هل ينقلب السحر الإسرائيلى على الساحر؟

نفتالي بينيت ولابيد
نفتالي بينيت ولابيد

على مدى التاريخ ارتبطت عقدة الأمن بالشخصية اليهودية حتى أصبحت الهاجس الأكبر المسيطر على النسيج المجتمعى والسياسى الإسرائيلى.. عقلية "الجيتو" القديمة تعززها المخاوف الأمنية، رغم عدم واقعية هذه المخاوف بعد كل التسويات من الدول العربية والفلسطينيين للتوصل إلى حل سياسى يضمن تعايش كلا الطرفين، تصر إسرائيل فى المقابل على إبقاء فتيل الحروب مشتعلاً.

الهاجس الأمنى أصبح حاضراً بقوة فى السياسة الخارجية والداخلية، خلال أى مفاوضات يطرح الإسرائيليون بند الأمن ضماناً لكل مزاعم ما قد يشكل تهديداً لوجودهم. هذا الانشغال المرضىّ بقضية الأمن يضع حسابات إسرائيل فى تضارب حول فكرة طمأنة هاجسها الذى حصرته داخل استراتيجية خاطئة تعتمد العنف والوحشية مقابل التعايش مع الشعوب المجاورة. تاريخ من العمليات العسكرية، الاغتيالات الممنهجة، القمع الذى تمارسه ضد الفلسطينيين منذ 1948.. كلها لم تقتل روح المقاومة عند الشعب الفلسطينى، ولا منحت إسرائيل علاجاً من عقدها التاريخية المزمنة.

اقرأ أيضاً: "فرق تسد".. سياسة إسرائيل لاستمالة الدروز وسلخهم عن فلسطينيي الداخل

إسرائيل اختارت صراعاتها الإقليمية عنواناً لأعمالها العسكرية التى جرت منذ أسابيع فى غزة. تحت زعم ارتباط إيران الوثيق بحركة الجهاد، والمفترض أن هدف العمليات الحد من نشاطها المرتبط بإيران وإنهاء تدخلها فى غزة. قرار العمليات العسكرية سبقته حملة إعلامية عن شعور مستوطنى غلاف غزة بالحصار وتأهب الجهاد لضرب أهداف إسرائيلية، وهو ما لا يتفق مع عدم مبادرة الجهاد هذه المرة إلى أى عمل ضد إسرائيل.. الأمر الذى يدحض مبررات إسرائيل فى صياغة العنوان على أنه مواجهة مع إيران أو «وكيلها»، وفق وصف رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد لحركة الجهاد بعدما كانت الاعتداءات الإسرائيلية السابقة تنتظر إطلاق بعض الصواريخ، لتبدأ القصف الجوى ضد المدنيين من سكان غزة.

الانتخابات الإسرائيلية فى الخريف المقبل عامل لا يمكن فصله عن العمليات العسكرية كمشروع سياسى فى ظل التجاذب بين الأحزاب، ولا يمكن استبعاده من أجندة «لابيد»، خصوصاً أن متاجرة الساسة بورقة الأمن التى تستحوذ على اهتمام الشارع الإسرائيلى ليست جديدة، إذ يتسابق جميع ساسة إسرائيل على مزايدات الاستيطان، ورفض الدولة الفلسطينية، وإطلاق معارك عسكرية.. تحديداً أن لابيد وحلفاءه فى أمَس الحاجة لهذه المعارك لكسب بعض الأصوات من غريمهم نتنياهو الذى يستعد للعودة إلى السلطة. على المدى القصير هذا التلاعب على تسييس العمليات العسكرية عزز مكانة «لابيد» فى آخر استطلاع أجرى بعد انتهاء العمليات العسكرية على حساب منافسه نتنياهو.. لكن الرؤية الأبعد تطرح مخاوف أكبر أمام هذا «الإنجاز» المؤقت.. دروس التاريخ تؤكد أن العنف والقمع على شعب اكتفى العالم بالخُطب والبيانات الإنشائية فى قضية حسم إعادة حقوقه المسلوبة أو النظر إلى الظروف الإنسانية الصعبة التى أكسبته صلابة أكثر على المقاومة، حتى وإن كانت ردود فعله يشوبها العنف تعبيراً عن التجاهل الدولى لكل القوانين الأممية.

اقرأ أيضاً: "وحدة الساحات".. تطلع فلسطيني وسط ضياع سياسي

بالتالى فإن السحر غالباً ما ينقلب على الساحر لتجد الأحزاب الإسرائيلية أن خططها العسكرية بهدف كسب الناخب قد تكون عاملاً يشعل المزيد من العنف المقابل كرد فعل مشروع، بالإضافة إلى عدم تقبل الرأى العام الإسرائيلى الدخول مع الفصائل الفلسطينية فى مواجهات عسكرية طويلة الأمد بكل الخسائر الاقتصادية الكبيرة التى ستتكبدها إسرائيل فى مثل هذه المواجهات.

النتيجة أن كلا الطرفين عجز عن تحقيق أهداف استراتيجية من هذه العمليات العسكرية. القصف الوحشى والاغتيال الممنهج لقادة الفصائل الفلسطينية من جانب إسرائيل لم ينجح فى إيقاف عمليات هذه الفصائل رغم كل مزاعم إسرائيل بعد كل عملية أنها حققت الأهداف المطلوبة، بينما ينحصر تأثير الصواريخ المطلقة تجاه إسرائيل من جانب الفصائل المختلفة على استدعاء الهواجس والمخاوف الأمنية الإسرائيلية.

الدبلوماسية المصرية بادرت بالوساطة فى إطار ارتباطها التاريخى بالقضية الفلسطينية، ونجحت الوساطة، كما حققت كل مبادراتها السابقة، فى التهدئة وإنهاء الأعمال العسكرية. ارتباط الدور المصرى بقضية العرب الأولى ليس بحاجة إلى مراجعة أواصره التى وثق التاريخ تفاصيلها مع كل التضحيات والمساعى التى وضعت القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة المصرية الخارجية.

أصل المقال

المصدر : صحيفة الوطن
atyaf logo