صورة الفدائي الأولى والموت المشتهى

الشهيد عدي التميمي
الشهيد عدي التميمي

اتفق الشباب الفدائي الفلسطيني على خلق صورة النموذج في كل فعل مقاوم يفعلونه ضد الاحتلال، وتغيير تعريف البطولة بشكل سريع وغير متوقع، فمن باسل الأعرج إلى أحمد جرار وضياء حمارشة إلى إبراهيم النابلسي وصولًا إلى عدي التميمي الذي خاض اشتباكًا مسلحًا مع الاحتلال بعد تنفيذه لعملية سابقة في القدس أدت إلى مقتل جندية وإصابة آخر بجروح بليغة، واختفى بعدها لمدة أحد عشر يومًا ليخرج من تلقاء نفسه لينفذ عملية جديدة مما أدى إلى إصابة جندي واستشهاد عدى.

اقرأ أيضاً: جيش الاحتلال يقر بعجزه عن وقف هجمات "عرين الأسود"

مات عدي، لكنه لم يكن موتًا عاديًا أبدًا بل موتًا تحت الرصاص محققًا شعار الشهيد غسان كنفاني تمامًا والذي قال فيه: "احذروا الموت الطبيعي ولا تموتوا إلى بين زخات الرصاص" وهذا ما حصل وشاهده العالم جراء تسريب الاحتلال لتصوير عملية قتل الشهيد عدي وكيف كان ينهمر عليه الرصاص وهو يعاند ويطلق الرصاص المضاد حتى أتم الجنود السيطرة على الموقف بعدما أسلم عدى الروح.

لماذا عدى ومن يشببه؟!

صدر عدي النموذج كما فعل من سبقوه وهم على الأغلب لم يتجاوزوا العقد الثاني من العمر، ويشتركون في صفات عديدة مثل الوسامة والجمال وسعة الحال، وأمامهم الدنيا فاتحة ذراعيها بالحياة لكنهم اختاروا أن ينتهي العمر قبل الثلاثين ليس اختيارًا انتحاريًا بل اختيار الفدائي الرمز المُلهم، وهنا يتجلى المعنى المُحرض المبتغى من وراء هذه العمليات التي ينفذونها بعد تخطيط فردي يؤدي بالضرورة إلى قتل وإصابة جنود الاحتلال، أي أنها عمليات تخلق حولها هالة جماهيرية عريضة ومتابعة على مدار الساعة من الجمهور الفلسطيني والاسرائيلي وربما العربي أيضًا لما لها من أثر كبير على استعادة الروح المعنوية التي وصلت إلى أدنى مستوياتها جراء العدوان الاسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين والذي وصل إلى حد الإذلال في القتل مما أعطى هذه العمليات الجدوى والاهتمام على الصعيد الروحي والنفسي لأنها تعمل على إعادة ترميم المعنوية الفلسطينية المنهارة بسبب الانقسام وانغلاق الأفق السياسي، فقد شاهد عُدى أثر تلك العمليات التي قام بها أسلافه وكيف رفعت من تقديرهم إلى درجات عالية بين الناس حتى أصبحوا رموزًا حجبت الرؤية عن الرموز السياسية التي مل منها الشعب الفلسطيني وكشف ضعفها وارتهانها، ولا أعتقد أن هناك أعظم من أن تكون رمزًا بهذا الشكل الأسطوري، أن تموت بين زخات الرصاص ويشاهد بطولتك ملايين البشر وتصبح محفزًا للآلاف منهم ويحفظ اسمك للأبد.

صورة الفدائي وصورة الضحية

إن الاحتلال يعني خطر الحالة التي يمثلها عدى وأسلافه، وخطورة أن تصبح نموذج ومدعاة للتقليد، خاصة بعد فشله في اعتقال عدي الذي استمر متخفيًا طيلة أحد عشر يومًا في مدينة القدس التي يعتبرها الاحتلال عاصمة له ويرصدها عبر الدوريات الراجلة والكاميرات طيلة ساعات اليوم دون القدرة على اعتقاله بل خرج عدي مباغتًا لينفذ عملية أخرى، مستخفًا بكل ما تعلنه تلك الدولة من قدرات تكنولوجية هائلة تسيطر فيها على كل شيء، لهذا سرب الاحتلال فيديو عملية القتل ليوجه رسالة دموية لشعبه بأنه قادر على الفتك بمن يهدد أمنه، لكن الفيديو أظهر بطولة جديدة لفلسطيني لم يبلغ ربيع عمره الأول، وأتت الكاميرات بما لا تشتهي عيون جمهور دولة الاحتلال الذي يشاهد الفيديو بوصفه عملية إعدام وقتل وانتقام، لكن عيوننا تراه بوصفه شجاعة وإقدام وبطولة عجزت عن تصويرها أقوى مدن الانتاج الإعلامي.

الجديد هنا هي صورة الفدائي التي بدأت تتصاعد في الضفة الغربية، ويشاهدها الفلسطينيون في كل أمكان تواجدهم خاصة في قطاع غزة الذي يأمل بعودة العمل الفدائي الفردي المسلح الذي يُحقق لصاحبه الموت بطريقة بطولية، وليس موت الضحية تحت الأنقاض كما درج في قطاع غزة في السنوات السابقة.

WhatsApp Image 2022-10-20 at 8.59.23 AM.jpeg

صورة الضحية تعجب الاحتلال كثيرًا، ولوهلة من الزمن أعجبت الكثير من الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى الإمعان في إظهارها لما توفره من تضامن دولي خادع ودعم مالي موجه وسخي، مما أوصل نفوس الناس إلى التردد في فكرة مقاومة الاحتلال (صاروخيًا) لما تسببه من مخاسر فادحة في الأرواح والممتلكات، وهنا المفارقة فنحن أمام نموذج موت بطولي اختياري يصلح أن نطلق عليه نموذج الموت المشتهى، الموت الذي يسبقه مطاردة وتخفي وفعل يؤلم الاحتلال وترفع فيه الرؤوس وينتهي بجنازة كبيرة ونعي من الشعب قبل قيادته وخلود طيب الذكر حتى الأبد، وسيرة وطريق يحتذى به، وهذا ما أوصى بعد الشهيد عدي في الرسالة التي تركها خلفه وكتب فيها كلمات قليلة لكنها تلخص المشهد كله ونقتبس منها نهايتها: "أعلم أنني سأستشهد عاجلًا أم آجلًا، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها وأنا واضع هدفًا أساسي أن تحرك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي – المطارد عدي 10/11 .. وليس بعد وصايا الشهداء كلام، والسلام ختام.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo