بعد الخيبة من بايدن..هل من مسار فلسطيني جديد؟

بايدن وعباس
بايدن وعباس

مرّ نحو أسبوعين على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بيت لحم، ليتعاظم مستوى إحباط السلطة الفلسطينية الممزوج بالغضب من واشنطن التي لم تفِ بأي وعد من وعودها لصالح الفلسطينيين، لدرجة أن لقاءه بالرئيس محمود عباس لم يكن أكثر من خطوة بروتوكولية عابرة؛ لأن القضية الفلسطينية لم تكن الهدف من جولته الشرق أوسطية.

ولعلّ السؤال الأبرز على طاولة الفلسطينيين سلطة وشعبًا، هو: ما هو المسار الفلسطيني المطلوب بعد زيارة بايدن المعروفة سلفًا ب"الفارغة" والمُخيّبة؟

يقول مسؤول العلاقات العامة في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح منير الجاغوب لموقع "زوايا"، إنه لم يكن متوقعا من زيارة بايدن أي شيء، بل بالعكس، فما حدث هو الشيء الطبيعي، وهو "أننا على هامش الزيارة". لكن الجاغوب أقر بأن الوضع الفلسطيني يُراوح مكانه، دون أن بوادر لأي مسار فلسطيني جديد، فالإنقسام قائم ومستمر، مبينًا أن المنطق يقول إن الحراك الداخلي يجب أن يكون في ملف المصالحة، غير أن أي تحريك للملف يبقى مُستبعدًا في الوقت الراهن تحديدًا.

وعما إذا كانت هناك خطة عمل للسلطة الفلسطينية، قال الجاغوب إن خطة عملها مرتكزة على تعزيز صمود المواطنين، وسط تلاشي أي أمل بإمكانية عمل الإدارة الأمريكية أي شيء في الموضوع الفلسطيني، بل أن هناك حالة عدم ثقة من قبل السلطة بواشنطن، وهو ما دفع السلطة ومعها أطراف عربية إلى التوجه للإتحاد الأوروبي كردة فعل على كلام بايدن الذي نطق به خلال زيارته، وخاصة فيما يتعلق بالإستيطان والإحتلال.

لا فك للإرتباط مع إسرائيل..والتلويح به مجرد مناورة

الواقع، أن ما يُستشف من حديث الجاغوب ضمنًا هو إقرار بتلاشي وجود أي أوراق ضغط لدى السلطة الفلسطينية، وأن ما تقوم به من خطوات مجرد مناورات أو جهود لجني الحد الأدنى من المطالب.

وبالنسبة للتلويح بفك الإرتباط مع إسرائيل وإنهاء الاتفاقيات معها، شدد الجاغوب على أنه بالرغم من أن هذه الورقة مطروحة على طاولة القيادة الفلسطينية منذ سنوات، إلا أنه يستبعد أن يتم اللجوء إليها وتنفيذها، إذ اعتبر أن ما يجري فقط هو التلويح بها لا يعدو أكثر من مناورة؛ لإنتزاع بعض المكاسب، مثل إعادة فتح مكتب ممثلية منظمة التحرير بواشنطن، وإزالة المنظمة من قائمة "الإرهاب"، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، من دون أن يتطور الأمر إلى أخذ السلطة أي شيء فعلي على الأرض، وتحديدا هذه الأيام.

بعد خيبة الزيارة..تحرك فلسطيني "يائس" نحو أوروبا

من جانبه، أكد الصحفي المختص بشأن السياسة الأمريكية محمد القاسم أنه على ضوء الغضب الفلسطيني من الولايات المتحدة، خاصة بعد زيارة بايدن، فإن السلطة الفلسطينية تتجه هذه الأيام نحو أوروبا، وتحديدا فرنسا، نتيجة الخذلان من واشنطن، حيث أن الأخيرة لم تفِ ولو بوعد واحد.

وأوضح القاسم أن هناك محاولة فلسطينية لحشد الدعم الأوروبي والعالمي، وهو السبب لزيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى باريس قبل أيام، بموازاة تحرك من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في أفريقيا وأوروبا. مع العلم، أن هناك مبادرة فرنسية قبل سنوات لتحريك المسار السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنها لم تنجح، إلا أن هناك مساعٍ من السلطة لإحيائها من جديد.

اقرأ أيضاً: صفقة الأسرى بين المقاومة والاحتلال.. ثماني سنواتٍ فشلت في إذابة الجليدِ

بيدَ أن القاسم رأى، في حديثه لموقع "زوايا"، أن هذه الجهود الفلسطينية، مرورا بمحاولات السلطة عبر وزير خارجيتها لحشد الدعم الدولي، هي "محاولات فارغة"، وان السلطة تعلم ذلك، خاصة أن القضية الفلسطينية لم تعد ضمن دائرة الاهتمام الذي كانت تلقاه من المجتمع الدولي في الماضي، وذلك بسبب وجود ملفات أكثر أهمية بالنسبة للعالَم.

"المسار الفلسطيني معدوم"

وتساءل القاسم: ما هو الطريق الذي يمكن سلوكه فلسطينيا نحو الأمام.. ثم يجيب: "لا يوجد، حتى أن الكلام المعسول للقضية الفلسطينية خلال قمة جدة الأخيرة، كان دافعه نكاية من العرب ببايدن، نتيجة الغضب من سلوكه حيال ملفات أخرى تهمها، بعيدًا من القضية الفلسطينية".

ووصف القاسم توجه عباس قبل عدة أيام إلى الأردن، وأيضا إلى فرنسا، بمحاولة يائسة منه، وذلك لجلب تأييد دولي قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل، والخطاب الذي سيلقيه عباس على هامشها، طلبا لتأييد الحق الفلسطيني.

ونوه القاسم بأن الإشكالية تكمن في عدم وجود شريك إسرائيلي لتحريك المسار السياسي، خاصة في ظل عدم استقرار الحكومة الإسرائيلية، والإستعداد لإنتخابات مبكرة جديدة في الخريف المقبل، إلى جانب التطبيع العربي الإسرائيلي، وتبخر الدعم العربي للفلسطينيين.

بالمحصلة، يعتقد القاسم أن المسار الفلسطيني معدوم، في ظل المعطيات القائمة؛ نتيجة انعدام الإهتمام الدولي للإنشغال بملفات أخرى، فضلا عن عدم وجود أسباب لإبداء اهتمام بالملف الفلسطيني، بمنظور الأطراف الدولية..حيث أن الاهتمام يحصل فقط كلما حدثت حرب على غزة، وتعاظم التصعيد في القدس والمسجد الأقصى، كما أن الفلسطينيين لا يقررون ماذا سيحدث، وفق القاسم.

"المسار ضبابي"

بدوره، قال الباحث السياسي الأردني د.منذر حوارات إن المسار الفلسطيني ضبابي في هذه المرحلة، مع مواجهته حكومة إسرائيلية غير مستقرة، وإنتخابات مبكرة قد تعيد بنيامين نتنياهو إلى الحكم، في مقابل تأكيد الإدارة الأمريكية خلال زيارتها لبيت لحم والمنطقة على حل الدولتين، لكن بحكم البعيد، ودون تحديد المقصد والمفهوم ل"الدولتين"، إلى جانب وضع عربي ينحدر للتطبيع مع إسرائيل بشكل كبير، دون أي تنازلات من تل أبيب.

ونوه حوارات، في حديثه لموقع "زوايا"، بأن قمة جدة الأخيرة، بحضور بايدن، كان الحديث فيها عن القضية الفلسطينية عالي السقف، لكن واقعيا، لم يتجاوز حدود الخطب والكلمات. وأما على الصعيد الفلسطيني الداخلي، تتسع هوة الإنقسام، والقيادة الفلسطينية تشيخ ومستقبلها يبدو ضبابيا بالمرحلة المقبلة، مع تلاشي وجود آلية سلسة لتبادل السلطة.

لقاءات الأردن والسلطة بحثًا عن بدائل "مانعة للإنفجار"

لذلك، يعتقد حوارات أن الزيارات المتبادلة بين السلطة الفلسطينية والأردن على نحو مكثف بالمرحلة الأخيرة، تأتي في سياق محاولة الخروج من المأزق وإيجاد بدائل للوضع الراهن؛ لأنه مرشح للتفجر، في ظل عدم استماع إسرائيل لأحد ومضيها نحو خططها التوسعية. فكل هذا يُحدِثُ اختناقا سياسيا يمهد للإنفجار.

الخيارات السياسية ضيقة أمام الفلسطينيين والأردنيين

ورأى حوارات أن الخيارات السياسية ليست واسعة أمام الفلسطينيين والأردنيين، عدا أن خيار العودة للإنتفاضة الشعبية الفلسطينية هو الواضح وقد يشكل عنصر ضغط وحيد على الإسرائيليين، ويدفعهم إلى تقديم تنازلات. وذكّر حوارات بأن أي تنازل إسرائيلي لم يحدث بسبب مفاوضات سياسية، وإنما نتيجة ضغط الشارع الفلسطيني بالإنتفاضات المتعاقبة، وخاصة مع انعدام المراهنة الفلسطينية على العمق العربي.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo