ما حقيقة توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية؟

بينيت والسيسي
بينيت والسيسي

أُثيرت مؤخراً ما قيل إنها "أزمة" في العلاقات بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، هي الأولى من نوعها بين البلدين في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي استدعى أن يحمل رئيس جهاز "الشاباك" الإسرائيلي رونين بار، حقيبته مغادراً في زيارة مفاجئة إلى مصر.

وتصدر الإعلام الإسرائيلي نشر أنباء هذه الأزمة والتحليل لمسبابتها، فقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تحليلاً لكاتبها "عاموس هرئيل قال فيه "إن الحرب الأخيرة على قطاع غزة تسببت في توتر جديد بين مصر و(إسرائيل)، حيث يشهد البلدان -اللذان أصبح تنسيقهما الدبلوماسي والأمني وثيقاً للغاية في العقد الماضي- خلافات حول نهاية القتال الأخير مع غزة في 7 أغسطس/ آب الجاري، إذ يبدو أن إسرائيل قد داست على أصابع قدم مصر"، وفق تعبير الكاتب.

أما الكاتب في يديعوت أحرنوت سمدار بيري، فقال: "التعاون العسكري بين الدولتين لم يسبق أن كان وثيقاً مثلما هو اليوم، المؤسسة الأمنية هنا تكن احتراماً لوزير المخابرات المصرية الجنرال عباس كامل، الذي يعمل تحت رعاية كاملة للرئيس السيسي".

وفي 8 أغسطس/ آب الجاري، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة الجهاد الإسلامي حيز التنفيذ، ضمن اتفاق هدنة بوساطة مصرية، بعد أن شن جيش الاحتلال غارات على قطاع غزة، قابلته "سرايا القدس"، الجناح المسلح لحركة الجهاد، برشقات صاروخية، وقذائف هاون باتجاه البلدات والمواقع الإسرائيلية المحاذية للقطاع.

توتر لأكثر من سبب

وبمعزل عن ما سربته و تقوله الصحافة العبرية، يطرح موقع "زوايا" تساؤلات وتحليلات تستوضح حقيقة هذا التوتر وأسبابه الموضوعية، وهل له أبعاد تتجاوز الوساطة في جولة التصعيد الأخير في غزة؟

من جانبه، علق على الأنباء حول هذا التوتر، د.أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قائلا: "ثمة حديث متكرر في وسائل إعلام مختلفة منها وسائل إسرائيلية وغيرها، يدور عن توتر في العلاقات المصرية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة.

اقرأ أيضاً: خبير أمني إسرائيلي يكشف أكبر العمليات الفاشلة في تاريخ الموساد

وذكر أحمد في حديث لـ"زوايا" أن وسائل الإعلام أوردت أكثر من لهذا التوتر، فمرة يقال إنه بسبب إسقاط إسرائيل "مُسيرة مصرية" على الحدود وأن ذلك أغضب السلطات المصرية، ومرة أخرى يُرد إلى رواية دفن شهداء مصريين في مقبرة جماعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لكن أحمد توقع أن يكون التصور الأقرب والسبب المباشر لهذا التوتر هو "السلوك الإسرائيلي في الهجوم الأخير على غزة، والذي توسطت فيه مصر للوصول إلى وقف إطلاق النار، إلا أنه بمجرد هذا الوقف قامت إسرائيل بعمليتها المرفوضة التي أدت إلى استشهاد إبراهيم النابلسي في الضفة الغربية"، معتبرا هذا "التصرف يتناقض تماماً مع منطق التهدئة ووقف إطلاق النار ويعبر عن سوء نية واضح من قبل إسرائيل".

وقال أحمد "باعتباري مواطناً مصرياً عادياً، لو أنني محل السلطات المصرية لشعرت أن هناك تصرفات تتناقض مع روح ما تم الاتفاق عليه، ويعود ذلك إلى تناقض واختلاف واضح بين السياستين المصرية والإسرائيلية".

تناقض بين موقفين

ويرى أحمد أن السياسة المصرية –كما هو معروف- دخلت بحسن نية في علاقات سلام رسمية مع الاحتلال الإسرائيلي منذ مارس 1979 وهي تحترم معاهدة "كامب ديفيد" احتراماً كاملاً، ولكن يبدو أن بعض الدوائر الإسرائيلية تطمح أن تكون علاقة السلام هذه على حساب الموقف المصري من القضية الفلسطينية.

وقال أحمد: "في الحقيقة الدبلوماسية المصرية تجمع بصدق بين الالتزام بعلاقة السلام مع إسرائيل دون أن يكون في هذا أي مساس بالموقف المصري من القضية الفلسطينية، وذلك كما تعبر عنه القيادة المصرية دائماً"، مذكراَ بآخر وأهم المواقف التي عبر فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن هذا ذلك في قمة جدة للأمن والتنمية والتي حضرها الرئيس الأمريكي جو بايدن".

وأضاف "الموقف المصري منحاز تماماً للحق الفلسطيني وللموقف الرسمي والشعبي من حقوقه في دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي التي احتلت في عدوان يونيو 1967، أما إسرائيل-كما نعلم- هي دولة احتلال توسعية ولا تكتفي بذلك بل تحاول قضم أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية".

وتابع "هذا التناقض بين الموقفين، بين دولة ملتزمة بالسلام مع إسرائيل وملتزمة في الوقت نفسه وبنفس القوة مع الحق الفلسطيني، وبين دولة احتلال واستيطان، يجب أن يُفضي في أي لحظة إلى إظهار تناقض في المواقف أو على أقل تقدير الاختلاف في هذه المواقف".

وأردف أحمد "طالما بقي الموقف على ما هو عليه، أن إسرائيل دولة احتلال واستيطان، ومصر رغم علاقة السلام معها متمسكة تمسكاً تاماً بالحقوق الفلسطينية، فعلينا أن نتوقع حدوث هذا التوتر وتكراره من حين لآخر"، على حد تعبيره.

ملامح واعتبارات مصرية

ولم تختلف كثيراً وجهة النظرة الفلسطينية عن النظرة المصرية سالفة الذكر، حيث يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، أن هذا التوتر كان متوقعاً في ضوء تنصل الاحتلال الإسرائيلي من عدم تثبيت الهدوء وإزالة الأسباب التي أدت إلى اندلاع الجولة الأخيرة من التصعيد في غزة، مشيراً إلى أن ذلك يُعد إضعافاً لدور مصر ويؤثر على وساطتها الموجودة دائماً في أي جولات قادمة.

ولفت عوكل إلى أن ملامح هذا التوتر، ظهرت من خلال تأخر الوفد الأمني المصري الذي كان يُفترض أن يأتي إلى (تل أبيب) وقطاع غزة بعد وقف التصعيد مباشرة، حيث لا ترى مصر ولا حتى أمريكا أن قضية السعدي والعواودة قضية كبيرة حتى يرفض الاحتلال الإسرائيلي المسعى المصري للإفراج عنهما لوقف التصعيد.

وذكر عوكل لـ"زوايا" أنه في ضوء المماطلة الإسرائيلية التي حصلت بإخضاع الأسيرين بسام السعدي وخليل العواودة للمحاكمة (طالبت الجهاد بالإفراج عنهما كشرط لوقف إطلاق النار)، يتضح أن الاحتلال الإسرائيلي أراد أن "يسود وجه مصر"، ولم يعطِ إشارات على نيته مساعدة الوسيط المصري للإبقاء على حالة التهدئة من خلال تنفيذ الشروط التي وضعتها حركة الجهاد الإسلامي لوقف التصعيد أو تأزيم الأوضاع قبله، حيث تبنى الجانب المصري هذه الشروط لتحقيقها.

وحول ما إذا كانت مصر تتظاهر بوجود أزمة لتحقيق مكاسب سياسية وتعزيز دورها أكثر مستقبلياًّ؟، عبر عوكل عن ظنه بأنه ليس كذلك، لأن "المصريين قادرون على أن يقولوا للجهاد الإسلامي مباشرة بأن الإسرائيليين لم يلتزموا بالاتفاق".

وبالتالي –حسب عوكل- كان الجهاد الإسلامي سيتفهم ذلك، حيث أن عدم التزام الاحتلال كان متوقعاً من قبل الجهاد، وصرح حينها محمد الهندي عضو المكتب السياسي للحركة "أنه على الأرجح إسرائيل لن تلتزم، وأنها لا تلتزم بشيء أصلاً".

ويرى عوكل، أن المنطق يقول بوجود اتفاق كامب ديفيد بين الاحتلال الإسرائيلي ومصر، والأخيرة ملتزمة به من ناحية، وناحية ثانية هناك مصالح وتنسيق مصري إسرائيلي له علاقة باعتبارين، الأول الغاز وشرق المتوسط واتفاقيات توصيله إلى أوروبا، ومصر شريك رئيسي في ذلك.

اقرأ أيضاً: وزير مصري: الدول العربية ستجد نفسها أمام خطر نووي إيراني وإسرائيلي

والاعتبار الثاني أن القاهرة حريصة على علاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، لأن هذه العلاقة تمثل ورقة دعم لها لدى الإدارة الأمريكية في اتجاه تحسين دورها ومصالحها في المنطقة.

وقال عوكل: "هناك مصالح كبيرة لمصر، والأمريكان وغيرهم معنيون بدور مصري يبقى نشطاً وقوياً لاحتواء أي تصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

وأضاف عوكل "مصر تريد أن يبقى دورها هذا محورياً وقوياً ومتوهجاً وقادراً على أن يؤثر في المنطقة وتحديداً في حال التصعيد بين غزة وإسرائيل".

 ظاهرها متوتر وجوهرها عميق

وبخلاف من سبقوه، فقد قلل مصطفى الصواف، الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حركة حماس، من التوتر المُعلن في وسائل الإعلام بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، قائلاً: "الحقيقة أن التوتر القائم بين الجانب المصري والجانب صهيوني ليس بالتوتر الكبير بين جانبين تجمعهما علاقات كبيرة".

وعبر عن اعتقاده بأن "العلاقة بين مصر والكيان لا يمكن أن تتضرر كثيراً في جوهرها، ولكن في شكلها العام تبدو كذلك لإرضاء الرأي العام".

لكن الصواف أشار في حديثه لـ"زوايا" إلى أن الجانب المصري لديه إحساس بأن الجانب الصهيوني خدعه قبل العدوان وأيضاً خدعه بعد العدوان، وبناءً على الخدعة الصهيونية خدع الجانب المصري حركة الجهاد الإسلامي.

ويرى الصواف بأن مصر بعد الخداع الصهيوني لها "تريد أن تحصل على ثمن من الجانب الصهيوني وهو تنفيذ ما تعهدت به لحركة الجهاد أو أغلب التعهدات كالإفراج عن السعدي والعواودة حتى تبقى علاقتها مع المقاومة والجهاد علاقة طيبة وليست مشكوك فيها".

ورغم أن الجانب المصري –كما يقول الصواف- "مع الأسف يدرك أنه لا يملك قوة لإجبار الاحتلال على تحقيق ما تعهد به لحركة الجهاد، ولكنه يريد أن تبقى الثقة بينه وبين المقاومة في قطاع غزة، لتحقيق أهداف سياسية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني ولصالح الاحتلال"، على حد تعبيره.

وعاد الصواف ليؤكد، بأن علاقة مصر بالاحتلال ظاهرها متوتر وباطنها عميق، قائلا: "مصر تريد الحفاظ على مصالحها والدور الفاعل مع غزة، حتى تعود لما كانت عليه في السابق، والتأكيد على أن دورها مركزي في الصراع بين المقاومة والكيان، وهي الورقة الرابحة لمصر لتقديمها لأمريكا وأوروبا".

وأضاف الصواف "ما يعني أن مصر تحقق مصالحها حتى لو على حساب الجانب الفلسطيني أو على حساب غزة، فمصر والكيان متفقان على أن غزة ومقاومتها تسبب لهما إزعاجاً كبيراً والتخلص منها وإضعافها هو هدف لمصر والكيان"، على حد تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo