع أمنية كاذبة

وشدد على وجود مخاوف من أن الهجرة من البلدات المخنوقة بالاستيطان في ظل تقدم المشروع الاسيتطاني، ستشكل فرصة لالتهام الأرض بشكل أكبر، لأن المطلوب من الاحتلال مناطق فارغة بلا سكان لصالح توسيع الاستيطان.

شابٌ حاول الهجرة 20 مرة..وما زال!

وتمكن موقع "زوايا" من الحديث إلى الشاب "ح.ع" من بلدة دورا التابعة لمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، حاول الهجرة "عشرين مرة"، مبينا أنه نجح في إحداها بالذهاب إلى كندا عام 2010. ولكن، قبل فترة وجيزة من حصوله على الجنسية، اضطر للعودة بشكل عاجل إلى فلسطين، لسبب عائلي طارئ.

لكنّ الشاب البالغ من العمر 39 عاما، يشعر بيأس شديد ويعبر عن ندمه لخسارة ما وصفها "فرصة الخلاص" من واقع يعتبره خانقا للشباب الفلسطيني، موجها اللوم للسلطة، لأنها قسمت الفلسطينيين إلى طبقتين اجتماعيتين، النخبة التي تعيش حياة رخاء ونسبتها قليلة، وكثرة تعيش واقعا صعبا.

وتابع: "عشت الانتفاضتين الأولى والثانية، لكن لم نشعر باليأس، وضعنا الداخلي وصعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي هو الذي يكسرنا(..) أشعر أن البلد ذاهب إلى مستقبل مظلم، وأنا في غربة داخل وطني بلا حيلة ولا أمل".

وكشف عن أنه يعكف على التحضير لإجراءات لجوء إلى دولة غربية، موضحا أنه حسم قراره منذ سنوات، وأنه يرغب إكمال حياته في مكان بعيد، مضيفا أنّ معظم أصدقائه هاجروا إلى أوروبا والولايات المتحدة. وتابع: "حتى لو فشلت هذه المحاولة أيضا، سأبقى أحاول، لا خيار آخر".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo