الحرب حول المسجد الاقصى.. بين عظمة الفلسطينيين وأزمة الكيان الصهيوني

الاعتداءات على المسجد الأقصي
الاعتداءات على المسجد الأقصي

(1) معركة كسر عظم

تشتعل الحرب حول المسجد الاقصى لتتصدر المشهد الفلسطيني وتطغي على ساحات عربية ودولية , بسبب حالة التوتر الكبيرة التي أحاطت بهذا الصراع المحتدم.

هذه المعركة التاريخية التي تدور رحاها كل يوم تمثل نموذجا حيا لطبيعة الصراع مع الاحتلال, الذي يسعى بكل امكانياته لتغيير معالم الحياة السياسية والدينية في القدس والمسجد الاقصى بشكل خاص.

الاحتلال الاسرائيلي يحاول من جهته ان يسوق روايته بأن من حق اليهود الصلاة في المسجد الاقصى وأن الفلسطينيين يستخدمون قدسية المسجد الاقصى لأغراض سياسية, فيما يقاتل الفلسطينيون بقوة من أجل اثبات حقهم الديني والتاريخي والسياسي واجهاض كل المحاولات التي يقوم بها بن غفير لتغيير هوية المسجد الاقصى.

المعركة على الارض تشهد كل يوم مواجهات قاسية وساخنة, ويتخللها اقتحامات عنيفة من قبل قوات الاحتلال, يصاحبها الكثير من الاجراءات القمعية والاجرامية ضد المصلين والمرابطين في المسجد الاقصى, والتي وصلت ذروتها في دوس المسجد بأحذية جنود الاحتلال وارغام المصلين على الانبطاح على الارض ومن ثم تقييدهم وطردهم خارج المسجد واعتقال عدد منهم.

اقرأ أيضاً: إعلامي مصري يوضح: أسباب تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية

هذه الصورة, التي تتكرر بشكل يومي, خاصة في شهر رمضان وفي أيام الجمعة, توحي أن الامور ذاهبة باتجاه التصعيد والمواجهة العنيفة , وأن المسجد الاقصى يمثل الصاعق الذي يمكن أن يقلب الامور رأسا على عقب , وقد تفضي الى توسع دائرة المواجهة الى ما لا يمكن التنبؤ به.

(2) بن غفير وجر اسرائيل نحو المستنقع

ومن الواضح ان بن غفير – بغطرسته المعهودة, ومن ورائه الجماعات اليهودية المتطرفة , يريد ان يجر دولة الاحتلال برمتها الى معركة غير مستعدة لها ويغرقها في مستنقع لا قرار له, وجلب لها الكثير من الانتقادات من الكثير من الدول والمنظمات, وبالأخص من اصدقائها, وواضح ان المستوى السياسي حائر بين ارضاء اليمين المتطرف وانصار الصهيونية الدينية وبين تجنب تعرضه لسهام النقد من قبل المجتمع الدولي.

وقد ذكرت القناة 12 العبرية أن نتنياهو يميل لتبني موقف الشرطة الداعي لمنع الاقتحامات في بعض الاوقات كما جرت العادة سنويًا، خلافًا لموقف وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير الذي يعارض الإغلاق.

الاجهزة الامنية الإسرائيلية تشعر بقلق كبير من تدهور الاحداث, وبرزت بعض القيادات التي تنادي بضرورة وقف اقتحامات المسجد الاقصى لما يجلبه على إسرائيل من خسائر سياسية لا تعد ولا تحصى , وقال بعض هذه القيادات " ان بن غفير وزير مجنون مختص في اشعال النيران, وعلينا أن نطفئ النيران من ورائه". كما ان العمليات الفدائية الاخيرة في الضفة الغربية والتي اوقعت قتلى واصابات في صفوف المستوطنين اعتبرت كرد سريع على اقتحامات الحرم القدسي.

صحيفة (اسرائيل اليوم) عبرت عن قلق الاجهزة الامنية من الخطر الذي يحدق بدولة الاحتلال وقالت في تقرير لها(في قيادة جهاز الامن يأملون بان اذا ما نجحنا في ان نجتاز الايام القريبة دون تصعيد كبير، يحتمل ان تهدأ الامور قليلا، لكن واضح للجميع بان الصورة الواسعة لا تبشر بالخير، والتقدير في جهاز الامن هو أن خطر الحرب يزداد في السنة القادمة، على خلفية التطورات الاستراتيجية في المنطقة).

الخلاف وصل الى عمق أجهزة الشرطة , التي باتت تتذمر مما يقوم به بن غفير وتحميلها مسئولية ملاحقة المصلين ومواجهة الفلسطينيين , وكانت قيادات في الشرطة الاسرائيلية قد أوصت بكبح جماح بن غفير , وقدمت توصيات للمستوى الحكومي لوقف عمليات الاقتحامات , وتأتي هذه التوصية ، خلافاً لموقف الوزير بن غفير، الذي يعارض "إغلاق الحرم القدسي في وجه اليهود"، قائلاً إن "الإغلاق يهدد مصلى حائط المبكى (ساحة البراق) وسيكون استسلاماً للإرهاب".

قائد شرطة الاحتلال كوبي شبتاي عبر عن تخوفه الكبير من تدحرج الاحداث وخروجها عن السيطرة, وقال ("آخر ما نريد عمله هو أن نقتحم الحرم) , ونقل عن قيادات في الشرطة الإسرائيلية انه لن يكون بمقدورهم (السيطرة على الجموع الهائجة التي تريد الدفاع عن المسجد الاقصى).

الامور تأزمت بعد اطلاق الصواريخ من الجبهة اللبنانية والسورية وكذلك من قطاع غزة , وذلك ردا على الاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى, واعتبرت حكومة الاحتلال ان اطلاق الصواريخ هي من اخطر الحوادث التي تعرضت لها طوال السنوات الماضية , وقد وجهت الاتهام لحركة حماس بانها تقف وراء اطلاق الصواريخ في أكثر من ساحة , ومن ثم فبدأت في حملة مسعورة لاستعادة (هيبتها) من خلال قصف مواقع كثيرة في جنوب لبنان وفي قطاع غزة.

حكومة الاحتلال تدرك بأن الامور بدأت تفلت من بين يديها, وانه قاربت على الخروج عن السيطرة , خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الحلبة السياسية بسبب الخلافات العميقة التي نشأت من الاجراءات التي قام بها نتنياهو للسيطرة على السلطة القضائية وخروج مسيرات كبيرة ضده, في مقابل حالة فلسطينية متوثبة ومستعدة للذهاب بعيدا لمواجهة إجراءات الاحتلال والتصدي للمستوطنين والمقتحمين.

(3) خلاف ديني داخلي

على الرغم من تنطع المستوى السياسي واصراره على دعم مواقف اليمين المتطرف , الا أنه على المستوى الديني يوجد خلاف كبير في إسرائيل حول اقتحام المسجد الاقصى, من حيث تحقيقه مصالح لإسرائيل سواء على مستوى ثبات وصمود الائتلاف الحكومي او على صعيد الحفاظ على حالة الامن والاستقرار او على مستوى الحفاظ على صورة إسرائيل في المجتمع الدولي

هناك جماعة الهيكل والجماعات اليهودية المتطرفة التي تدعم بن غفير وسموتريتش , والتي تشعر بنوع من النشوة السياسية بسبب وجود وزراء يتبنون مواقفها ويفسحون لها المجال لاستفزاز الفلسطينيين وتحدي ارادتهم في الحفاظ على المسجد كعنوان للهوية الفلسطينية والاسلامية. هذه الجماعات التي تسعى بكل قوة وبما لديها من امكانيات في تغيير الواقع القائم في المسجد الاقصى ورسم صورة مختلفة تماما من خلال تعزيز الاقتحامات وتقديم القرابين واجراء الطقوس اليهودية وهي تؤمن بأن ذلك يمهد الطريق نحو هدف استراتيجي وهو بناء الهيكل الثالث في مكان المسجد الأقصى ، وذلك "حتى يصبح "الحلم حقيقةً", ويتم انتزاع المسجد من أيدي الاعداء التاريخيين لليهود وهم الفلسطينيون !!

في مقابل ذلك, فقد رأت بعض الحاخامات ان اقتحامات المسجد الاقصى ليس من جزءا من عقيدة اليهود وأنه يضر بصورتهم في المجتمعات الاخرى , وجاء في تعقيب الحاخام الرئيس لإسرائيل اسحق يوسيف على قرار الموافقة بالاقتحام: "ينبغي الترحيب ببيان رئيس الوزراء اغلاق الحرم امام حجيج اليهود. فضلا عن الحظر الخطير على الحجيج الى الحرم، يجب العمل على منع التهييج والاستفزاز الزائد. فقد قضت الحاخامية الرئيسة على اجيالها منذ الازل بانه حسب الفقه اليهودي – الهلاخا بان حجيج اليهود الى الحرم محظور حظرا تاما".

أما حزب (ديغل هتوراة ) الديني, وهو شريك في الائتلاف الحكومي, فقد عبر عن رفضه لعمليات الاقتحام , وذلك من خلال الصحيفة الناطقة باسمه والتي وصفت " تسلل وزير الامن ايتمار بن غفير إلى المسجد الأقصى بأنه "استفزاز لا ضرورة له وخطير".

اقرأ أيضاً: "المعشّر": لا تساعدوا "إسرائيل" على الخروج من الحفرة

واعتبرت الصحيفة أن تسلل بن غفير إلى المسجد الأقصى "استعراض مرفوض يشكل خطراً على حياة اليهود"، وأنه "عمل لا فائدة منه ومتخم بالغباء".

اسرائيل تسكنها الكثير من الخلافات العميقة –سياسيا ودينيا واجتماعيا- وتزداد هذه الخلافات يوما بعد يوم ووصلت الى درجة غير مسبوقة, أشعلت الضوء الاحمر أمام الكثير من القيادات التي باتت تقول ان اسرائيل دخلت مرحلة التدمير الذاتي, وان ما دشنه نتنياهو في ايامه الاخيرة خلق شرخا لا يمكن علاجه.

(4) الفلسطينيون.. الجدار الاخير

الفلسطينيون, وأمام هذه الهجمة الكبيرة على المسجد الاقصى سجلوا –كعادتهم- موقفا مشرفا وبطوليا في مواجهة الاقتحامات, ورسموا صورة حقيقة للصمود والتحدي الفلسطيني لغطرسة بن غفير, ونجحوا في كسر ارادته من خلال تحشيد الالاف من المصلين والمرابطين في المسجد الاقصى , وفي التصدي لقوات الاحتلال.

رغم الثمن الكبير الذي يدفعه الفلسطينيون من دمائهم واولادهم الا انهم نجحوا الى حد كبير في فرض حقائق على الارض من خلال التدفق الكبير الى المسجد ورباط عشرات الالاف ونجحوا في نقل صورة ناصعة للعالم العربي والاسلامي أنهم قادرون على حماية المسجد الاقصى, وأن ما يسعى اليه الاحتلال والمستوطنون سيكون الى زوال.

المعركة حول القدس لن تتوقف الا بزال الاحتلال, ومن يعتقد ان الفلسطينيين يمكن أن يسلموا او يساوموا على قضية المسجد الاقصى فهو يعيش خارج اطار التاريخ.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo