تقرير استثمار الغزيين في العملات الرقمية.. هل يخرق جدار الحصار؟

تجارة البيتكوين
تجارة البيتكوين

لجأ الفلسطينيون وخاصة من فئة الشباب في قطاع غزة -حالهم كحال الكثيرين بدول العالم- إلى التداول بالعملات الرقمية وخاصة "البتكوين"، وذلك لتعطشهم للعمل والحصول على قوت يومهم في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والحصار لسنين.

والعملات الرقمية "الإلكترونية" عبارة عن عملات افتراضية يتم تداولها عبر الإنترنت، وتمتاز بسرعة التحويل وقلة تكلفتها وحفظ الخصوصية، وأنها لا مركزية، وتعد ثورة تكنولوجية من الممكن أن تغير شكل الأموال مستقبلاً.

فما هي العملات الرقمية وأنواعها وأشكال تدوالها وأهم تداول شائع بها؟، وهل لنا أن نعتبر أن الفلسطينيون اقتحموا هذا السوق وأزالوا جزءاً من عوائق الحصار المفروض على القطاع منذ ما يزيد عن 15 عاماً، وهل فتح ذلك آفاقاً لتشغيل الشباب الفلسطيني؟

وهل من أمثلة واقعية حول أفراد أو جماعات تعاملت بالبتكوين سواء بالنجاح أو بالخسارة، وهل يكون المتداول عرضة للخطر والملاحقة؟ وما مدى القدرة على تحديد وملاحقة مواقع من يتعاملون بالعملات الرقمية؟

عمل لمن لا يعمل

وفي التفاصيل، فقد أوضح أحمد أبو قمر الكاتب والمختص في الشأن الاقتصادي، أن العملات الرقمية هي نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ "الند للند"، مشيراً إلى أنه مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط.

ولفت أبو قمر في حديثه لـ "زوايا" إلى أن العملات الرقمية "لامركزية"، بمعنى أنها لا تتبع بنكا مركزيا ولا يوجد مسؤول عنها حول العالم، وهو ما يجعل التداول فيها يحمل "مخاطرة عالية".

وذكر أنه من الصعب معرفة مكان المتداول، لأن طبيعة عمل العملات الرقمية تعتمد على سياسة الند للند كما ذكرنا وتقنية (بلوكتيشن)، والتي تعني ارسال رسائل مشفرة دون معرفة من يشتري ومن يبيع ومن صاحب المحفظة ومكان تواجدها.

وشرح أبو قمر، طريقة تداول العملات الرقمية باختصار، حيث يتم عمل محفظة الكترونية على إحدى المنصات الموثوقة مثل "بينانس" وشراء العملات الرقمية من أشخاص يمتلكونها أو محلات صرافة، ومن ثم التداول بمئات العملات المختلفة والبحث عن عملات منخفضة لشرائها، ومن ثم بيعها بعد الارتفاع.

وحول ما إذا اقتحم الفلسطينيون هذا السوق من العملات الرقمية وخاصة البتكوين؟ فقد أكد أبو قمر أن العملات الرقمية باتت "عمل لمن لا عمل له"، ففي ظل الحصار المفروض على قطاع غزة وعدم وجود فرص عمل "يجد الشباب الغزي في العملات الرقمية وكذلك التجارة الإلكترونية مدخلاً للهروب من شبح البطالة".

وأشار إلى أن تلك العملات الرقمية، أخذت رواجاً أكبر في فلسطين مع انتشار جائحة كورونا، والاغلاقات الاقتصادية والعمل عن بعد، وهو ما ضاعف قيمتها السوقية وزاد اقبال المستثمرين والناس عليها، منبهاً إلى أن التقديرات تقول إن "التعامل بالعملات الرقمية في قطاع غزة تضاعف عشرات المرات خلال العامين الماضيين"، على حد تعبيره.

وأضاف أبو قمر أنه عدة دول حول العالم استخدمت العملات الرقمية، للتغلب على الحصار المفروض عليها سواء بطرق رسمية أو سرية، فهناك تقارير تتحدث عن استخدام كوريا الشمالية وإيران وكوبا للعملات الرقمية للتغلب على العقوبات الاقتصادية والحصار الأمريكي.

ومن الجدير ذكره أن دول عديدة حرّمت وجرّمت التعامل مع عملة البتكوين، لكونها مجهولة المصدر ويصعب السيطرة عليها، وبالتالي قد تستخدم في "دعم الإرهاب الذي يحاصرونه، من وجهة نظرهم".

 تجارب.. مربح وخسارة

وقبل الحديث عن تجربة فصائل المقاومة الفلسطينية مع العملات الرقمية، في محاولة التغلب على الحصار المالي المفروض عليها من الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا، فإنه لا بد من التعرف على تجارب الشباب الفلسطيني للتكسب والتداول بالعملات الرقمية وخاصة الشائع عندهم "البتكوين".

واستعرض في السياق، مصدر مهتم في العملات الرقمية لـ "زوايا" وفضل عدم نشر اسمه، تجارب لأشخاص يعرفهم جيداً تعاملوا بالبتكوين سواء بالنجاح أو بالخسارة، حيث رمز أيضاً لهؤلاء بأسماء وهمية "حفاظاً على السرية". 

وبدأ المصدر برواية القصة الناجحة لـ"نضال" الذي تعامل بالبتكوين باعتبارها "أبو العملات الرقمية"، حيث اشترى المذكور قبل نحو خمسة أعوام وحدتي بتكوين قيمة الوحدة 240$،  مشيراً إلى أن أصحابه تنمروا حينها عليه بداعي أنه ضيع نحو 500 $ في الهواء، حيث كانت البتكوين وقتها لا تتمتع بالثقة الحالية.

وأكد أن "نضال" رجع إلى وحدتي البتكوين مع بداية العام الجاري 2021، فوجد أن الوحدة الواحدة قفز سعرها إلى 85.000$، مشيراً إلى أن مربح بهذا القدر في الوحدتين يزيد عن 100.000$ جعل صاحبه يشتري شقة سكنية ويفتح مكتب تاكسيات، فضلاً عن مواصلته التداول بالبتكوين بمبلغ قدره نحو 3000$ ، حيث مازال يربح قليلاً ويخسر قليلاً إلى الآن.

ولفت المصدر إلى أن مثل الحالة الناجحة، صحيح فيها نوع من الحظ، ولكن في نفس الوقت تحتاج إلى مجازفة وعدم الركون للمتنمرين، حسب وجهة نظره.

اقرأ أيضاً: التشغيل المؤقت.. لا يُسمن ولا يُغني من جوع!

أما الحالة الثانية، فقد ذكر المصدر أنها للفتاه "سها" اتصلت به قبل عدة أشهر، تسأله عن رأيه في إحدى المنصات للعملات الرقمية، حيث نصحها بعدم وضع أموالها في هذه المنصة التي لم يكن يعرفها أصلاً، ولكنها كانت مقتنعة بهذه المنصة وأغراها الربح المُعلن على تلك المنصة على عكس المنصات المعروفة.

وذكر أن "سها" لم تُصغ لنصيحته ووضعت أموالها في تلك المنصة للتداول عليها، حيث لم يدم تداولها بضعة أشهر قليلة، حتى عادت لفتح المنصة، فلم تجد أموالها فيها، لافتاً إلى أنه بعد المتابعة تبين أن القائمين على هذه المنصة هم مجموعة مبرمجين عبارة عن محتالين، وأن كل الأموال التي تم وضعها في تلك المنصة وهي بملايين الدولارات تمت سرقتها.

ووجه المصدر نصيحته لمتداولين البتكوين، بضرورة أن يعرفوا جيداً أين يضعوا أموالهم وما هي المنصة الموثوقة من المنصة غير الموثوقة التي يمكن أن تكون محتالة أو غير مشهورة، وأن على المتداول أن يضع أمواله على علم، وأن يعرف ماذا يتدوال ومتى يشتري ومتى يبيع، مؤكداً أن ذلك يحتاج إلى دراسة واستشارة المختصين في هذا الشأن.

وقال المصدر المهتم بالبتكوين" لا يجوز الدخول على هذا الخط بدون معرفة، وتضييع المدخرات في التداول على العملات الرقمية على جهل (...) لأنه فجأة قد تجد هذه الأموال تبخرت بفعل الخسارة أو المضاربة والاحتيال"، مشدداً على أن العلم والاستشارة بالعملات الرقمية تسبق التداول، حتى لا يكون المتداول ضحية للمحتالين وخسارة أمواله جزافا.

صراع أدمغة.. بين المقاومة و(إسرائيل)

واكتوت فصائل المقاومة الفلسطينية بنار الحصار المالي والاقتصادي، حيث سعى الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة لقطع سبل التمويل عن هذه الفصائل وتضييق الخناق عليها، كما أقيمت أمام المحاكم الأمريكية دعاوى عدة بتهمة تمويل الإرهاب بحق أشخاص وكيانات عديدة للاشتباه في قيامهم بتسهيل نقل الأموال إلى المقاومة.

يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي أعلن في يوليو 2021، أنه سيبدأ في مصادرة حسابات العملات المشفرة التي تستخدمها حركة "حماس" الفلسطينية لجمع الأموال لجناحها العسكري، حيث قالت وزارة الحرب الإسرائيلي إن وزيرها "بيني غانتس"، أمر قوات الأمن بمصادرة الحسابات بعد عملية مشتركة "كشفت شبكة من المحافظ الإلكترونية تستخدمها حماس لجمع الأموال باستخدام بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى".

وذكرت أن حماس تطلق حملة على الإنترنت لجمع التبرعات لجناحها العسكري، وهي جهود تسارعت بعد حرب غزة الأخيرة التي استمرت 11 يوماً في مايو 2021، حيث يزيد تفضيل العملات المشفرة مثل بيتكوين، لأنه يُنظر إليها على أنها صعبة التتبع.

فهل أصابت المقاومة وتحديداً "كتائب القسام الجناح العسكري لحماس" بدعوة مؤديها في العالم إلى دعم المقاومة الفلسطينية ماليا من خلال عملة البتكوين والتي أطلقتها في يناير عام 2019، وجددتها بعد العدوان الأخير على القطاع؟

ويجيب الكاتب والمحلل في الشأن الأمني عبد الله العقاد، بالقول ""إنه من الصواب لجوء القسام إلى كسب الدعم من العملات الرقمية في ظل تجميد الحسابات التقليدية في البنوك وتقييدها، وكذلك فرض عقوبات على من يدعم المقاومة".

ويرى العقاد في حديثه لـ"زوايا" أن الدعوة للتبرع للمقاومة في غزة " تأتي ضمن صراع الأدمغة وحرب العقول الدائرة مع أجهزة الاحتلال الإسرائيلي والرقابة الأمريكية الصارمة على منابع تمويل المقاومة حول العالم".

واعتبر أن المقاومة بهذه الدعوة "قد استنفرت محبيها ومؤيديها حول العالم أجمع، وفتحت لهم باباً كان مغلقاً في السابق، وسهلت عليهم التبرع والدعم بأسهل وأسرع الطرق المتوفرة في ساحة الفضاء الإلكتروني".

مهارة.. أخطاء.. ومخاطر

ومن ناحية تخصصية أكثر، فقد تحدث الخبير الفني في المجال الالكتروني حسن سكيك لـ "زوايا" عن الأدوات والأجهزة المستخدمة بالتداول في العملات الرقمية المشفرة، فذكر أنها لا تحتاج إلى أكثر من جهاز جوال أو كمبيوتر يكون متصلاً بالإنترنت، ومن خلال ذلك يُمكن فتح حساب على المنصة التي يريد الشخص التداول فيها، وذلك شرط أن يشحن رصيد محفظته الإلكترونية بمبلغ مالي.

اقرأ أيضاً: شبح البطالة يخيم على مهنة الصحافة والإعلام بغزة

وأشار إلى أن نظام الشراء والاستثمار في العملات الرقمية له "طريقتان"، وفق تعبيره، الأولى: مدرسة المستثمر، حيث يقوم الأخير بوضع نقوده فيها وتنويع سلة محفظته بأكثر من عملة ويتركهم لفترة قد تتراوح ما بين سنة أوسنتين ويرجع لها بعد فترة يجدها قد زادت نتيجة لتضاعف سعر العملة لمرة أو مرتين أو ثلاثة أو أكثر لربما، منوهاً أن هناك عملات تضاعفت خلال عام لألف وألفين وثلاثة آلاف بالمائة.

أما الطريقة الثانية –حسب سكيك- فهي طريقة المضاربة من خلال القيام بعمليات بيع وشراء كثيرة حسب الفرصة المتاحة أمامه ويكون أرباحها بسيطة. ويرجع العمل بالطريقتين إلى أسلوب المستثمر أو المضارب.

وحول المهارات التقنية التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي يرغب بالتداول بالعملات الرقمية، فقد أكد سكيك أنه يجب أن يتمتع بمهارات تقنية في استخدام الكمبيوتر أو الجوال، فضلاً عن المعرفة الجيدة في استخدام البرامج والمنصات وكيفية التعامل معها ليس أكثر.

ولكن سكيك حذر من أن أي "ضغطة خاطئة" للشخص المتداول، قد تتسبب في ضياع كل أمواله، فإذا لم يكن مدركاً ما الذي يعمله، فيمكن أن تتبخر كل نقوده من خلال تحويلها لشخص آخر بالخطأ أو من خلال ضياع "البسوورد" أو الدخول على نظام تداول ما يسمى "الفيوتشر" الذي يعطي أضعافاً للمبلغ الذي يتم استثماره، ويكون فيها الربح والخسارة مضاعفاً، وربما تكون فرص الخسارة  كبيرة. 

وحول  مدى القدرة على تحديد وملاحقة مواقع من يتعاملون بالعملات الرقمية، فقد ذكر سكيك أن العملات الرقمية بشكل أساسي هي محمية جداً، ولا يستطيع أحد تتبُع الشخص الذي يشتري ويبيع في العملات، لأنها تعتمد على تقنية "بلوك تشين" وهي أعلى تقنية تشفير وحماية في العالم.

وأوضح أن البيانات عن من يبيعون ويشترون وفق هذه التقنية تكون مخزنة على آلاف السيرفرات، فإذا استطاعت أي جهة الوصول للسيرفر، فإنها لا تستطيع الاطلاع على بيانات أو معلومات الشخص المتداول.

أما عن خطورة العمل بالعملات الرقمية وسرية البيانات، فقد أكد سكيك أن سياسة المواقع ومنصات التداول تُلزم الأشخاص الافصاح عن بياناتهم حتى يتم التداول في العملات عملاً بسياسة "كي واي سي-اعرف عميلك"، وذلك للحماية من غسيل وتبيض الأموال وعمليات ما يسمى دعم الإرهاب.

وأشار إلى أن الحكومات تمنع هذه المنصات من التداول لأشخاص مجهولين، وربما يصل الأمر إلى الطلب بإرسال الصورة الشخصية وجواز السفر للتحقق من هوية المتعامِل أو المتداوِل.

وتطرق سكيك، إلى أن هناك نظام يسمى بـ"التنقيب" في العملات، وهو يختلف اختلافا كاملا عن التداول والاستثمار في العملات الرقمية، فهو كالتنقيب عن الذهب والبترول.

وشرح أن "التنقيب عن العملات يكون عن طريق حل معادلات رياضية وهي تحتاج لأجهزة ضخمة ومعدات تكنولوجية عالية مع استهلاك كهربائي عالي جداً، وذلك حتى تتمكن تلك الأجهزة من حل هذه المعادلات، وبالتالي يتم التنقيب عن هذه العملات واستخراجها، حيث يُمكن للشخص الذي يُنقب أن يتوفر لديه العديد من العملات التي يستطيع البيع والشراء فيها بعد نجاحه في عملية التنقيب.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo