كيف فشلت السلطة الفلسطينية في إدارة ملف القدس؟

اشتباكات مع الاحتلال بالقدس
اشتباكات مع الاحتلال بالقدس

بدت مسيرة الأعلام الإسرائيلية، التي نفذها آلاف المستوطنين في القدس القديمة مساء الأحد، بحراسة أمنية مشددة، كـ"نكسة جديدة" للفلسطينيين؛ ذلك أن كلًا من السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية ظهرت في موقف العاجز غير القادرة على منع هذه المسيرة أو على الأقل التشويش عليها.

لذا، وضعت المسيرة الإستيطانية الإستفزازية السلطة الفلسطينية خصوصًا والفصائل عمومًا، أمام السؤال الإستحقاقي الأبرز: كيف أدرتم ملف القدس؟

ويقول القيادي في حركة "فتح" بالقدس حاتم عبد القادر لموقع "زوايا" إن ما يجري في القدس يعني أن المعركة أصبحت حقيقية وتتخذ شعارات دينية، وأن اسرائيل بدأت تؤسس لحرب دينية على الشعب الفلسطيني لاجتثاثه من أرضه، وهذا يفرض تحديات على الفلسطينيين وسلطتهم وفصائلهم.

السلطة فشلت في إدارة ملف القدس لزاويتين

وعبر عبد القادر عن أسفه من أنه لم يرَ أي شيء يوضح بأن السلطة والفصائل قد بدأت تعيد تقييم الموقف على ضوء التطورات الخطيرة الجارية في القدس، لا على صعيد تحديد رؤية وخطاب واضح تجاه الاحتلال، وعلى مستوى تحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء حالة الإنقسام والتشرذم.

وأكد وزير شؤون القدس الأسبق حاتم عبد القادر أن السلطة لم تجيد إدارة ملف القدس من زاويتين: الأولى، تتمثل بالخطأ التاريخي حينما قبلت السلطة تأجيل قضية القدس من خلال اتفاق أوسلو الذي أبرمته مع إسرائيل.. فالتأجيل أعطى الاحتلال مظلة زمنية وسياسية لتكريس وجوده وتهويده للقدس. وأضاف أن المتتبع للإجراءات الإسرائيلية في القدس منذ اتفاق أوسلو وحتى الآن، يدرك أن إسرائيل فرضت واقعا جديدا على القدس، وشوهت المدينة وغيرت التاريخ والتراث الحضاري للمدنية المقدسة والآن تحاول تقسيم المسجد الأقصى، إضافة إلى زيادة الاستيطان بنسبة "ألفين" بالمئة عما كان عليه قبل أوسلو.

اقرأ أيضاً: "عربات النار".. مناورة إسرائيلية ضخمة وسط ملفات ساخنة

أما الزاوية الثانية التي تدلل على عدم إجادة السلطة لإدارة ملف القدس، تتجلى بأنه حتى بعد إتفاق أوسلو كان على السلطة أن تعتبر القدس عاصمة وأن تقوم بإدراج القدس ضمن الأولوية وفي إطار خطة التنمية الفلسطينية وأن تكون استراتيجية دعم حقيقي للقدس والمقدسيين، ولكن هذا لم يحدث، والنتيجة أن القدس هي مهمشة لا توجد ميزانية محددة من الحكومة الفلسطينية للمدينة، وتم ترك المقدسيين بدون دعم حقيقي.

وأشار عبد القادر إلى معاناة كبيرة يواجهها المقدسي سواء على صعيد مصادرة الأراضي وهدم البيوت وسياسة الإبعاد، ومرورا بضرب الحركة التجارية خاصة في البلدة القديمة للقدس، "دون أن نرى وجود ميزانية حقيقية لدعم الصمود".. ناهيك عن فقدان الدعم العربي الذي يشهد تناقصا مستمرا، فمنذ خمس سنوات وحتى الآن، قلّ الدعم العربي لمدينة القدس بنسبة 70 بالمئة، و"هذا بلا شك له تداعيات خطيرة على أوضاع المقدسيين"، يقول عبد القادر.

السلطة قدمت للمقدسيين ومؤسساتهم مساعدات مالية غير كافية

وشدد عبد القادر أن هناك مساعدة مالية زهيدة تقدمها السلطة الفلسطينية للقدس، وبالرغم من أن إسرائيل تمنع أي نشاط للسلطة في القدس، إلا أن هذا ليس مبررًا لعدم اتخاذ السلطة الفلسطينية آليات متعددة عبر إيجاد وسائل مختلفة لدعم المقدسيين. لكن المشكلة، حسب عبد القادر، تكمن في عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى السلطة الفلسطينية لفرض أمر واقع جديد بالقدس مقابل الأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه بالمدينة.

أما الشيء الآخر، فهو عدم تقديم ميزانيات كافية للقدس، حيث عبر عبد القادر عن أسفه من أنه لدى السلطة أولويات بالصرف في مناطق اخرى أكثر مما هي عليه في القدس. وضرب مثالا للدلالة على ذلك، قائلًا: "الميزانية التي كانت مقررة من الحكومة الفلسطينية للقدس في عام 2020 كانت لا تزيد عن 20 مليون شيكل، في حين أن الميزانية التي تلقاها المستوطنون، فقط، داخل البلدة القديمة للمدينة تزيد عن سبعين مليون شيكل".

وسلط عبد القادر الضوء على صعوبة الوضع بالقدس، سواء حالة الفقر والبطالة والضرائب الباهظة بحق المواطن المقدسي، وكذلك ضرب للحركة التجارية بالبلدة القديمة للقدس، مشيرًا إلى أكثر من 1500 متجر مغلق، بموازاة مكابدة معظم المؤسسات المقدسية لحالة الإختناق، ومعظم المستشفيات بالقدس لديها ديون. في المقابل، هذا الوضع المعقد لا يد أي صحوة من السلطة الفلسطينية لإدراك خطورة الوضع.

والنتيجة، وفق عبد القادر أن المقدسيين "يصمدون أمام الاحتلال بلحمهم الحي وصدورهم العارية دون أن يكون لهم ظهير يُؤمّن لهم مستلزمات الصمود حتى يستطيعون الإستمرار في المعركة".

"استقلت من منصبي وزيرًا للقدس..لأنني لست شاهد زور"

وذكّر حاتم عبد القادر بدوافع استقالته من منصبه كوزير لشؤون القدس قبل سنوات، مبينًا أنها تتعلق بعدم تقديم السلطة الدعم المطلوب للقدس وسكانها الفلسطينيين. إذ بين أنه قبل المنصب في ذلك الحين بشرط أن تكون هناك ميزانية حقيقية تفي باحتياجات المقدسيين ومؤسساتهم. وبالفعل، تم وضع خطة، في ذلك الوقت، أُطلق عليها إسم "إعادة الحياة للقدس". وكانت الخطة تستلزم "عشرين مليون دولار"، كبداية لتنفيذ الخطة، وكانت المفروض، في غضون عدة أشهر، أن تعيد الحياة للقدس ولكن لم يتم الوفاء بالتعهد بها.

اقرأ أيضاً: الخليل المشتعلة بنيران النزاعات العشائرية..ما أصل الأزمة؟

ولهذا السبب، وجد عبد القادر، وفق ما يقوله لـ "زوايا"، أن بقاءه في المنصب هو بمثابة "شاهد زور"..متابعًا: "فأنا لا أستطيع أن أخدع المواطنين ولا أستطيع ان أقدم لهم وعد دون اي إنجاز على الأراض، ولذلك قدمت استقالتي من منصبي".

ولكن، هل السلطة في وضع سياسي ومالي وامني لا يمكنها أن تقوم بأكثر من ذلك للقدس؟..أم أنها قادرة على فعل الأكثر؟

يؤكد أستاذ الإعلام والعلوم السياسي د.أحمد احمد رفيق عوض لموقع "زوايا"، أن السلطة لا تغادر أدواتها التقليدية فيما يجري تجاه القدس، سواء أكان ذلك بمحاولاتها تجنيد الضغط الدولي والوسطاء، ومرورًا بالتحرك في هوامش ضيقة على المستوى الميداني، أو التلويح بالتوجه للمنظمات والمحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل.

بيدَ أنّ عوض يعتقد أنه يمكن للسلطة أن تفعل أكثر من ذلك تجاه القدس؛ لان قوة السلطة ليس بضعفها وإنما في موقفها، ما يعني أنها قادرة على قلب الطاولة، لو ارادت، ومن دون ان تطلق رصاصة واحدة.

غير أنّ عوض رفض توضيح طبيعة المواقف التي يمكن للسلطة ان تتخذها، مكتفيًا بالقول "هي قادرة أن تقول وأن تفعل، إن أرادت"!.

وتطرق عوض إلى محاولات السلطة في السنوات الأخيرة لإعادة تعريف العلاقة مع المحتل، لكنها لم تنجح في ذلك بسبب الضغوط الدولية؛ لأن "التمويل المشروط من المجتمع الدولي قيدها من المضي قدمًا بهذا المسار".

مهمات أمنية "سرية" لحماية العقارات المقدسية؟

بدوره، حاول مصدر أمني في السلطة الفلسطينية أن يستعرض لموقع "زوايا" مهمات تقوم بها السلط لصالح القدس، بعيدًا من الإعلام، قائلًا إن هناك مهمات عديدة يقوم بها الأمن لإفشال تسريب وبيع عقارات بالقدس لصالح المستوطنين، لكن لا يُعلن ذلك في الإعلام؛ لأن إسرائيل تحظر أي نشاط للسلطة بالمدينة، وخاصة إذا كان أمنيًا. وأقر المصدر بأن المخابرات الفلسطينية تفشل في المهمة مرات أخرى، ولا تستطيع أن تمنع بيع العقارات والمنازل الفلسطينية بالمدينة المقدسة لصالح جمعيات استيطانية، نظرا لوجود تقاطعات مختلفة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo