"معادلة جديدة" من لبنان.. ما مآلات التصعيد مع الاحتلال؟

التصعيد في لبنان
التصعيد في لبنان

كما عودنا شهر رمضان، يحمل أحداثا وتطورات مفصلية على الساحة الفلسطينية، تكون القدس والمسجد الأقصى هي المحرك الأساس لها، هذا ما عاشته المنطقة خلال الخميس الماضي.

بدأت القصة من مشاهد انتهاك شرطة الاحتلال لحرمات المسجد الأقصى، وضرب المعتكفين فيه، خلال ليالي الشهر الكريم، دون أي اعتبار لقدسية المكان أو الأيام المباركة بالنسبة للمسلمين، تخللها اعتقال الشبان المعتكفين وإلقائهم على الأرض، مُكبلي الأيدي والأقدام، في مشهدٍ أثار موجة غضب عارمة.

عندها، توجهت الأنظار إلى غزة، والكلّ انتظر رداً من هناك، كما فعلت المقاومة الفلسطينية سابقاً، والتي تؤكد في كل مرة، أن المدينة ومقدساتها خط أحمر.

لكن ما لم يتوقعه الكثيرون هو ما حدث، حيث فاجأ الجنوب اللبناني الجميع، ودخل على خط الأزمة. فمن بين أحراش قرى "زبقين " و"القليلة" القريبة من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، خرجت عشرات الصواريخ، قاصفة قرى شمال فلسطين المحتلة، مما اضطر سكان المنطقة هناك إلى الهروب للملاجئ، فيما فعّل جيش الاحتلال منظومة القبة الحديدية، واعترض عدداً من الصواريخ.

نجحت بعض الصواريخ في الوصول إلى الجليل، وأصابت محطة وقود وبنك وبعض البيوت والشوارع في نهاريا، تبعه استنفار القطع العسكرية الإسرائيلية على طول الشريط الحدودي مع لبنان.

وعلى الفور، خرجت تصريحات إسرائيلية، متهمة حركة حماس بالوقوف وراء الفعل، وقالت: "إن الصواريخ من نوع كاتيوشا وجراد، وتوعدت بالرد القاسي".

وما إن غابت شمس الخامس عشر من رمضان، حتى انعقد المجلس العسكري المصغر وقرر الرد بقصف مواقع تابعة لحماس في غزة، بعشرات الغارات الجوية. حاسماً أن حماس هي من قصفت الجليل الأعلى، وليس حزب الله، صاحب النفوذ والسطوة في جنوب لبنان.

اقرأ أيضاً: "إسرائيل" تشهد صراعا بين "تراخي المؤسسين و صهيونية المستجدين"

لم يقتصر القصف الجوي على غزة فقط، بل غارت طائرات الاحتلال، ليلة الجمعة، على مواقع مختلفة في جنوب لبنان، وتحديداً في بلدة "القليلة" المحاذية لمخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، وبعض الأحراش الجنوبية، التي قال عنها جيش الاحتلال :"إنها مكان إطلاق الصواريخ".

ولم تسجل أي إصابات مدنية جراء القصف الإسرائيلي، الذي وقع معظمه في مناطق مفتوحة، كدلالة على حفظ قواعد الاشتباك، وعدم توسيع رقعة النزاع.

بعدها، أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال، عن انتهاء العملية الأمنية في غزة وجنوب لبنان، مؤكداً استعدادهم لأي تصعيد آخر.

هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها جنوب لبنان، بقصف على الشمال الفلسطيني، كرد ضمن المعادلة السياسية في الداخل الفلسطيني، فقد تكرر هذا الحدث مرات عدة، وفي مناسبات مختلفة، كدلالة على تنوع الساحات وعدم انحصارها بغزة فقط.

من جانبها، لم تتبن حركة حماس، أو أي فصيل فلسطيني آخر، عملية قصف الجليل، وهو ما لم يحدث أيضا في المرات السابقة، بسبب تعقيدات المشهد اللبناني، وانعكاس ذلك على يوميات اللاجئين الفلسطينيين بالبلد.

ومن المعلوم، أن حزب الله هو المسيطر على الجنوب اللبناني، ولن تكون عملية إطلاق صواريخ دون تنسيق حثيث معه، في المقابل توجد أطراف سياسية لبنانية تستغل الحدث للمطالبة بطرد الفصائل الفلسطينية المقاومة من لبنان، وتحرض الرأي العام بالادعاء أن الفصائل الفلسطينية تسعى لإدخال لبنان في حرب مع الجانب الإسرائيلي لا دخل له فيها، في ظل ظروف دهور اقتصادي ومشاكل داخلية تعصف به.

ومن الأمثلة على ذلك، تغريدة نديم الجميّل، العضو بمجلس النواب، الذي طالب فيها بطرد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بعد حادثة إطلاق الصواريخ.

وكان هنية قد وصل إلى الأراضي اللبنانية، قبل يوم فقط من اندلاع التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي. فيما كانت آخر زيارة له قبل عام تقريبا.

وعلى خلفية التصعيد، ألغت "حماس" صلاة تراويح جماعية في مدينة صيدا، بحضور هنية، نظراً لتطور الأمور في الجنوب اللبناني وقطاع غزة.

وفي السياق ذاته، أصدرت "حماس" بياناً، باركت فيه عمليات الرد على الاعتداءات التي طالت الأقصى، من غزة ولبنان والداخل، وأكدت أن الاسرائيلي يذهب لتفجير الوضع بتماديه على المقدسات.

وتعود مع كل حدث أمني سيرة السلاح والقدرات العسكرية لحركة المقاومة الفلسطينية في لبنان لتتصدر المشهد الداخلي والخارجي، وتثار تساؤلات حول حجمها وتأثيرها؟

في هذا السياق، يقول الصحفي والباحث الفلسطيني أحمد الصباهي: "ما جرى في الجنوب اللبناني يفرض معادلة جديدة على الاحتلال الإسرائيلي، بأن تصبح هذه الجبهة ليست حكرا على حزب الله فقط، بل هي متاحة أيضاً للفصائل الفلسطينية".

ويضيف: "كانت هناك رسائل واضحة أن الرد على الانتهاكات الإسرائيلية قد يكون من خارج الحدود، وحتى سوريا".

ويعتقد الصباهي لبنان سيكون له دور جديد في التصعيد مع الاحتلال، وهذا ما تسعى إليه المقاومة الفلسطينية في وحدة الساحات، أن تشكل حزاما وطوقا يحاصر الاحتلال الإسرائيلي، وما نشهده قد يكون ترجمة عملية لهذا المشروع.

وحول مدى إمكانية تطوير العمل المقاوم في لبنان، فيرى أنها تخضع لاعتبارات عديدة، منها النزاع الداخلي اللبناني، كما أنه منوط بالأحداث الداخلية في فلسطين.

وعن دور المخيمات الفلسطينية في هذه الأحداث، يلفت الصباهي إلى أن تساؤلا قويا مطروح بهذا الشأن، لا سيما بعد اتهام الاحتلال الإسرائيلي لحركة حماس أنها تخزن الأسلحة داخل المخيمات، مضيفا "هل ستكون المخيمات عرضة للقصف ولها دور استراتيجي في الصراع، هذا سؤال ستجيب عنه الأحداث المقبلة".

وفي سياقٍ متصل، عبّر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، عن تأييدهم لقصف المستوطنات في الشمال الفلسطيني المحتل نصرةً للأقصى، وبدأت تتعالى الأغاني الوطنية والمفرقعات النارية، احتفالاً بما جرى.

اقرأ أيضاً: "المعشر" ينتقد سياسة الأردن تجاه تصريحات وزراء حكومة "نتنياهو"

يقول الشاب يوسف جمعة، ابن مخيم الرشيدية جنوبي لبنان، "نحن كشباب فلسطيني لاجئ لا ننفصل عن الداخل والأحداث الجارية هناك، فأرواحنا معلقة بالقدس، ونحن جاهزون في أي وقت أن نكون سلاحاً بيد المقاومة".

هذه الأحداث تعيد إلى الذاكرة الانفجار الذي وقع في مخيم برج الشمالي، جنوب لبنان، في مسجد أُبي بن كعب قبل عامين، وتوفي على إثره حمزة شاهين، المهندس في كتائب القسام. عندها، تصدرت الترسانة العسكرية لحماس في لبنان العناوين الإخبارية. وبعدها تكررت حوادث إطلاق صواريخ باتجاه الجليل الأعلى، وكان الاحتلال الإسرائيلي يلقي بالاتهام على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الوقوف وراءها، ويتوعد بالرد.

هذه الوعود الإسرائيلية قابلها خروج الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وتهديد الكيان الإسرائيلي بالقول: "إن أي عمل عسكري أو أمني داخل الأراضي اللبنانية، وحتى المخيمات الفلسطينية، وتجاه أي شخص لبنانياً كان أو فلسطينياً أو من جنسية أخرى، فسيكون هناك رد حتمي وقاسي".

وكان لبنان قد خاض حربا شرسة مع الاحتلال الإسرائيلي في تموز 2006م، ما ألحق خسائر مدنية ومادية كبيرة لدى الجانبين في آخر مواجهة مباشرة بينهما، فهل ستؤدي الأحداث المتصاعدة إلى تكرار مثل هذه الحرب؟

في هذا السياق يقول المحلل السياسي اللبناني والمختص بالشؤون الإقليمية، خليل نصرالله:"خيار مشاركة حزب الله في الحرب يآتي ضمن معادلة المس بالأقصى تقابله حرب إقليمية. حزب الله في عقيدته تحرير فلسطين، وهو يتصرف مع الأمر من منطلق الواجب".

يضيف نصرالله مجيباَ على احتمالية تطور الأمور: "كل الاحتمالات واردة في الذهاب لحرب مفتوحة، الأمور تقف عند تصرفات الاحتلال، وليس حزب الله من يقع في الفخ الاسرائيلي. وإذ ما قرأنا المشهد، نرى أن الاسرائيلي بمأزق ويتجنبون العبث مع المقاومة في لبنان، فما بالك إذا ما فُتحت كل الجبهات؟ وهذا آصلا ما أكد عليه جالانت وزير الحرب أن اشتعال جبهة واحدة يشعل جبهات أخرى".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo