"الاستيطان الرعوي".. حدود "إسرائيل" الجديدة ترسمها مواشي المستوطنين

الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية
الاستيطان الرعوي في الضفة الغربية

صيف العام 2020، استيقظ أهالي بلدة سنجل شمالي مدينة رام الله، على عدد من المستوطنين يقومون ببناء خيمتين وحظيرة للأغنام، في قطعة أرض تقع في منطقة "الرماني" من أراضي البلدة المهددة بالمصادرة لصالح التوسع الاستيطاني.

تجمع عدد من المواطنين وتوجهوا للمنطقة في محاولة لاستطلاع الأمر، إلا أن المستوطنين المسلحين حاولوا الاعتداء عليهم بالهراوات والحجارة، ومنعوهم من الاقتراب منهم.

WhatsApp Image 2022-09-25 at 8.42.49 AM.jpeg

ظل أهالي بلدة سنجل يمارسون الضغوط على المستوطنين وجيش الاحتلال حتى نجحوا بعد أسبوعين من الفعاليات السلمية في طرد المستوطنين من هذه الأرض، لكن الأمر لم يتنه.

قام المستوطنون بنقل الخيام إلى أرض أخرى قريبة تقع في منطقة تسمى "الرفيد" من أراضي بلدة سنجل، ومنذ ذلك الحين، يعيش أهالي البلدة لونا جديدا من الصراع لم يعهدوه من قبل هو "الاستيطان الرعوي".

عايد غفري ناشط ضد الاستيطان في بلدة سنجل وأحد المزارعين المتضررين، يروي لموقع "زوايا"، أن المستوطن "ميخائيل" هو ضابط سابق في وحدة "جولاني" في جيش الاحتلال، وأحد أفراد جماعات "فتية التلال" الإرهابية"، يستوطن اليوم في أراضي البلدة، ويشرف على عدد من المستوطنين العاملين معه في رعي الأغنام، خلفاً لمستوطن آخر كان يدعى "نوري" هو من بدء بهذه السياسة في منطقتهم، ومن ثم انتقل لإقامة بؤرة آخرى شبيهة، بعدما سلم الأولى لـ "ميخائيل".

وأضاف غفري، أن المستوطنين يقومون يومياً بجولة مع الأغنام على مساحات شاسعة من أراضي شمال البلدة، وترعى الأغنام خلالها على الأشجار المثمرة وتقوم بتخريب الأراضي الزراعية.

اقرأ أيضاً: باحث سياسي: المتغيرات الإقليمية دفعت حماس والجهاد لتغيير خطابهما تجاه المنظمة

تحيط بأراضي شمال بلدة سنجل 5 مستوطنات إسرائيلية على شكل حزام يمتد من الغرب وحتى الشرق وهي على الترتيب (معاليه ليفونة، هارواة، عيلية، جفعات هاروية، شيلو) وبينها معسكر للجيش، ويسعى المستوطنون للسيطرة على أراضي شمال البلدة التي تسمى (المغربات، أبو العوف، الرماني، الرفيد، وادي المغسل.. إلخ من التسميات المحلية) لربط هذه المستوطنات ببعضها وصولاً إلى إقامة تجمع استيطاني ضخم يفصل شمال الضفة عن وسطها.

والاستيطان الرعوي، هو أحد أشكال الاستيطان التي ينفذها المستوطنون في سنجل، للسيطرة على نحو 5 آلاف دونم من هذه الأراضي، تمهيداً لإقامة هذا المشروع الاستيطاني الضخم.

WhatsApp Image 2022-09-25 at 8.42.56 AM.jpeg

يتابع غفري، بأن المستوطنين لا يكتفون برعي الأغنام، وإنما يقومون برش الأشجار بالمبيدات، وطرد المزارعين والاعتداء عليهم بالضرب، ومنع حراثة الأراضي، وزرع أشجار زيتون في الأراضي الخالية، ومنع رعاة الأغنام الفلسطينيين من الوصول للمنطقة، وفيما لو حاول أحد المزارعين صد الاعتداء، يقوم المستوطن "ميخائيل" بالاتصال فوراً بالجيش متذرعاً بأنه يتعرض للاعتداء من فلسطينيين، ويسارع الجيش بدوره لحمايته وطرد الفلسطيني من أرضه، وأحياناً اعتقاله.

"أكثر من 16 شكوى تقدمنا بها للشرطة الإسرائيلية تتعلق باعتداءات جسدية واعتداءات على الأملاك، نفذها مستوطنو البؤرة الاستيطانية الرعوية، ولكن دون جدوى". وفق غفري.

WhatsApp Image 2022-09-25 at 8.42.51 AM.jpeg

مطلع شهر أيلول الجاري، تفجرت الأوضاع في سنجل، عندما أحضر المستوطنون رعاة الأغنام جرافة ضخمة وشرعوا بتجريف عشرات الدونمات من أراضي المنطقة تمهيداً لمصادرتها، وحدثت مواجهات دامية على مدار يومين، انتهت برحيل الجرافة وتوقف العمل.

في بلدة سنجل ما زال الوضع ضبابي والصراع مفتوحا، فالأراضي التي عمّرها الفلاحون لسنوات طويلة باتت غالبيتها خراب، وأي محاولة لاستصلاح أراضي جديدة تقابل بعنف من المستوطنين.

يؤكد عايد غفري، أن أهالي بلدة سنجل يصرون على مواصلة فلاحة أراضيهم بغرض منع مصادرتها، وفيما لو بقي الحال هكذا، فالوضع مرشح للتصعيد من قبل الأهالي.

قبل أيام، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال تعكف على شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية "الرعوية" في الضفة الغربية، التي تعتبر "معاقل تنظيم تدفيع الثمن" الإرهابي، من خلال معايير جديدة وضعتها بذريعة تنظيم المزارع الاستيطانية في الضفة.

وأوضحت "هآرتس"، أن الادعاء الذي تبرر به الإدارة المدنية معاييرها الجديدة هو "صياغة قواعد لإنشاء مزارع الرعاة في الضفة"، لكن في الواقع سيؤدي هذا الإجراء إلى شرعنة البؤر الاستيطانية التي أقيمت سابقًا بدون إذن من الجهات الرسمية الإسرائيلية المختصة، وتحويلها إلى مستوطنات رسمية تحظى بالدعم الذي تحظى به بقية المستوطنات، ويُسمح بتمويل المؤسسات الرسمية لها، وبإنشاء مراكز طبية وتعليمية وترفيهية فيها، وشق طرق وتعبيدها بداخل هذه البؤر وفي محيطها.

WhatsApp Image 2022-09-25 at 8.42.50 AM.jpeg

وأفادت "هآرتس"، بأن المعايير الأساسية لشرعنة هذه البؤر أن تكون قائمة على أراضٍ أميرية، وأن يستصدر المستوطنون القائمون على البؤرة تصريح رعي وتصاريح بيطرية، مبينة أن عدد المباني سيكون محددًا، وعدد المستوطنين في البؤرة سيكون عائلة واحدة مع العمال.

وأضافت، أن الإدارة المدنية تخطط أيضًا لإنشاء قسم زراعي يخطط ويصادق على إقامة مناطق الرعي للمستوطنين والفلسطينيين، مؤكدة أن هذا الإجراء سيزيد المصاعب التي يواجهها أصلاً الرعاة الفلسطينيين، إذ سيضطرون للحصول على تصاريح لم تكن مطلوبة منهم في الماضي.

وبحسب مسح أجرته منظمة "كرم نبوت" الحقوقية الإسرائيلية، فإن البؤر الاستيطانية المستهدفة في هذه الإجراء تسيطر على حوالي 240 ألف دونم في الضفة الغربية، أي ما يقارب 7% من إجمالي مساحة المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.

رداً على ذلك، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، إن البؤر الاستيطانية الرعوية سيطرت على أكثر من 200 كيلو متر مربع من الأراضي الفلسطيني في مناطق "ج"، وهذه المساحة تفوق تلك المساحة التي سيطرت عليها المستوطنات الإسرائيلية في الضفة منذ سبعينيات القرن الماضي.

وأضاف شعبان في حوار مع موقع "زوايا"، أن المستوطنات سيطرت حتى الآن على نحو 100 كيلو متر مربع، لكن البؤر الاستيطانية الرعوية سوف تصل إلى ضعف هذه المساحة.

وأكد شعبان، أن الإدارة المدنية تسعى لشرعنة 35 بؤرة من هذه البؤر الاستيطانية الرعوية، التي يصل عددها إلى أكثر من 65 بؤرة رعوية منتشرة في مختلف مناطق الضفة الغربية، وهو أمر في بالغ الخطورة، ومقدمة حقيقية للسيطرة على كل المناطق التي تسمى مناطق "ج".

WhatsApp Image 2022-09-25 at 8.42.56 AM.jpeg

وحول خطورة الأمر، أفاد شعبان، أن هذه البؤر سوف تنهي الثروة الحيوانية الفلسطينية، لأن الرعاة الفلسطينيين سيكونون بحاجة إلى تصاريح للدخول إلى مناطق نفوذ هذه البؤر، بالإضافة إلى السيطرة على عشرات الآلاف من الدونمات من الأراضي الفلسطينية.

وتابع شعبان، أن هذه البؤر الرعوية لا يوجد لها حدود، وإنما أين تصل أقدام الأغنام والأبقار مع المستوطنين وعربدتهم هي حدودها، وهذا شيء خطير.

ونوه شعبان، إلى أن حقيقية هذه البؤر أنها ليست رعوية كما يدعي المستوطنون، وإنما يسيطر عليها تنظيم "فتية التلال" الإرهابي المسلح، الذي يمارس السيطرة والعربدة على الفلسطينيين تحت تمويل وتدريب من جيش الاحتلال ومجلس المستوطنات والحكومة الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: معهد إسرائيلي يوصي بنقل السيطرة الأمنية شمال الضفة إلى السلطة

وأوضح شعبان، أن هذه البؤر تقام بأشكال مختلفة فيها بيوت متنقلة وبركسات وخيم وحظائر أغنام، ويعيش فيها فتية التلال، أعمارهم من 18 عاماً وحتى 25 عاما،ً وهم مسلحون ومدربون ولديهم تنظيم قوي، يعملون على تجميع أنفسهم عبر مجموعات لهم على تطبيق "واتس آب"، وفي حال اقتراب أي فلسطيني من مناطق وصول أغنامهم، يقومون بالتجمع خلال دقائق بأعداد تتجاوز 50 مستوطنا من "فتية التلال" الملثمين والمسلحين بالأسلحة النارية والهراوات المدببة.

وأشار شعبان، إلى أن هذا الأمر وقع في بلدة سنجل قبل أيام عندما تم الاعتداء على عدد من المزارعين كبار السن، وحدث في بلدة اسكاكا عندما طعن الشهيد علي حرب بكسين مستوطن، وتكرر مع الاعتداء على المزارع حافظ الهريني في مسافر يطا، والعديد من المناطق.

وحول آلية مواجهة هذه البؤر، رد شعبان، أنه لا يمكن لفلسطيني واحد أن يواجه هذه الجماعات، بالتالي نحن بحاجة إلى محورين لوقف هذا الاستيطان، المحور الأول بتعزيز صمود المزارع في أرضه عبر الإمكانيات المادية واللوجستية، والمحور الثاني عبر المقاومة الشعبية والمشاركة الفاعلة، والعمل الجماعي في تلك المناطق حتى لا يستفردوا بالمزارعين الفلسطينيين كما حدث في أكثر من موقع.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo