أزواج على الورق وأمام الناس فقط!

الانفصال بين الزوجين
الانفصال بين الزوجين

كنتُ وصديق لي نجلس في الحديقة العامة لبلدية غزة حيث وقعت مشكلة بين زوجين، لأن أحد الأبناء قد تعلق قميصه بشجرة قريبة كان يدور حولها، الأمر لم يكن يستدعي حجم الزعيق الذي أحدثه الأب، بمقابل ما فعلته الأم بولدها الصغير من ضرب كاد أن يستدعي الشجرة كي تدافع عنه، فمن الواضح جدًا أن الطفل كان الحلقة الأضعف في صراع زوجي مكتوم.

بدى العبوس واضحًا على وجه الاثنين، إذ كانوا يحادثون بعضهم بكلمات قليلة وأغلب الوقت بالإشارة، كل شخص فيهم ينظر إلى الناس تارة، وتارة إلى السماء، وأخرى يُمسك عرف شجرة ويلاعبه بيده وفي النهاية يكسره، ناهيك عن الغوص التام بالهاتف المحمول دون هدف يذكر أو مهمة عمل ولو تافه، الأمر فقط يتعلق بإلهاء الذات عن الحديث مع شريك الحياة، هذه الأسرة مرآة للكثير من الأسر غير المنسجمة التي قتلت الرتابة أوقاتهم، وتسرب الفراغ والغضب والبرود إلى غرف بيوتهم، فباتوا أزواجًا فقط أمام الناس وعلى أسرة النوم يمارسون طقوسًا معينة هي أبعد كل البعد عن الحميمية، أشبه بالموت البطيء، لا أحد فيهم يقبل الآخر، يتعامل مع العملية بأنها أمر واقع ووظيفة يجب أن ينتهي منها هكذا دون أي متعة أو رضى أو رُبما ينتهي الأمر بمشكلة كبيرة بسبب أن أحدهم لم يتفاعل مع الآخر، وهذا يحصل على فترات متباعدة جدًا، بعدها يعود الوضع إلى ما كان، مجرد اثنين أحياء موتى يعيشون داخل جدران مزينة ومزخرفة وبيوت مليئة بالأثاث لكنها بيوت مميتة أشبه بالمقابر الفرعونية، ينامون ويستيقظون، ويخرجون وهم عابسي الوجوه، حتى أنك تكاد تعرف الشخص من وجهه صباحًا، هل قال أو قالت لزوجها صباح الخير أم خرجا من البيت على شتائم وسُباب ورُبما اعتداء جسدي، هذه الحالة تنتشر وبصورة كبيرة في المجتمع على اختلاف وتعدد طبقاته، وبالضرورة فإن أسباب انتشارها في المجتمعات الأكثر فقرًا لا تتشابه مع المجتمعات الأكثر ثراء، فإن كان الفقر ومستوى التعلم وضغوط البيئة المحيطة أسباب الاغتراب العاطفي أو الطلاق النفسي في المجتمع الفقير فإنها على عكسها تمامًا متوفرة لدى الطبقة الأكثر ثراء ورغم ذلك نجد أن الاغتراب الزوجي ينتشر أكثر فيها.

هذا الأمر يؤثر بالضرورة على حياة الأبناء ومستقبلهم النفسي والعملي والاجتماعي، فإن تفتُّح قريحة الأبناء في بداية أعمارهم على نمط سلوك غير سوى يقلب المفاهيم لديهم بحيث يعتبر أن السلوك غير السوى في المنزل هو الطبيعي، وهنا تحدث المشكلة الأعظم عندما يكتشف الطفل السلوكيات السوية خارج المنزل وفي الكتب والقصص وأدوات المعرفة التكنلوجية فتحدث المقارنة وتحدث الصدمة أيضًا، وما ينتج عنها من نقل للخبرات الصادمة على حياته المستقبلية، فنحن على الدوام نتاج حياتنا الطفولية.

قد يتسائل البعض ولماذا لا يحدث الطلاق والانفصال ويبدأ كل فرد حياته من جديد؟! وهذا فعليًا هو المنطق ولكننا دومًا محاصرون بأسباب تخضع للمنطق المحيط وليس منطق الأفراد، فالأطفال سبب يمنع، والمال والفقر على تضادهما، والأسرتين، وربما الأزواج أنفسهم يفضلون حياة الاغتراب تلك على الطلاق الذي سوف يكسر صوة حياتهم السوية السعيدة في عيون من يعرفهم وبالتالي خسارات مضاعفة، فيتم الاكتفاء بحياة الأسرار التي يحدث فيها الانفصال بعد سنوات عديدة، أو سفر أحد الأزواج، أو الاتفاق على كل ما يترتب على الطلاق لكن دون التلفظ به أو توثيقه أي طلاق وجداني كامل.

للتغلب على هذا كله يجب أن نعرف أن الزواج بدون حب وانسجام وتغاضي وتخلي عن الأنانية والمقارنة لن يكون زواجًا سعيدًا، لذا يجب على الأزواج أن يعوا تمامًا أن لا يقتلوا أنفسهم في سبيل المال، وألا يتراخوا كثيرًا في الحصول عليه وأن يعيشوا حياتهم اليومية بعيدًا عن التزييف، وأن تكون المصارحة هي الأداة الوحيدة للحوار وحل المشاكل والاهتمام جيدًا بغرف النوم وإعطاء المتعة حقها، فهي حياة واحدة سنعيشها جميعًا، فيجب أن تكون حياة سعيدة، حياة دافئة فيها الحب والحنان والطمأنينة فالأزواج خلقوا ليكونوا سكنًا لبعضهم، يعيشون على المودة والرحمة والحب.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo