شباب كتيبة جنين وعرين الأسود يُغيِّرون طبيعة المعادلة في فلسطين

عرين الأسود
عرين الأسود

في الوقت الذي ظن الكثير أن قطار التطبيع سيُخمِد نار المقاومة وسَيدفع بآخرين إلى الإسراع للالتحاق به، وفي الوقت الذي عَمل الكيان الصهيوني بكل الوسائل المتاحة لحصر المقاومة في غزة، زاعما أن بها متطرفين إسلاميين، وفي الوقت الذي اعتقد الأمريكيون أنهم قد قَبروا المسألة الفلسطينية مع حلفائهم الصهاينة، وباتوا يُعدُّون لانتصار نهائي في فلسطين بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للاحتلال، وفي الوقت الذي كاد البعض أن ينسى حتى حل الدولتين باعتبار أن الأمر قد حُسِم في هذا المجال ولا سبيل للقبول بدولة فلسطينية إلى جانب الكيان المحتل… في هذا الوقت بالذات، خرج من عرين الأسود رجالٌ يقولون لا، ويُغيِّرون معادلة الصراع برمّتها، وتحركت كتيبة جنين لتقول نحن هنا وملف القضية الفلسطينية لم يُطوَ، واَلتَفَتْ الجماهير في كافة مناطق الأرض المُحتَلة مع هؤلاء الفتية الذين باتوا يتحرَّكون بمنطق الشبكة التي لا مركز لها بديلا عن منطق التنظيم الهرمي أو العنقودي الذي بات من الماضي.

وبات واضحا أن أبناء القرن الحادي والعشرين قد تكيفوا بسرعة مع متطلبات هذا القرن من حيث أسلوب العمل وتحديد الأهداف وتنفيذ المهمات. وبات وكأنهم قد دخلوا المعركة بمعادلة جديدة لن يتمكن العدو الصهيوني من فك شفرتها. وتلك مساحة الأمل الكبرى بأن الأمر لا يتسع إلا إذا ضاق، وأن مرحلة اليأس من المستقبل قد ولت إلى الأبد.

اقرأ أيضاً: جيش الاحتلال يقر بعجزه عن وقف هجمات "عرين الأسود"

وتتأكد هذه الحقيقة عندما نعلم أن الذين أصبحوا يقودون عمليات المواجهة ضد عرين الأسود أو كتيبة جنين، ليسوا ضباطا من مستوى قادة فرق أو كتائب كما كان يحدث في السابق مع أبطال المقاومة في العقود الماضية، إنما هم قائد الأركان الصهيوني نفسه وقائد جهاز الشباك نفسه. وهذا يعني أن التحول الحاصل أعمق من أن يواجَه بعسكريين من الصف الثاني، ناهيك أن يكون بالتطبيع هنا أو هناك، أو بتلك الوعود الكاذبة المُرتبطة بما يُسمىَّ “اتفاقيات أبراهام” لتحسين أوضاع الضفة والقطاع.

كل هذا الأمر أصبح من الماضي، وما هو أعمق من المقاومة هذه هو ذلك الاحتضان الشعبي الواسع وذلك التعاطف الكبير من الشعب الفلسطيني مع أبناء الكتيبة وأسود العرين. مسألة تُثلج الصدر أن لا تبقى غزة وحدها معزولة، ولا أن ينتظر الفلسطينيون انتفاضات شعبية بين الفينة والأخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمتها، بل يُصبح كل الشعب الفلسطيني متضامنا مع أبنائه المقاومين في كل شبر من أرض فلسطين المحتلة.

ويحمل هذا إشارةً واضحة عن المستقبل، بأن الاحتلال لن يدوم مهما طال، وأن القيام بسياسات تطبيع ضد الطبيعة لن تستمرّ، وأن التفوُّق العسكري المؤقت لن يُفلح في كسر إرادة شعب يريد أن يتحرر، وأن كل ذلك الوهم بدفن القضية الفلسطينية إلى الأبد يمكنه أن ينكشف في أيّ لحظة من لحظات القدر عن انتصار القوى المظلومة على الظالمة وانتصار من يُعتَبَر ضعيفا من الناحية العسكرية على مَن هو مَدجَّج بمختلف أنواع الأسلحة وأكثرها فتكا بالإنسان والأرض والأكثر إرهابا.

يبقى أن تتكاتف جميعُ أشكال المقاومة من أجل تحقيق هدف واحد وهو تحرير الإنسان والأرض والقدس الشريف. ينبغي أن تتكاتف جهود الأسير وهو يقاوم مع جهود السياسي والإعلامي وهو يدافع عن بلده، مع جهود المكافح في أرض المعركة، لكي تبدأ تباشير النصر تلوح في الأفق.

وإنها لعمري أيام نادرة هذه التي نعيشها اليوم في ظل مرحلة اليأس التي كادت تُطبِق علينا وتجعل من المنهزمين روحيا وفكريا وماديا مُنتصرين. لقد بات واضحا اليوم أن الأمل هو من ينتصر في آخر المطاف، إن شباب الأمل المنطلقين من عرين الأسود وكتيبة جنين والذين سينطلقون غدا من منافذ أخرى، سيُحدثون التحول الاستراتيجي الذي لطالما انتظرناه، وذلك ليس بالأمر المستحيل ولا حتى بالبعيد، إن شاء الله.

المصدر : الشروق الجزائرية

مواضيع ذات صلة

atyaf logo