سحب الاعتراف بإسرائيل..مناورة فلسطينية طلبًا لحراكٍ سياسي أمريكي؟

محمود عباس في  الجمعية العامة للأمم المتحدة
محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة

تتعامل السلطة الفلسطينية، في الأشهر الأخيرة، مع التلويح بسحب الإعتراف بإسرائيل وقطع العلاقة معها، كورقة مناورة سياسية، على الأقل حتى اللحظة، في محاولة منها لجني ما تيسر من تحقيق الحد الأدنى من مطالبها، سواء من قبل أمريكا أو إسرائيل نفسها.

هذا ما أكده مصدر سياسي بالسلطة الفلسطينية لموقع "زوايا"، بالقول إن اجتماعا ضيقا جمع الرئيس محمود عباس وأربعة مسؤولين آخرين، قبل أكثر من أسبوع، حيث تباحثوا فيه مسألة تنفيذ قرار وقف الإعتراف بإسرائيل؛ من منطلق أن السلطة ليست أكثر من جهاز إداري لدفع رواتب وتقديم خدمات، فيما هي عاجزة وتفقد القدرة على التحكم بالعامل الجماهيري.

بعد تهديد عباس..اتصالات من واشنطن ولجنة سياسية إلى رام الله

ووفق المصدر، فإن الملك الأردني عبدالله الثاني بعث للإدارة الأمريكية برسالة من عباس إلى الإدارة الأمريكية بخصوص هذا التهديد، لكن واشنطن طلبت من عباس عدم تنفيذه، ثم اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالرئيس عباس الأسبوع الماضي، ليقدم له سلسلة من التطمينات، تتعلق بتحريك المسار السياسي وبعض الجهود للجم ممارسات إسرائيل. كما أخبره أن فريقا أمريكيا سيأتي إلى رام الله في الأيام المقبلة للبحث مع السلطة الفلسطينية بشأن أبرز الملفات التي سيتم نقاشها مع الرئيس جو بايدن خلال زيارته لرام الله الشهر المقبل.

اتصال مسؤولين أمريكيين ب"حماس" هو ما أغضب السلطة؟

بيدَ أنّ المصدر كشف لـ "زوايا" عن سبب إضافي قد عاظم غضب السلطة الفلسطينية من إدارة بايدن، ما جعلها تلوح بتنفيذ قرار سحب الاعتراف بإسرائيل، بجدية أكبر من ذي قبل، ألا وهو تواصل مسؤولين أمريكيين مع حركة حماس، على إثر مسيرة الأعلام الاستيطانية في القدس مؤخرًا، ولذلك للطلب من حماس بعدم تصعيد الميدان، عبر تقديم بعض التعهدات..وهو ما أزعج السلطة التي ترى أن إدارة بايدن تُعزز بذلك، حضور حماس في مقابل السلطة، في حين، لم تتخذ واشنطن أي خطوة تعزز موقف السلطة. فلم تنفذ إدارة بايدن وعدها بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ولم تزد المساعدات المالية، ولم تسمح بعودة فتح مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة. وفوق كل ذلك، لم تقدم أي مبادرة سياسية.

السلطة تراجعت..بعد وعودات أمريكية؟

وحسب المصدر، فإن القيادة الفلسطينية تراجعت عن تنفيذ القرار بضغط أمريكي ممزوج ببعض التطمينات والوعودات للسلطة.

الواقع، أن التلويح بورقة سحب الاعتراف بإسرائيل وقطع العلاقة معها، ليس المرة الأولى، فقبل سبعة أشهر، هددت السلطة بقطع العلاقة مع إسرائيل، احتجاجا على اقتطاع إسرائيل أموال من المقاصة الفلسطينية، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتدخل والإتصال بوزير الجيش الإسرائيلي بني غاننتس، حينها، ليوافق الأخير على منح قرض للسلطة يُقدر ب600 مليون شيكل.

اقرأ أيضاً: كتاب ومحللون: إسرائيل تخوض معركة سيادة والعلم الفلسطيني يرعبها

لكن مصادر سياسية متطابقة تفيد بأن السلطة قد تتخذ قرارا بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، كما فعلت قبل سنتين، في حين لم يتغير في الواقع أي شيء بخصوص هذا التنسيق، الذي تواصل عمليًا. لكن دوائر سياسية إسرائيلية قالت إنه في حال طبقت السلطة مطالب بعض الجهات الفلسطينية بإعلان استقلال فلسطين من جانب واحد، فإنها ستنفذ، في مثل هذه الحالة، تهديدًا سابقًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، بأن إسرائيل ستضم الأغوار، وستفرض إجراءات "قانونية" وإدارية وتجارية على الضفة الغربية كاملة.

ولعل السؤال الأبرز: هل تنجح السلطة الفلسطينية في توظيف المناورة بسحب الإعتراف بإسرائيل؟

يقول الكاتب الصحافي محمد دراغمة لموقع "زوايا" أن تلويح السلطة ورئيسها محمود عباس، مؤخرًا، بورقة سحب الإعتراف بإسرائيل، جاء بعد سلسلة التطورات الأخيرة التي كانت محرجة جدا للسلطة أمام الشارع الفلسطيني الذي يُدرك عجزها ويوجه انتقادات حادة لها. ولذلك، جاء النقاش الداخلي في أروقة ضيقة بالسلطة، ومن ثم اجتماع عاجل في مكتب الرئيس عباس في رام الله، وقد خرج بنتيجة بأنه لا بد من تحرك السلطة؛ لأنه لا يمكن الاستمرار بالطريقة القديمة.. فكانت الاتصالات مع الأردن والجانب الأمريكي.

وقدر دراغمة أن السلطة ربما غير قادرة على سحب الاعتراف بإسرائيل، لأن هكذا قرار يعني انهيار السلطة، وهو ما يضفي على تهديدها الأخير طابع "التحرك السياسي" أو "المناورة"..غير انّ دراغمة يعود ويقول إن التطورات الميدانية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، قد وضع السلطة في موقف بالغ الحرج، بموازاة تعزز قوى المعارضة على حساب السلطة في الشارع الفلسطيني. فكان قرار السلطة بضرورة التحرك، وربما هي "مناورة"، ولكن قد تتطور في لحظة ما إلى خطوة واقعية، إذا تصاعد الضغط الإسرائيلي على الرئيس عباس، ليقرر الأخير: إذًا، لتنهار السلطة..لأن صمتها المستمر على الممارسات الإسرائيلية هو بحد ذاته يقود إلى انهيارها.

ووفق دراغمة، وعد الأمريكيون الرئيس عباس في الأيام الماضية، بتحرك سريع، غير أن دراغمة رأى ان الإشكالية لا توجد لدى واشنطن أي قدرة للضغط على حكومة نفتالي بينيت في ظل وضعها الصعب، وخشية من التسبب بعودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم.

لذا، قد تتمكن الإدارة الامريكية من لجم بعض الممارسات الإسرائيلية وتغيير بعض الإجراءات في القدس، لكنها لن تستطيع وقف الاستيطان الإسرائيلي، وغنما لجم بعض المشاريع الإستيطانية، لا أكثر.

"السلطة مضطرة لخطوة ما..طلبًا للشرعية الشعبية في غياب الشرعية الإنتخابية"؟

وبينما عاد المتحدث باسم البيت الأبيض نيد برايس ليؤكد على قرار الإدارة الأمريكية بإعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية، أفاد محمد دراغمة لموقع "زوايا"، بأنه علم من مسؤولين أمريكيين تاكيدهم لأنهم لن ينفذوا هذه الخطوة الآن؛ لأنها ستعيد نتنياهو إلى الحكومة وستسقط حكومة بينت. وبين المسؤولون الأمريكيون لدراغمة بأن تنفيذها سيكون، فقط، حينما يتوفر الظرف السياسي المناسب، وهو ما لم يتحقق بعد.

اقرأ أيضاً: ورقة اقتصادية تتهم الحكومة الفلسطينية بالفساد وتطرح بدائل للإنفاق العام

وشدد دراغمة على أن السلطة مضطرة لإتخاذ خطوة ما، ولو وقف التنسيق الأمني، وإلا فإنها ستسقط شعبيًا. وتابع: "في لحظة معينة، قد تضطر السلطة لخطوة ما، على الأقل، من شأنها أن تضفي عليها شرعية شعبية في غياب الشرعية الإنتخابية".

"مناورة السلطة للحصول على أكبر قدر من الدعم الأمريكي"

من ناحيته، أكد الخبير بشؤون الشرق الأوسط ميشال عون لموقع "زوايا"، أن تهديدات السلطة بسحب الاعتراف هي ضغوطات سياسية ولكن الجميع يعرف أنها لا تتم، مبينًا أنه لا يمكن للسلطة تنفيذ أمر كهذا. واعتبر ان السلطة تحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم الأمريكي، كمساعدات مالية وبعض الخطوات السياسية، لكن عون رأى أن الأمور لا تُحل ب"إعلانات وتهديدات من السلطة".

وعبر عون عن أمنيته بأن تفتح زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة الشهر المقبل، فرصة للمسار السياسي، وخاصة بعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة خلال أشهر، مؤكدا أن المأساة الفلسطينية طال امدها، وأن إسرائيل تواصل احتلالها، ما يجعل ضرورة إطلاق مبادرة سياسية جدية من أجل للحل ومنح الفلسطينيين حقوقهم، أمرًا ملحًا.

واعتبر عون أن ادارة بايدن تختلف عن فترة دونالد ترامب، من ناحية أن الأول أكثر قربا لحل الدولتين، لكن بايدن لم يقدم خطوات عملية لإحياء حل الدولتين، بسبب الملفات الداخلية والدولية والضغوطات الإسرائيلية. غير ان عون رأى أن زيارة بايدن إلى رام الله، بحد ذاتها، مهمة وتدل على ان الإدارة الأمريكية الحالية لا زالت أقرب لحل الدولتين وتقديم مساعدة نسبية للفلسطينيين.

دون موقف فلسطيني موحد..لن تنجح مناورةُ سحب الإعتراف بإسرائيل

أما المختص بالشأنين الفلسطيني والإسرائيلي نظير مجلي، فقد اعتبر أن تلويح القيادة الفلسطينية بورقة سحب الإعتراف بإسرائيل بمثابة جزء من معركة، خاصة وأن "قضية السلام أصبحت قضية حرب للتقدم فيها، على ضوء برنامج للحكومة الإسرائيلية للحيلولة دون إطلاق أي مفاوضات". وتساءل مجلي: إلى أي مدى تنجح السلطة في تحقيق مرادها، من وراء التهديد؟

ويجيب مجلي أن النجاح من عدمه يتوقف على مدى تجاوب المجتمع الدولي. وثانيا، شعور العالم بأن الموقف الفلسطيني جدي ويلتف حوله الشارع الفلسطيني ومختلف الفصائل..فكل ذلك، هي عوامل تلعب دورًا مهمًا للتأثير الفلسطيني بالرأي العالمي. لكن الانقسامات الفلسطينية تجعل من الصعب توقع أي نتيجة إيجابية لتهديد السلطة المذكور.

واكد مجلي لموقع "زوايا" أنه من دون موقف فلسطيني قوي وموحد، فإنه لا يمكن للسلطة ان تؤثر على العالم. وحذر من ان هناك إجراءات إذا ما اتخذتها السلطة قد يكون لها تأثير على المواطن الفلسطيني؛ على ضوء الخشية من نتائج عكسية لأي قرار قد تتخذه السلطة؛ نتيجة الخلل الفلسطيني.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo