كادت أن تحصل جريمة على مفترق السرايا

عمالة الأطفال في قطاع غزة
عمالة الأطفال في قطاع غزة

لا يكاد ينفذ شخص يمر عن المفترقات المرورية في مدينة غزة إلا ويعترض طريقه أطفال متسولون يشكلون حلقة دائرية متواصلة مع بعضها البعض، هذه الظاهرة التي بدأت بالتشكل منذ سنوات باتت اليوم مهدد حقيقي للسلم الأهلي، ولحركة الناس سواء في المفترقات المرورية أو في الأماكن العامة، ليس في مدينة غزة فحسب بل في عموم مدن القطاع، فلا يهنأ الجالس مع أسرته أو المختلي بنفسه في الأماكن العامة من المتسولين الذين يظهرون فجأة بمجرد جلوس الشخص في تلك الأماكن.

صباح اليوم كنت في طريقي لقضاء حاجة في مصلحة حكومية فتوقفت السيارة التي تقلني على مفترق السرايا الشهير في مدينة غزة، فجاء أحد الأطفال المتسولين وتوقف أمام شباك السيارة يطلب النقود من الرجل الذي يجلس في المقدمة، فاعتذر منه الرجل بشكل لطيف، وقبل أن تضيء إشارة المرور باللون الأخضر، تفل الطفل على الرجل وشتمه بألفاظ مخزية واختفى بين السيارات الكثيرة التي كانت تنتظر المرور، انكسف الرجل وكل من كان في السيارة من ذلك المشهد الحزين والمؤسف، فلو كان الرجل من الأشخاص المنفعلين لترجل من السيارة وجرى ناحية الطفل واعتدى عليه أو هرب منه الطفل فتسبب ذلك في حادث سير أو جريمة يمكن لها أن تتطور ويقع فيها المحظور.

ناهيك عن الأطفال الذي يتظاهرون ببيع الحلوى وقطع البسكويت ويتعربشون في المارة خاصة السيدات منهن لإجبارهن على الشراء المغلف بالتسول، فكثير ما كنت ألاحظ هذا الفعل المعيب يحصل في الطريق مما يضع الفتاة في توتر كبير جدًا عندما يحاصرها الطفل في زاوية الشارع ويقترب منها إلى حد الملامسة وإمساك ثوبها، تتكرر هذه المواقف كثيرًا على مداخل المؤسسات وبوابات الجامعات حتى أن الكثير من تلك المواقف قد تحصل أمام رجال المرور الذين لا يمتلكون حرية التصرف في تلك الحالات.

اقرأ أيضاً: خشية إسرائيلية من قيام قيادة الجيش بـ"انقلاب عسكري" غير تقليدي

لقد أصدرت الحكومة العديد من التحذيرات وفعَّلت بعض الحملات التي طاردت هذه الأفعال ومرتكبوها، لكنها تبقى حملات خجولة لا تلبي حاجة الصالح العام، والغريب المؤسف في الأمر أن هؤلاء الأطفال يشكلون ما يشبه العصابات المنظمة التي تتخذ من فعل التسول طريقة سريعة لجلب المال وغالبًا ما يكون المسؤول عنهم هو رب الأسرة الذي يجبر هؤلاء الأطفال للعمل في التسول، بل وقد يصل الحد إلى ضرب الطفل وتعريضه للتعذيب إن لم يجلب المبلغ المطلوب منه بشكل يومي.

إن هؤلاء الأطفال المعنفين هم خطر كامن في المجتمع بحيث يكبر ذلك الطفل وهو يحمل في قلبه كل أسباب الحق والكره الموجه ناحية البيئة التي نشأ فيها مما سوف ينعكس على المجتمع بأسره، فنصبح أمام طفل معنف منبوذ لم تتوفر له أسباب الحياة الكريمة، فتحول بدوره إلى مجرم جديد سوف يفرض وجوده بكل الطرق غير الشرعية من أجل الحفاظ على قوت يومه، وطريقته التي لا يعرف غيرها لجل المال، بل ربما يُستغل هذا "الطفل" في أمور خطيرة من قبل أشخاص لتنفذ بعض المهام "القذرة" وهنا تصبح الجريمة مركبة وصعبة وذات أبعاد يصعب معها الحل.

من أجل ألا نصل إلى الطريق المسدودة، يجب علينا جميعًا أفراد وجماعات ومؤسسات أن نقف أمام أنفسنا بالضغط على الحكومة لكي تتخذ الاجراء المناسب بحق مشغلي هؤلاء الأطفال، والعمل على توفير حياة كريمة لهم، وضمان عدم تعرض الأطفال للضغط والإكراه، وليس بشن الحملات الأمنية فقط، بل بمعالجة الأسباب من جذورها وعدم تمكين هؤلاء الأطفال من العمل وجلب المال كي لا يشكلون نموذجًا ناجحًا يتم تقليده من بعض الأشخاص ذوي النفوس المريضة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo