تحليل: هل الفلسطينيون بحاجة لعملات رقمية أو مشفرة خاصة بهم

تداول العملات الرقمية
تداول العملات الرقمية

تسعى سلطات الاحتلال بكل وسائلها لتجفيف منابع التمويل الاقتصادي للفلسطينيين لضرب صمودهم وإبقائهم عاجزين دون تطور، ونجحت في الكثير من المرات في قطع طرق التمويل المالي الذي يصل للفلسطينيين، سواءً عبر الشركات أو المصارف أو حتى الشخصيات، من خلال الملاحقات الأمنية والقانونية، الأمر الذي يدفع الفلسطينيين إلى التفكير بطرق جديدة لمجابهة القيود الإسرائيلية المشددة على الحركة والقيود المالية.

وفي هذا السياق طالب محللا السياسات في شبكة السياسات الفلسطينية "طارق دعنا" و"إبراهيم الشقاقي"، باستخدام العملات الرقمية والمشفرة كبدائل للعملة الوطنية الفلسطينية، لما لها من فوائد كبيرة يمكن أن يجنيها الفلسطينيون، إذا جرى تبنيها مؤسسيًا ضمن استراتيجية فلسطينية. 

ورأى "دعنا" أنه يمكن للفلسطينيين استحداث عملات مستقرة مصممة خصيصًا لاستخدام الفلسطينيين واستخدامها في المعاملات العابرة للحدود، بما فيها تلك التي تنفذها شبكات التضامن العالمية والشركات المناصرة لفلسطين، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب العمل على محو الأمية المالية والتكنولوجية لوضع استراتيجية للعملات المشفرة. 

اقرأ أيضاً: استثمار الغزيين في العملات الرقمية.. هل يخرق جدار الحصار؟

في حين رأى المحلل "إبراهيم الشقاقي" ضرورة التفريق بين العملات الرقمية والعملات المشفرة، حيث ستصبح العملات الرقمية، التي تصدرها الحكومات والبنوك المركزية، جزءًا من المستقبل، بينما العملات المشفرة، لا تستند إلى سلطة مُصدِرة أو تنظيمية مركزية، ولا تؤدي الدور ذاته للعملة، بقدر ما هي أصل للمضاربة - مثل الأسهم.

وأوضح أن التعامل مع العملات المشفرة في فلسطين في الوقت الحالي يمكن أن يحتملَ أخطارًا جمّا، حيث تتفاقم في فلسطين مشكلة قبول العملات المشفرة وتقلب أسعارها، بينما يتعرض المستثمرين فيها للاحتيال ويخسرون مليارات الدولارات - أكثر من 14 مليار دولار العام الماضي وحده. 

وقال "الشقاقي" إن العملات المشفرة ستظل عرضةً للمضاربة والتقلبات السعرية، لأن قيمتها لا تستند إلى أي أساسٍ اقتصادي أو مالي بالمعنى التقليدي، مبيناً أنه يمكن للمدفوعات الواردة من الخارج أن تتجاوز القيود الإسرائيلية، كما فعل الأفغانيون لتفادي العقوبات الأمريكية وحركة طالبان؛ وأيضاً مثل الدفعات التي تصرفها وزارة الشؤون الاجتماعية لعائلات الأسرى السياسيين وغيرهم من المحتاجين، حيث تستهدف إسرائيل بعض تلك المدفوعات.

من جهته أشار المحلل "طارق دعنا" إلى أن العملات المشفرة مبنية على تكنولوجيا سلسلة الكتل، التي توفر إمكانية ربط الفلسطينيين حول العالم من خلال المنظمات المستقلة اللامركزية، والتي يتم إنشاؤها للربط بين الأشخاص المتوافقين على الالتزام بقواعد معينة لغايات التنسيق والحكم الذاتي تحقيقًا لهدف مشترك، والأهم من ذلك أن لديها إمكانات كبيرة لتجاوز التشتت الجغرافي الذي يعيشه الفلسطينيون من خلال استخدام الشبكات الافتراضية لصنع القرار الجماعي والتشاركي.

وأجمع المحللان أن تقدم "إسرائيل" على محاربة هذا النوع من التطور التكنولوجي، لأنها تسيطر على البنية التحتية التكنولوجية لفلسطين، وتفرض قيودًا مختلفة على الاقتصاد الرقمي الفلسطيني. 

ودأبت إسرائيل على اتخاذ تدابير استباقية للحيلولة دون وصول الفلسطينيين إلى تقنيات الاتصال المتطورة. وتجلى ذلك في عام 2018 حين حظرت إدخالَ الأبراج والمعدات اللازمة لاتصالات الجيل الثالث إلى غزة، وبينما تُشيد المؤسسات المالية الدولية بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بوصفه مُخلِّص الاقتصاد الفلسطيني، إلا أنها لا تتصدى لقبضة إسرائيل الصارمة على كل جانب من جوانب هذا القطاع.

ورأى "دعنا" أن هناك طرقاً للالتفاف على القيود الإسرائيلية، ولا سيما أن تقنية سلسلة الكتل لا تعترف بالحدود، وتوفر مساحات مفتوحة للابتكار المستمر، وتولِّدُ فرصًا جديدة لاستحداث البدائل. 

وأضاف أنه لكى ينجح الفلسطينيون في الالتفاف على القيود، لا بد من أن يتحول مسعى المقاومة التكنولوجية إلى استراتيجية ذات رؤية تعطي الأولوية للمشاركة عبر الحدود، أي أنه ينبغي تصميم تقنية سلسلة الكتل وتطويرها خارج الحدود الجغرافية لفلسطين، ولكن بمشاركة الفلسطينيين في فلسطين والشتات.

اقرأ أيضاً: "عربات النار".. مناورة إسرائيلية ضخمة وسط ملفات ساخنة

كما طالب أن يضطلع الفلسطينيون والمطورون المناصرون لفلسطين في الخارج بدورٍ رئيسي في إعداد البنية التحتية التكنولوجية، وبناء التطبيقات لخدمة القضية الفلسطينية، وربط الفلسطينيين ببعضهم حول العالم. 

بدوره أيد "الشقاقي" تصريحات "دعنا" وقال إن إسرائيل لن تتوقف في منع استخدام هذه التقنيات المتطورة في فلسطين، وأنها قد تُصدر أوامرَ عسكريةً تحظر على المؤسسات المالية، بما فيها البنوك ومكاتب الصرافة، التعاملَ بالعملات المشفرة.

ولم يستبعد "الشقاقي" أن يتمكن المستخدمون من الوصول إلى محافظ العملات المشفرة وإتمام المعاملات باستخدام أدوات مبتكرة، مثل الأقمار الصناعية، رغم الرقابة الصارمة التي يفرضها الاحتلال على الإنترنت في فلسطين.

وقال إن إسرائيل شَرعت بالفعل في مسعاها لوقف استخدام العملات المشفرة، حيث زعمت في 2021 أنها تمكَّنت بفضل "اختراق تشغيلي" من التعرف إلى محافظ عملات مشفرة تملكها أحزاب سياسية فلسطينية والاستيلاء عليها، كما زعمت إسرائيل في أواخر فبراير 2022، أنها استولت على 30 محفظة عملات مشفرة أخرى. 

وخلص المحللان أن على الفلسطينيين أن يفكروا في طرق مفيدة لتسخير إمكانات هذه التكنولوجيا، ولا سيما لمجابهة القيود الإسرائيلية المشددة على الحركة والقيود المالية، كما طالبا السلطة الفلسطينية أن تبادر بالبحث عن مجالات محتملة لتطبيق هذه التكنولوجيا وأن تتشاور مع الخبراء المحليين بشأن الاستراتيجيات المستقبلية، كون الفلسطينيين، سواء داخل فلسطين المحتلة أو خارجها يتمتعون، بإمكانات كبيرة كمستخدمين للفضاءات والمنصات الافتراضية.

المصدر : متابعة -زوايا
atyaf logo