حسابات الربح والخسارة في مبادرات وحوارات المصالحة

لقاءات المصالحة بالجزائر
لقاءات المصالحة بالجزائر

مع كل جولة من جولات الحوارات الفاشلة للمصالحة الفلسطينية، تسجل الدولة المضيفة إنجازا لصالحها من خلال دعوتها للأحزاب الفلسطينية وإنفاقها على استضافتهم والقول بأنها حاولت توحيد الفلسطينيين وبالتالي قامت بواجبها القومي تجاه القضية الفلسطينية، مع أن بعض الدول المستضيفة لجلسات الحوار متواطئة ومشاركة في صناعة الانقسام، وفي المقابل يخسر الشعب الفلسطيني حيث يتعزز الانقسام أكثر بعد كل جولة حوار فاشلة و تسوء سمعة الشعب الذي يظهر أمام العالم أنه فاشل عن تحقيق الوحدة وأحزابه متصارعة على المصالح، كما تفقد الأحزاب نفسها مزيدا من مصداقيتها وسمعتها. هذا ما جرى منذ أن بدأت الحوارات في القاهرة عام 2009 وانتهاء بحوارات الجزائر.

حوارات المصالحة في الجزائر جاءت في سياق استعداد الجزائر لاحتضان القمة العربية في نوفمبر القادم ورغبتها في إنجاح القمة من خلال تبريد بعض الملفات الساخنة التي قد تعيق التوصل لقرارات تسمح بالترويج لنجاح القمة، وهكذا حركت الجزائر ملف المصالحة وهي تعلم أنها لن تنجح فيما فشل فيه الآخرون، كما حيدت الملف السوري بإقناع سوريا بعدم حضور القمة، كما تحاول الوساطة في الملف الليبي.

إن كانت إسرائيل المستفيد الأكبر من فشل مبادرات المصالحة لأن الفشل يعني نجاح مشروعها ومخططها بفصل غزة عن الضفة وتدمير المشروع الوطني وإدامة الخلافات الفلسطينية إلا أن هناك مستفيدون آخرون. حركة حماس تستفيد من كل جولة حوارات حيث من خلال تواجدها في الدول المضيفة يتعزز حضورها إعلاميا وسياسيا، عربيا ودوليا، كطرف سياسي متواجد على الأرض ومساو لحركة فتح ومنظمة التحرير على طاولة الحوارات، وهي تتفنن في إظهار ذلك من خلال الصور واللقاءات الصحافية والفيديوهات على هامش جلسات الحوار، وبهذا تسجل حركة حماس مع كل مبادرة للمصالحة نقاطا لصالحها حتى وإن فشلت الحوارات، فالفشل يعني استمرارها في السيطرة على القطاع وهذا هو هدفها الرئيس منذ انقلابها على السلطة في يونيو 2007 وربما هدفها منذ أن تأسست، أيضا هناك طبقة سياسية اقتصادية في غزة والضفة مستفيدة من الانقسام وبالتالي من فشل مبادرات المصالحة.

اقرأ أيضاً: ورقة سياسية تحذر: الاعتماد المفرط على سوق العمل الإسرائيلي يعزز التبعية للاحتلال

أما الخاسرون، فبالإضافة إلى الشعب الفلسطيني، تسجل منظمة التحرير وحركة فتح مع كل جلسة حوار خسارة لأن فشل الحوار معناه استمرار سيطرة حماس على القطاع وبالتالي خروج القطاع عن سيطرة وإيالة المنظمة التي يفترض أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، واستمرار الانقسام يضعف من مصداقية المطالبة الرسمية بحل الدولتين الذي يعني وجود دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة، فإن كانت منظمة التحرير غير قادرة على السيطرة على قطاع غزة فكيف تطالب بما هو أكثر من القطاع.

خسارة منظمة التحرير وحركة فتح في كل جلسة حوار مصالحة ليس لأن حركة حماس تملك قوة الحق والمنطق والحجة في مقابل عدم توفر ذلك عند حركة فتح، بل لتماسك ووخده الفريق التفاوضي لحماس وقوة إعلامها مقابل ضعف الفريق التفاوضي لحركة فتح وبؤس إعلامها، وارتباطا بهذا السبب يوجد وحدة الخطاب والموقف عند قادة حركة حماس وتعارض الخطابات والمواقف عند قادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمثال على ذلك ما جرى في لقاءات المصالحة في تركيا والتي جمعت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري مع أمين سر حركة فتح جبريل الرجوب في 2020.

في الجانب الفلسطيني وفيما يتعلق بمعادلة الانقسام وحوارات المصالحة لا يوجد انتصار مطلق لطرف وخسارة مطلقة للطرف الثاني، ولأن أمر إنهاء الانقسام تتحكم به أطراف خارجية أكثر من تحكم الأطراف الفلسطينية فإنه لا يبدو في المدى القريب فرصة لإنهاء الانقسام والفصل ما بين غزة والضفة وبين مشروع حماس ومشروع حركة فتح.

وبالنسبة لاتفاق المصالحة في الجزائر ومع أنه من السابق لأوانه الحديث عن الفشل قبل مرور العام المنصوص عليه في الاتفاق لإجراء الانتخابات العامة وانتخابات المجلس التوطن، ومع تقديرنا لجهود الدولة الجزائرية ورئيسها عبد المجيد تبون وفرحة الشعب الجزائري بالمصالحة وهي فرحة فاقت فرحة الشعب الفلسطيني الذي اكتوى بعشرات مبادرات واتفاقات المصالحة الفاشلة، فإن الأمل ضئيل بإنجاز المصالحة في ظل نفس الأحزاب والطبقة السياسية الفلسطينية بل هناك مؤشرات لمصالحة خفية بين الطرفين تقوم على قاعدة إدارة الانقسام و تقاسم مغانم السلطة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo