صفقة الأسرى بين المقاومة والاحتلال.. ثماني سنواتٍ فشلت في إذابة الجليدِ

صفقة تبادل الأسري
صفقة تبادل الأسري

ثماني سنواتٍ مرّت على احتفاظ المقاومةِ الفلسطينية بالأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، دونَ إتمام صفقة جديدةٍ، في حين كانت خمس سنواتٍ كافيةً لإنجاز إحدى أكبر صفقات التبادل بين المقاومة والاحتلال في العام 2011، والتي تم بموجبها الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، والذي أسرته المقاومة في العام 2006 شرق قطاع غزة.

وأعلنت كتائب القسام في العشرين من يوليو 2014 أسرها للجندي الإسرائيلي "شاؤول آرون"، وفي الأول من أغسطس من العام ذاته أعلن الاحتلال فقده للاتصال بالضابط "هدار جولدن" شرقي رفح، وفي يوليو 2015 أعلن الاحتلال عن اختفاء الإسرائيلي "أبراهام منغستو" وهو من أصولٍ إثيوبيةٍ.

وفي محاولةٍ لتحريك المياه الراكدة في الصفقة المتجمدة، بثت المقاومة الفلسطينية فيديو يُظهر الجندي الإسرائيلي "هشام السيد" في الثامن والعشرين من يونيو 2022، وقد تدهور صحته، والذي أسرته المقاومة في أبريل من العام 2015.

وفي هذا التقرير تستطيع "زوايا" آراء المختصين حول الفروقات بين صفقة "شاليط" والصفقة المجمدة لحد اللحظة، وحول الأسباب المتعلقة بفشل إنجاز صفقة جديدة، وعن السيناريو المحتمل لأي صفقةٍ قادمةٍ مرتقبة.

الغلة لدى المقاومة

وقال المحلل السياسي والأسير المحرر من سجون الاحتلال عصمت منصور، إن موضوع صفقة الأسرى شائك وحساس، وهناك العديد من الفوارق بين صفقة شاليط والصفقة التي لم تتم حتى هذه اللحظة، على الرغم من مرور أكثر من ثماني سنواتٍ على أسرى الاحتلال في قطاع غزة.

وحول الفوارق بين الصفقتين، أكد أن الاحتلال اعترف رسميًا في صفقة "شاليط" بوجود جنديٍ حي في المقابل لا يعترف بوجود جنودٍ إسرائيليين أحياء لدى المقاومة، والذين أعلنت المقاومة عن أسرهم إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014.

اقرأ أيضاً: استطلاع: فارق1% بين الشيخ والسنوار والبرغوثي يتصدر فرص الرئاسة

واعتبر أن الغلة بين صفقة "شاليط" والجديدة غير متساويةٍ، لا سيما مع وجود بدويٍ وآخر من أصول إثيوبية، عازيًا أيضًا أسباب تأخر الصفقة إلى وجود حكومةٍ إسرائيلية هشة عكس ما كانت عليه إبان صفقة شاليط، ما جعل من عملية اتخاذ القرار عمليةً صعبةً للغايةِ.

الضغط الجماهيري الإسرائيلي

وبشأنِ الطرف الفلسطيني في إدارة الصفقة، أوضح أن الثمن العالي الذي تحاول المقاومة فرضه على الاحتلال غير مشجعٍ لإتمام صفقة جديدة، في ظل عدم يقين الاحتلال الإسرائيلي أنه يفاوض على جثثٍ للجنودِ وليسوا أحياء، وأنها ليست مضطرة لإتمامها مقابل الثمن الذي تريده المقاومة.

وعن الدور الإقليمي، استبعد "منصور" أن يكون له دورٌ مركزي في الصفقة، مؤكدًا أن عوامل القوة في إتمامها يتمحور في الغلة التي تملكها المقاومة الفلسطينية في غزة.

وقبيل إتمام صفقة شاليط خرجت مسيرات للمجتمع الإسرائيلي ضمت الآلاف من أعضاء الكنيست وفنانين وسياسيين ونخب شكلوا ضغطًا هائلًا ورأيًا عامًا مؤثرًا، دفع بعملية إتمام الصفقة للأمام، وشجع متخذي القرار لدى الاحتلال لتسريع وتيرتها، بحسب "منصور".

وأشادَ بقائد صفقة "شاليط" أحمد الجعبري، الذي أشرف على عملية الخطف والتفاوض، حتى إتمام الصفقة، مبينًا أن النتائج الحالية للصفقة التي لم تتم، يعكسُ أن الطرف المفاوض في هذه الصفقة أضعف من سابقتها.

استبعاد لصفقة جديدة

واستبعد "منصور" أن تتم صفقة تبادل أسرى في ظل الأوضاع الحالية على غرار صفقة 2011، إلا إذا وافقت المقاومة على تنازلاتٍ كبيرةٍ أو رهن الصفقة بمساعداتٍ أو تسهيلاتٍ عديدةٍ.

وحول أن حزب الله كان يملكُ جثثًا وأتم صفقة تبادل أسرى في عام 2008، قال منصور: "في حالةِ حزب الله، فإن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن متأكدًا من مقتل جنوده، حتى حين تم تسليمه الجثث، على عكس حالة الأسرى في غزة، فالاحتلال أعلن عن مقتلهم بمصادر سياسية ودينية"، مبينًا أن السياسيين قد يكذبون على الجمهور إلا أن الحاخامات الإسرائيليين لا يمكنهم الإعلان عن مقتل شخص دون التحقق بطريقةٍ أو بأخرى.

صفقة شاليط شكلت صدمة

من جانبه، قال المختص بالشأن العبري مؤمن مقداد أن صفقة شاليط شكلت صدمةً لدى الاحتلال الإسرائيلي، ودفع ثمنًا كبيرًا مقابل جندي إسرائيلي واحد لدى مقاومة غزة.

وضمّت صفقة شاليط 1027 أسيرًا فلسطينيًا في سجونِ الاحتلال مقابل إفراج المقاومة عن الأسير جلعاد شاليط، والذي أٍسرته عام 2006 على الحدود الشرقية لقطاع غزة، في حين ضمّت الصفقة عددًا من قيادات حماس من بينهم السنوار، الذي أضحى زعيمًا لحركة حماس في قطاع غزة، الأمر الذي سبب الإحراج للاحتلال الإسرائيلي، يقول "مقداد" خلال حديثه لـ "زوايا".

وأوضح أن أحد معوقات الصفقة الحالية ما آلت إليه صفقة شاليط من الإفراج عن عدد ممن ساهموا بشكل ما في تعزيز قوة حماس، الأمر الذي سبب حالةً من الرهبةِ من إتمام صفقةٍ جديدةٍ.

وتسعى جهاتٌ قانونية لدى الاحتلال لمحاولاتِ سن قوانين منع إجراء صفقاتٍ كبيرةٍ يُحرّر على إثرها شخصياتٍ فلسطينية ساهمت في قتل إسرائيليين، كما أوضح "مقداد"، وبين أن قادة الاحتلال أقنعوا الجمهور الإسرائيلي بأن الأسرى مجرد جثث، كي لا يشكلوا ضغطًا عليهم على غرار صفقة "جلعاد شاليط".

ورأى أنه من المنطقي أن تكون الصفقة التي لم تتم لحد اللحظة أكبر من السابقة بالنظر إلى الغلة الأكبر والحديث حول أربعة إسرائيليين في حوزة المقاومة في قطاع غزة.

صفقة على مراحلٍ

واستبعد "مقداد" أن تقدر حكومة إسرائيلية على إنجاز الصفقة ككل، لأن الثمن سيكون غاليًا وربما يمثل انهيارًا سياسيًا لها.

اقرأ أيضاً: الغزيون والكهرباء.. موجة الصيف وأزمة الغلاء

وحول سيناريو الصفقة القادمة، توقع أن تكون الصفقة على مراحل بأن تشمل الإسرائيليين "منغستو" و"السيد" مقابل حالاتٍ إنسانيةٍ لأسرى فلسطينيين مثل النساء والأسرى المرضي لتشكل تحريكًا للمياه الراكدة، ولا سيما عقب نشر المقاومة فيديو يظهر الإسرائيلي "هشام السيد" في وضع حرج.

قاسم مشترك لإتمام الصفقة

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب، أنّ هناك قاسمًا مشتركًا بين طرفي الصفقة لتسريع وتيرة إنجازها لما له من مردوداتٍ سياسيةٍ عليهما.

وحول بيئة التفاوض، رأى "شراب" خلال حديثه لـ "زوايا" أن بيئة التفاوض التي حدثت أثناء صفقة "شاليط" والأسرى الإسرائيليين الموجودين حاليًا لدى "حماس" تختلفُ من نواح عدة، معتقدًا أن هناك تحولاتٍ جديدةً تُشعر حماس بأنها أكثر قوةٍ ومن الممكن أن تضغط على الاحتلال الإسرائيلي في ظل حكومته الانتقاليةِ الضعيفة.

في المقابلِ تسعى حكومة لابيد الانتقالية لدفعةٍ سياسيةٍ جديدةٍ وتحقيق إنجاز قد يحقق لها الفوز في الانتخابات المقبلة وتحقيق أكبر عددٍ من المقاعدِ، كما يقول "شراب".

ويعتقد "شراب" أن هناك مفاوضاتٍ تتم بشكل مكثفٍ بشكل غير مباشر بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس حول إنجاز صفقةٍ جديدةٍ.

ضغوطاتٍ متبادلة

وفي الوقت الذي تمارس فيه حماس ضغوطًا على الاحتلالِ، بيّن "شراب" أن الاحتلال الإسرائيلي لديه أوراق ضاغطة على حركة حماس مثل الحصار وتحكمها في الموارد التي تُضخ لغزة، أي أن كل طرفٍ يمارسُ ضغوطًا على الآخر.

وعزا إطالة مدة عدم إنجاز صفقة جديدة بعكسِ ما حدث مع صفقة شاليط والتي أنجزت بعد 5 سنواتٍ فقط من أسره، في حين مضى أكثر من ثماني سنواتٍ على الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، إلى "الأوضاع الداخلية لكلا الطرفين".

وتحاول حماس إنجاز الصفقة بثمنٍ سياسيٍ عالٍ، لإنعاش شعبيتها والدفع بها إلى الأمام، كما أنها تتوقُ لإنهاء الحصار المفروض على غزة وضمان مستقبل سياسي مستدامٍ، وفق حديث "شراب"، الذي يرى أن "الفرصة قد لا تتكرر لحماس أو ستتكرر بصعوبةٍ بالغةٍ".

وتوقع "شراب" أن تتم الصفقة في وقتٍ قريبٍ وستكون على قدرٍ من المفاجآت بتدخل ودفعٍ من أطرافٍ إقليمية.

وتتباين الآراء حول الأسباب التي أدت لإطالة أمد الصفقة المرتقبة، في حين تنقسم الآراء حول السيناريو المرتقب للصفقة، فرأى "منصور" أن صفقة التبادل مستبعدة للغاية، في حين ذهب "شراب" أن هناك صفقة تلوح بالأفق، في حين توقع "مقداد" أن تتم الصفقة على مراحل، ما يعكس الوضع الشائك للصفقة في ظل المتغيرات الحالية.

وفي ظل هذا الوضع الشائك، يقبع أكثر من 4600 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر أيار 2022، من بينهم 31 أسيرة و172 طفلًا و682 معتقلًا إداريًا و500 أسير مريض و551 يقضون حكمًا بالسجن المؤبد و214 أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عامًا. (المصدر).

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo