رغم قوتها

الجماهير غير قادرة على إحداث تغيير سياسي دائم وحكم تعددي استشرافي

شباب فلسطينيين في مواجهة الاحتلال
شباب فلسطينيين في مواجهة الاحتلال

استندت اتفاقات التطبيع مع دولة الاحتلال إلى الافتراض بأن النضال الفلسطيني قد تهمَّش فعليًا، وأن الفلسطينيين قد رُوِّضوا وهُزموا وما عادوا يملكون القدرة على الاحتجاج ورضوا بتشتتهم وتشرذمهم، إلا أن انتفاضة الوحدة التي اندلعت في مايو 2021، بدَّلت هذه الفرضيات الراسخة التي اعتنقها الكثيرون كحقائق مسلَّمة عن فلسطين، وبرهنت انتفاضة الوحدة على أن الفلسطينيين شعبٌ واحد يواجه نظامًا واحدًا، وقادرٌ على النهوض كافة من النهر إلى البحر في وجه القمع والاضطهاد.

ورأى "طارق بقعوني" محلل السياسات في شبكة السياسات الفلسطينية، خلال مؤتمر سنوي عقد برام الله في مايو 2022، بعنوان "القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب"، أن النضال الفلسطيني يقع على الخط الفاصل بين النظام الاستبدادي وبين الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل التحرير. لكن الأهم من ذلك أن فلسطين تقع على هذا الخط الفاصل على المستوى الإقليمي أيضًا.

وأضاف أن النضال من أجل التحرير الفلسطيني مسألةٌ مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسياسات الإقليمية والعالمية، ولا يمكن النظر إليه كمسألة منعزلة يمكن معالجتها بشكل منفصل عن القوى الجيوسياسية والاجتماعية الاقتصادية الرئيسية التي تشكل هذا العالم.

اقرأ أيضاً: ماذا تناقش اللقاءات الأردنية-الفلسطينية المكثفة عشية زيارة بايدن؟

وأكد الكاتب أن انتفاضة الوحدة كشفت للمرة الأولى عن التصدعات في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وأن الفلسطينيين متى ما نهضوا كشعب واحد، ستكون لهم القدرة على التغلب على نظام كان يُنظر إليه حتى حينه على أنه لا يقهر.

وبحسب المحلل السياسي لهذا السبب جاء رد النظام الإسرائيلي، بتنفيذ اعتقالات واسعة النطاق للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 من خلال أجهزته الأمنية، وفي أنحاء الضفة الغربية من خلال شريكته، السلطة الفلسطينية، واستخدم قوة النيران الكاسحة في محاولة أخرى فاشلة لترويض غزة.

وأضاف أن الجهود الرامية إلى احتجاز أعداد كبيرة من الناس على ما يسمى بجانبي الخط الأخضر مثلت مؤشرًا على السعي لتعطيل قدرة الفلسطينيين على التنظيم والتعبئة، وثنيهم عن إشعال انتفاضة بإجبارهم على العودة إلى الوضع الراهن.

هذا واستخدمت إسرائيل أيضًا أساليبها في المراقبة، وشرعت في اتخاذ تدابير ضد المجتمع المدني الفلسطيني، ولا سيما من خلال تصنيف ست منظمات فلسطينية متصدرة للجهود المبذولة لمحاسبة إسرائيل، بما في ذلك من خلال الدعاوى القانونية المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية، كمنظمات إرهابية.

وأوضح الكاتب أنه في ظل غياب قيادة فلسطينية ملتزمة بالتحرير، انتقلت مهمة التعبئة الاستراتيجية للنضال الفلسطيني إلى منظمات المجتمع المدني والتجمعات الشعبية، ومن هنا انبرت إسرائيل لتفكيكها. كون هذه الكيانات تشكل العقبةَ الأخيرة التي لا بد لإسرائيل من إزالتها كي تضمن عدم وجود مقاومة فعالة لحكمها، حيث أظهرت الانتفاضة أن قضية فلسطين ليست هامشية بالنسبة للجماهير إقليميًا أو عالميًا، وعرت الأكذوبة التي قامت عليها اتفاقات التطبيع والتي تُفيد بأن فلسطين ليست قضية مهمة لشعوب المنطقة.

اقرأ أيضاً: هل اقتربت ساعة الصفر لإعلان تطبيع العلاقة بين حماس ودمشق؟

وطالب المحلل في شبكة السياسات الفلسطينيين ببناء تحالفات إقليمية وعالمية مع الحركات والمنظمات والأحزاب السياسية المشابهة لفكرهم والملتزمة بمبادئ إنهاء الاستعمار والتحرر، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه النظام العالمي تحولات وتغييرات كبرى، ويواجه فيه نظام الهيمنة الأمريكية ضغوطًا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة في المنطقة، موضحًا أن ذلك يُعد تطورًا طبيعيًا للحركة الفلسطينية، التي اتخذت تاريخيًا شكل النضال ضد الاستعمار.

كما دعا الكاتب "بعقوني" في محاضرته الفلسطينيين بإنشاء حركةً شاملة تضم جميع شرائح وأطياف الشعب الفلسطيني بأسره على اختلاف أيديولوجياته وتجاربه المعاشة كشعب مشتت، مع الحفاظ على وحدة التركيز والرؤية على إنهاء الاستعمار في فلسطين، وهو ما يتطلب أن إنشاء هياكل جديدة ديمقراطية وحرة وتمثيلية لقيادة المرحلة التالية من النضال الفلسطيني وتحويل التعبئة الشعبية إلى رؤية سياسية.

وختم الكاتب أن قوة الجماهير ورغم قدرتها على إسقاط الأنظمة وإحداث تغييرًا ثوريًا، إلا أنها تفتقر إلى القدرة على إحداث تغيير سياسي دائم وأنظمة حكم تعددية واستشرافية، ما يوجب على الفلسطينيين وحلفائهم في المنطقة أن يفكروا في النظام العالمي الجديد الذي نعيش فيه، بعد أن فشلت الدول العربية تاريخيًا في الوفاء بالتزامها تجاه النضال الفلسطيني، ودعمت القمع والتوسع الاستعماري الذي تمارسه إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وبعد ما أثبتت الحرب الروسية ضد أوكرانيا أن المصالح الذاتية هي التي تدفع الدول الغربية والأنظمة الإقليمية، وليس الأخلاق أو العدالة.

المصدر : متابعة- زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo