إسرائيل بين غرور القوة والخوف من الانهيار

لابيد وبينيت
لابيد وبينيت

(1) غرور القوة

تعتقد دولة الاحتلال ان قوتها العسكرية هي التي تشكل لها حصنا من كل التهديدات التي تحيط بها , وانه بهذه القوة الطاغية يمكن أن (تؤدب) كل من يحاول المساس بها او الاقتراب منها, وتتفاخر بان ما تمتلكه من معدات وتقنيات عسكرية وامنية يفوق ما لدى دول الشرق الاوسط. ومع الاسف فان اسرائيل سوقت هذا الوهم لكثير من الدول التي فقدت ثقتها بذاتها وبشعبها, وبدأ يغزوها وهم التهديدات الاقليمية ووهم المؤامرات, مما دفع هذه الدول ان تطبع علاقتها مع دولة الاحتلال.

الواقع القائم يقول بان اسرائيل بالفعل تمتلك ترسانة ضخمة من الاسلحة وقدرات امنية وتقنية متقدمة, لكن في نفس الوقت هي دولة هشة فاقدة للروح والارادة, وتحسب كل صيحة عليها انه العدو. اسرائيل تعيش في توجس وقلق دائم وخوف ممتد غير متوقف.

هي تخشى من القوة السكانية الفلسطينية والروح القتالية التي لا تزال تسكن قلوب وعقول الملايين من الفلسطينيين, وتخشى من قدرات حزب الله في جنوب لبنان, وتخاف من القوة النووية الايرانية , وتتوجس من أي تغير في المنطقة العربية او الاسلامية.

هي دولة تعيش على الخوف وتنام على القلق وتقتات على الامن, ومن ثم فان قوتها العسكرية , مهما بلغت, لا يمكن ان تمنحها الامن والاستقرار ولا ان تجعلها تغمض عينيها ولو للحظة . ولا نبالغ اذا قلنا انه ليس من دولة تعطي أولوية قصوى للأمن في ميزانيتها وسياستها ما توليه إسرائيل، فقد بلغت ميزانية الجيش، العام الماضي ، أكثر من 71 مليار شيكل (22 مليار دولار)، بضمنها حوالي 13 مليار شيكل هي ميزانية الدعم العسكري الأميركي السنوية لإسرائيل .اسرائيل تعرف بأنها جيش له دولة وتصنف على أنها من الدول التي تتابع عليها المخاطر والازمات,وان امكانية الاستقرار فيها لفترات طويلة يكاد يكون صعبا او شبه مستحيل.

الضفة الغربية تشكل مثلا صارخا . اسرائيل تعتقد انها منطقة خطر استراتيجي لذلك تستنفر كل قواتها ومقدراتها العسكرية والامنية لملاحقة أي خطر مهما كان صغيرا او تافها. وما بين اليوم واليوم تقتحم جنين وتداهم نابلس وتشن حملة اعتقالات في الخليل ثم تشرع في اقتحام قرى رام الله وطولكرم, وهذا عملها اليومي الذي لا يتوقف.

ويحذر الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية، يوسي ميلمان، في مقال نشره موقع (Middle East Eye)، من أن الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة بجانب ارتفاع هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين، في ظلّ التعاون الأمني ​​المستمر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على وشك التسبب في انفجار كبير بالضفة الغربية من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل.

اقرأ أيضاً: الصحف العبرية: انتصارنا تكتيكي والقوة العسكرية لم تنجح في حل مشكلة غزة

في نفس الوقت فان المقاومة في الضفة الغربية لا تتوقف. فما يكاد يمر اسبوع او شهر الا وتقع عمليات اطلاق نار على الجنود او المستوطنين. انها حلقة استنزاف لا تتوقف ولا يمكن ان تتوقف مهما كان الاثمان المدفوعة.

هناك قناعات كبيرة تتولد لدى الكثير من النخبة الإسرائيلية ان القوة العسكرية هي مجرد مسكنات ولا يمكن ان ترقى الى معالجة الازمة السياسية والامنية التي تعيشها دولة الاحتلال بشكل نهائي, وان كل الضربات التي لحقت بالفلسطينيين وكل عمليات القتل والهدم والملاحقة والاعتقال لم تفت في عضدهم او في عزيمتهم على استنزاف دولة الاحتلال وارهاقها.

المكابرة هي سمة من سمات القيادات الاسرائيلية , والتي باتت تسعى في كل معاركها ان تحقق مكاسب سياسية وتخرج بعدد اكبر من مقاعد الكنيست, وتجعل كل همها هو رضا الجمهور الاسرائيلي بغض النظر عما يلحق بالفلسطينيين وقضيتهم من ضرر واجحاف.

العدوان الاخير على قطاع غزة, وهو مشهد تكرر كثيرا, لا يغير الصورة الحقيقية الماثلة : اسرائيل تمارس هوايتها في القتل والتدمير وتتفنن في شن الغارات على المناطق السكنية المزدحمة , وتتلذذ في رفع ارقام الضحايا, وتسوق الوهم انها حققت انجازا عسكريا , لكن في الجانب السياسي لا تجني سوى الخسارة. هذه هي المعادلة المركبة التي لم تستطع دولة الاحتلال حتى الان استيعابها: ان قوتها العسكرية لا يمكن ان تشكل لها مكسبا سياسيا. فهي بهذه القوة الطاغية فشلت في محو الهوية الوطنية والقتالية للشعب الفلسطيني طوال سبعة عقود, ولم تستطع رغم كل الجرائم التي ارتكبتها ان تشكل حالة ردع للسيل الجارف من الرغبة في قتالها ومقاومتها.

إنها تدور في حلقة مفرغة وتتسلى بإعادة نفس الحلقات على نفس المسرح.

(2) غياب الثقة بالنفس

في الوقت الذي تتباهى دولة الاحتلال بانها أصبحت جزاء من منظومة الشرق الاوسط بعد موجة التطبيع الاخير , وانها وقعت الكثير من الاتفاقيات الامنية والاقتصادية مع العديد من الدول العربية, فان واقعها الداخلي يشير الى عكس ذلك تماما. فقد خرجت اصوات كثيرة وذات وزن سياسي واجتماعي في اسرائيل تقول ان الدولة في خطر وانها لا تزال عرضة للزوال, سواء من خلال قراءة سياسية او من خلال استقراء التاريخ.

وقد صدر العام الماضي كتاب للكاتب الإسرائيلي، آرييه شافيت، بعنوان "بيت ثالث: من شعب إلى قبائل إلى شعب"، شرح فيه وفصل وجوه الفشل الاسرائيلي خلال أكثر من سبعين عامًا من قيامها، وركز على أن أهم تهديد وجودي لها هو الصراعات الداخلية، وكيف يمكن إعادة جمع إسرائيل على رؤية واحدة، على اعتبار أنها الفرصة الأخيرة للشعب اليهودي.

وحسب استطلاع أجراه معهد الكتاب المقدس الاسرائيلي عشية احياء ذكرى خراب الهيكل في اب الماضي فان 42% من المستطلعة آراءهم يعتقدون بامكانية خراب اسرائيل مرة اخرى.

اقرأ أيضاً: بعد العدوان.. هذه مأساة انتظار إعمار البيوت المدمرة بغزة

وما يعزز من هذا الخوف والقلق العميق الذي يصاحب أكبر دولة نووية في الشرق الاوسط ما قاله رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، "أن الدولة تقف أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق تاريخي: إما استمرار العمل، أو العودة للفوضى، لأنها تشهد اليوم حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار، ومرة أخرى نواجه جميعًا لحظة مصيرية، فقد تفككت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمرها 77 عامًا، والثانية 80 عامًا، ونعيش الآن حقبتنا الثالثة، ومع اقترابها من العقد الثامن، تصل إسرائيل لواحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق".

كما أن وزير الدفاع، بيني غانتس، حذر من أن "قلقًا يكتنف مستقبل إسرائيل بسبب تعاظم الثقل الديمغرافي للفلسطينيين، ومظاهر تشبثهم بالهوية الوطنية، وقد تتقلص جغرافيًّا لتصبح ممتدة فقط بين مدينتي الخضيرة جنوب حيفا، وغديرا جنوب تل أبيب".

أما رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، فقد نشر مقالة شرح فيها مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، قائلا ان التاريخ اليهودي يفيد بأنه لم تُعمَّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين، وكلتا الفترتين كانتا بداية تفككهما في العقد الثامن، وإن تجربة اسرائيل الحالية هي الثالثة، على وشك دخول عقدها الثامن، وأخشى أن تنزل بها لعنته كما نزلت بسابقتها" .

من هذا المنظور، يقول الباحث الاسرائيلي جرشون هكوهين إن "القلق من زوال إسرائيل هو يهودي بامتياز، وهذا القلق يؤسس لمكون أساسي في جذور هوية إسرائيل وهدف وجودها كدولة يهودية".

هذه التصريحات وغيرها تشير الى ان دولة الاحتلال تعيش على بحر من القلق والخوف من الزوال وأنها غير قادرة على لجم ماكنة التفكك الداخلي, وان قوتها العسكرية لا يمكن ان تشكل لها حصنا من الانهيار.

غرور القوة الوهمية وصورة المارد المزيفة والقلق على المستقبل يحول اسرائيل الى دولة ورقية يلعب بها الريح وتتقاذفها الامواج وتترنح بها العواصف.

إنها الدولة الاكثر تسلحاً لكن شعبها الاكثر خوفاً.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo