الضفة الغربية ...السير نحو انتفاضة ثالثة

المواجهات في الضفة الغربية
المواجهات في الضفة الغربية

(1) كسر "كاسر الامواج"

التحولات في الضفة الغربية سريعة ومذهلة ولا تكاد تتوقف عند حد معين, بل انها مرشحة لان تقلب الاوضاع رأسا على عقب وتغير الكثير من المعالم السياسية. كثيرة هي الاطراف التي تتخوف من هذا التحول الخطير وتخشى على مصالحها وتريد من الضفة الغربية ان تظل صامتة هادئة تحت حراب الاحتلال.

غير أن شباب وفتيان الضفة بدأوا يرسمون معالم الخارطة من جديد من خلال بنادقهم المشرعة في جنين ونابلس والخليل ورام الله ,وبدأت تتكرر نماذج البطولة كل يوم وفي كل مخيم من مخيمات الضفة , حتى أن عددا من قادة الاحتلال باتوا يقولون صراحة ان الاوضاع لن تعود كما كانت وان مرحلة صعبة تنتظر قوات الاحتلال.

وتسود حالة من التوتر جميع أنحاء الضفة الغربية مع تصاعد جرائم وانتهاكات قوات الاحتلال ضد المواطنين , والمحاولة المحمومة للجم فوران البركان في ازقة المخيم وانتشار لهيب الثورة في كل مكان. لذا فان قوات الاحتلال-كما هي عادتها- لجأت الى سياسة البطش المجنون من خلال عمليات الاقتحام والاعتقال والهدم والقتل المتعمد ونشر الحواجز والكمائن العسكرية في كل مكان.

كانت اسرائيل تتباهى بأنها تقود حملة عسكرية وأمنية سميت ب"كاسر الامواج " للقضاء على جذوة المقاومة واجهاض محاولات اشعال فتيل الثورة, غير انها كمن يسكب الزيت على النار , وانقلب سحرها عليها وفوجئت بموجة عارمة من الغضب الفلسطيني يعم ارجاء الضفة الغربية ومدينة القدس , وبدأت افواج المسلحين تتجول في المخيمات دون وجل او خوف, واصبحنا نسمع كل يوم عن عملية هنا او هناك.

وقد حاولت دولة الاحتلال بشتى السبل تشويه صورة التلاحم بين قوى المقاومة ودق اسفين بين فصائل العمل الوطني والاسلامي , ومارست ضغوطا كبيرة على السلطة الفلسطينية من اجل قمع تمرد الشباب الفلسطيني وثنيهم عن الانخراط في صفوف المقاومة.

رئيس جهاز الشاباك "رونين بار" اعترف في كلمة له خلال مؤتمر "إرهاب في عين العاصفة"، أنه منذ بداية العام وحتى الآن، كان هناك أكثر من 130 عملية إطلاق نار تقريباً، مقارنةً بسنة 2021 التي شهدت 98 عملية من هذا النوع.

وشبه صحفيون اسرائيليون يغطون مناطق الضفة الغربية الحراك القائم بأنه أشبه ب"التسونامي" الذي لا يمكن وقفه او التصدي له, وان قوات الاحتلال انما تحارب اشباحا وان ما تحققه من "انجازات" لا يخفي الحقيقة بأن المارد انطلق من عقاله وانه من المستحيل السيطرة عليه.

ان تفاقم الاوضاع وتصاعد المقاومة في الضفة الغربية قد يكون مؤشرا قويا على إمكانية اندلاع انتفاضة واسعة ضد الاحتلال، وهذه الانتفاضة لن تكون كسابقاتها , اذ انها ستمثل تحولا كبيرا وانعطافة حادة في التاريخ الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: "الأعياد اليهودية".. فرصة "جماعات الهيكل" لتغيير الأمر الواقع في المسجد الأقصى

واضح ان الجيل الفلسطيني الجديد فقد الثقة بأي عملية سلام مع إسرائيل، وحتى فقد ثقته في السلطة وفي قدرتها على حمايته من بطش الاحتلال.

الجهات الأمنية الإسرائيلية تعترف بأن الضفة الغربية هي منطقة بالغة التعقيد وتشكل نقطة ضعف استراتيجية من الناحية الامنية ، وانه من الصعب جدا احتواء أي تصعيد شعبي او مسلح ، وذلك بسبب الاحتكاك المباشر ووجود المستوطنين والنقاط العسكرية .

في المقابل , فان كل المحاولات "الترغيبية" او ما يسمونه بسياسة "الترويض الاقتصادي" التي مورست على مدار سنوات وحاولت ان تجمل من صورة وجه الاحتلال القبيح من خلال بعض التسهيلات الاقتصادية لم تفلح في تحقيق أي نتيجة لصالح دولة الاحتلال.

ان اكثر ما يقلق دولة الاحتلال ان المقاومة لم تعد قاصرة على المنظمات والفصائل الفلسطينية , اذ ان عددا لا بأس به ممن نفذوا عمليات فدائية ضد الاحتلال لا ينتمون الى تنظيمات سياسية , وهذا ما جعل القادة الامنيين الاسرائيليين يقولون انه اصبح من الصعب تتبع من أين تأتي الضربة ومن اين ينطلق هؤلاء المقاومون. فضلا عن ذلك, فان المستوى الأمني الإسرائيلي أصبح يتخوف من حالة التعاطف الشعبي الواسع في مساندة واحتضان المقاومة الفلسطينية، على حساب مسار التسوية السياسية.

(2) محاولات بائسة

حاولت اسرائيل بعد معركة "سيف القدس" في العام 2021 ان تعيد ترتيب الامور والتغلب على الصورة القاتمة التي لصقت بها , كما انها حاربت على اكثر من جبهة لاستعادة سياسة الردع التي كانت تتباهى بها في مواجهة العمل الفدائي الفلسطيني. معركة سيف القدس شكلت ايضا معادلة جديدة ارعبت دولة الاحتلال وهي توحيد الساحات الفلسطينية تحت مظلة المقاومة ورفض التسويات الهزيلة والدعوة الى صياغة استراتيجية جديدة. لذا فان الدولة العبرية عكفت على صياغة استراتيجيات وخطط وبرامج لكيفية، منع انتشار وتوسع المقاومة الفلسطينية لتصبح مقاومة شاملة وموحدة وتسليط قوة نارية وعسكرية كبيرة عليها تمكن من القضاء عليها وإضعافها الى ابعد حد.

وقد تبنت دولة الكيان عدة خيارات لتحقيق هذه الأهداف، من بينها سياسة الإنهاك والاستنزاف المستمر لمواطني الضفة الغربية , خاصة المدن الثائرة مثل نابلس وجنين , وذلك من خلال الإقتحامات والدهم والتفتيش والاعتقالات والاغتيالات ، وما اطلقت عليه عمليات "جز العشب" وعملية كاسر الأمواج", غير انها لم تحصد سوى مزيد من الغضب الشعبي وتصاعد العمليات المسلحة وتشكل وحدات قتالية جديدة في مدن الضفة الغربية, كما فوجئت بجرأة الشباب الفلسطيني في الهجوم المباشر على قوات الاحتلال والمستوطنين وفي الاشتباك معهم من نقطة الصفر. لم تترد دولة الاحتلال في الاستعانة بعدد من الجهات للتدخل سياسيا في محاولة لاخماد الانتفاضة, ومارست ضغوطا كبيرة على السلطة لملاحقة المقاومين واعتقالهم , كما طلبت من بعض الدول المجاورة التدخل لدى السلطة لاقناعها بضرورة بذل جهد اكبر في منع تصاعد الاوضاع في الضفة الغربية.

(3) أسباب التصعيد

من الواضح ان التصعيد القائم في الضفة الغربية يقف وراءه الكثير من الاسباب والتي تتمثل وتنحصر في احتلال يمارس كل اشكال الاجرام والاضطهاد والعنف ضد مواطني الضفة وضد ممتلكاتهم وأمنهم وحياتهم.

ان مواطني الضفة يرون بأم اعينهم كل ساعة وكل لحظة اشكالا متنوعة من القهر والعذاب وسلب الامن والاستقرار وفرض نوع من الارهاب بقوة السلاح والبطش.

هذه الصورة الماثلة تقف الى جانبها صورة من الاحباط واليأس من فشل المسار السياسي ونشوء جيل يكفر بما يسمى بالسلام مع دولة الاحتلال , حتى من ابناء حركة فتح التي وقعت اتفاقية سلام واعترفت بدولة الاحتلال واعتمدت الخيار السلمي التفاوضي.

وكان تقرير (إسرائيلي) صدر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، قد ذكر أن نمط الممارسات الإسرائيلية الحالية ضد تصاعد العمليات التي ينفذها فلسطينيون في الضفة الغربية تشكل "أرضا خصبة لتعاظم روح المقاومة الفلسطينية".

وأضاف التقرير أن إدارة إسرائيل للصراع يوشك على استنفاد نفسه، "وحتى أنه قد يؤدي إلى انفجار عنف واسع، يشكل التحدي الإستراتيجي الحقيقي الماثل أمام إسرائيل".

وكما يقال, فان النار تحت الرماد, وان أسباب الثورة ضد الاحتلال قائمة وهي كثيرة ومتنوعة , وان عزو الثورة والمقاومة الى ظروف اقتصادية او سياسية هو نوع من لي عنق الحقائق التي لا معنى لها.

(4) قلق اسرائيلي لا يتوقف

اسرائيل تشعر بخطر استراتيجي حقيقي من واقع الضفة الغربية وترى انه يمثل تحديا خطيرا لقدرتها على فرض حالة من الهدوء والاستقرار. وسائل إعلام إسرائيلية قالت أن "ما شهدناه في الأشهر الأخيرة في الضفة الغربية هو انتفاضة من نوع آخر تختلف عن انتفاضتي الثمانينيات وعام 2000، وتتميّز بكثرة العنف ضد الجيش".

المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرنوت رون بن يشاي قال إن المخاوف من اندلاع مواجهات جديدة في الضفة تشغل الجيش وجهاز الشاباك أكثر من الاتفاق النووي الإيراني، وحتى أكثر من تحذيرات حزب الله اللبناني.

ونقل الكاتب عن مصدر أمني رفيع قوله "نلاحظ أن حالة الغليان تتزايد في الضفة، والتي قد تتطور وتتحول لانتفاضة شعبية عنيفة، وعلى المؤسسة الأمنية أن تستعد لمثل هذه التطورات ومحاولة منعها" وقال المعلق العسكري في "القناة 13" الإسرائيلية ألون بن دافيد: " ما يميّز هذه الانتفاضة هو كثرة العنف فيها الموجه إلى الجيش الإسرائيلي في كلّ عملية اعتقال".

اما روعي شارون، المعلق العسكري في قناة "كان": "في المؤسسة الأمنية يقدرون أنّ هذا التصعيد سيتّسع، مع مزيد من عمليات إطلاق النار، ومزيد من المجموعات المسلحة المحلية، وما بدأ في منطقة جنين، امتدّ في اتجاه نابلس، واليوم اتسع إلى غور الأردن".

بدورها علّقت كارميلا دنغور، مراسلة الشؤون الفلسطينية في قناة كان الإسرائيلية، بأنّ "معطيات عرضت أخيراً في المؤسسة الأمنية والعسكرية، ونحن ننشرها اليوم للمرة الأولى، تؤكد أنه سُجّلت عام 2021 91 عملية فلسطينية، منها 75 عملية ضد ّقوات الأمن وأهداف عسكرية".

اقرأ أيضاً: حقوقية إسرائيلية: وحش الاستيطان يسحق أراضي الضفة

وأضافت: "في المقابل في عام 2022، الذي لم تنتهِ بعد، سجّل أكثر من 150 عملية من بينها أكثر من 130 عملية ضدّ قوات الأمن".

رئيس حكومة الاحتلال، يائير لبيد، قال في جلسة عقدها لتقييم الأوضاع الأمنية إن "واحدة من الطرق لكبح التصعيد (في الضفة الغربية المحتلة) هي تقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المدن الفلسطينية".

تريد اسرائيل احكام قبضتها على الضفة الغربية بالحديد والنار, وفي نفس الوقت تريد اغراء المواطنين بتقديم تسهيلات انسانية واقتصادية !! وتميل أجهزة امن الاحتلال الى تبني سياسة اكثر نعومة من خلال دعم السلطة واجهزتها الامنية وتوسيع مساحة المساعدات المقدمة للسلطة ,غير ان السلطة نفسها اعترفت ان كل ما تتحدث به اسرائيل ما هو الا نوع من الدعاية الرخيصة , وان ما تقوم به يقود في نهاية المطاف الى اضعاف السلطة واشعال فتيل التوتر والغضب في اوساط المواطنين.

ان الضفة تشكل برميل بارود ومخزونا ثوريا قد ينفجر في أي وقت بوجه الاحتلال, ولن تستطيع حينها دولة الاحتلال السيطرة على هذا السيل العارم, ولن يجديها أي ترسانة عسكرية مهما بلغت قوتها , لان الارادة الفلسطينية وصلت الى مرحلة ان تكون عصية على التطويع او الكسر او الاحتواء.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo