الاستغلال يطال الحوالات المالية.. على من تقع المسؤولية؟

صورة من أمام مكاتب الصرافة بغزة
صورة من أمام مكاتب الصرافة بغزة

بعد طول انتظار ولهفة، تلقى المواطن ناهض الدريملي من قطاع غزة، رسالة على جواله تفيده بوصول حوالة مالية بقيمة 1300$ من شقيقه في الخارج إلى أحد محلات الصرافة، ولكنه تفاجأ بصرفها له بعملة الشيكل منقوصة خمسة شيكل على كل 100$، غير عمولة الحوالة.

هذا الأمر دعا الدريملي للاستغراب وسؤال الصراف عن السبب؟، فكانت الإجابة "أنه لا يوجد دولار في الوقت الراهن، وقد تم الصرف حسب سعر الدولار الحالي"، فما كان منه إلا أن يقبل مضطراً بما قاله الصراف، بعد أن أبلغه الأخير "أنه لامجال لغير ذلك، و إذا مش عاجبك اتصل على أخوك يحولك عند غيرنا!".

حال "الدريملي" كحال المئات من الغزيين الذي ينتظرون بشغف الحوالات المالية، خاصة في شهر رمضان أو على أعتاب العيد من أقاربهم أو معارفهم أو المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني من الخارج ولاسيما من دول الخليج وأوروبا، وذلك على شكل "عيدية أو زكاة مال أو حتى مساعدة مالية تعينهم على قضاء حوائجهم الرمضانية أو كسوة العيد وما شابه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع منذ سنوات".

ويعيش سكان قطاع غزة البلغ عددهم حوالي مليوني نسمة، منذ أكثر من 15 عاماً أوضاعاً إنسانية صعبة وفق مؤسسات حقوقية، وذلك في ظل ارتفاع مستويات الفقر والبطالة التي تجاوزت نسبة الفقر فيه 70%، بينما البطالة حوالي 50%، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2021.

تبرير.. المشكلة في البنوك

وحاول عمر الترك صاحب "مكة للصرافة" تبرير جزء مما نقله موقع "زوايا" بشأن شكوى "الدريملي" وغيره من المواطنين بالخصوص، فأرجع عدم التزامهم بأسعار الصرف "حسب البورصة" إلى عدم قبول البنوك الفلسطينية في القطاع بالشيكل لوجود فائض لديها في هذه العملة وعدم بيعها للدولار بحجة عدم توفره لديها بشكل كافِ.

وقال: "نحن في قطاع غزة بلد محاصر وليس كمناطق الجوار مثل (إسرائيل) التي لا تعاني من هكذا أزمات، والتي يتم التداول فيها عبر البنك المركزي بسعر البورصة بالضبط، إضافة إلى توفير الحماية من التأمين".

وأضاف "مشكلتنا أننا في بلاد مسكرة، فيها عرض وطلب، ويشح لدينا الدولار أو الشيكل أو حتى الدينار(..) نحن الصرافون لسنا أقوى من البنوك، فالتزامنا مرتبط بالتزام البنوك إذا كانت قوية وتساعدنا".

اقرأ أيضاً: صحف عبرية: إسرائيل قدمت تنازلات واسعة خشية المواجهة مع غزة

وكرر الترك بأنهم لا يستطيعون الالتزام بسعر البورصة، ضارباً مثال "حين يأتيني تاجر يشتري 100 ألف دولار بسعر الـ100 دولار بـ330 شيقل وغيره بـ331 وغيره 332 وهكذا، فحينها يكون لدينا طلب على الدولار فلا نجده، فضلاً عن أن البنوك لا تقبل الشيكل، الأمر الذي يشكل لدينا فائضا في الشيكل أو العكس".

وأرجع الترك المشكلة إلى البنوك وليس إلى الصرافين، مضيفاً "لو البنوك تساعدنا في الشراء يحدث العرض وبتمشي الدنيا، أو يشتروا منا الدولار ويعطونا الشيكل"، حسب تعبيره.

 الرقابة والانقسام!

وعلى ضوء شكوى "الدريملي" والكثير من الشكاوى المماثلة، فقد كانت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة، قد دعت في بيان لها أصحاب محلات الصرافة إلى الالتزام بأسعار الصرف للحوالات الواردة من الخارج.

ويشمل الالتزام بأسعار الصرف المتداولة عند صرف قيمة الحوالة أو تسليم المواطن الحوالة بقيمة نوع العملة الواردة فيها الحوالة بناء على رغبته، مبينة أنها ستقوم باتخاذ المقتضى القانوني بحق المخالفين، حيث أهابت بالمواطنين التواصل معها والإبلاغ عن أي مخالفة في حال عدم التزام أصحاب محلات الصرافة بما أعلنته الوزارة .

وأوضح عبد الله أبو رويضة مدير عام الشركات بوزارة الاقتصاد في غزة لـ"زوايا" أن قرار وزارته الأخير يأتي في ضوء استغلال "بعض الصرافين" للمواطنين من خلال التلاعب في عملة الحوالة بالادعاء أنها غير متوفرة وموجودة طرف محل الصرافة، فيضطر المواطن لأخذ عملة الشيكل بأقل من سعر السوق بفارق كبير.

ولفت إلى أن "بعض الصرافين" يستغل حاجة المواطنين وضيق وقت تاريخ الحوالة آخر أسبوع قبل الأعياد فيستغل حاجتهم و يظفر بمبلغ إضافي زيادة عن عمولة الحوالة، ولكنه نوه قائلاً: "كما أن هناك صرافين مستغِلين، فإن هناك بعض الصرافين ملتزمين بمبلغ الحوالة ونوع العملة وهم نموذج ملتزم ومتفهم لحاجات الناس وعدم استغلالهم".

وأشار أبو رويضة أن هذه مشكلة قديمة جديدة تظهر واضحة وجلية في مواسم الأعياد، نظراً لاستقبال العديد من مواطني غزة حوالات مالية من أقاربهم من الخارج، سواء كانت هذه الحوالات زكاة مال أو مساعدات مالية أو عيدية...الخ.

وفي هذا الصدد، أكد أن وزارة الاقتصاد بغزة تتابع حالة الأسواق، وبعد اطلاعها على مثل هذه الحالات، فقد أصدرت القرار المذكور وهو ليس الأول، حيث يوجد قرارات سابقة مثل مساواة سعر صرف الدولار الأبيض بالدولار الأزرق وغيره من القرارات.

وذكر أبو رويضة أن الهدف من القرارات جميعها حماية المواطن الفلسطيني من الاستغلال، وذلك استناداً إلى قانون حماية المستهلك المعمول به رقم 21 لسنه 2005 وتعديلاته وعلى قانون الشركات رقم 7 لسنه 2012 وتعديلاته، وبناءً على مقتضيات المصلحة العامة وحسن سير العمل.

وحول دواعي إقحام وزارة الاقتصاد نفسها بمهام سلطة النقد في هذا الجانب، فقد اعتبر أبو رويضة أن تدخل وزارته يأتي استكمالاً لدور سلطة النقد والذي تلعب دوراً أساسياً في الرقابة على جميع محلات الصرافة المرخصة والتي تتعامل بالحوالات المالية، كونها الجهة الفنية والرقابية لها، وتفرض شروطاً مشددة للترخيص ومزاولة مهنة الصرافة و حصول محلات الصرافة على خدمة التحويلات المالية.

ويرى أبو رويضة أن سلطة النقد لها سلطة رقابية قوية على محلات الصرافة و بمقدورها سحب التراخيص أو إيقاف خدمات التحويل لهذه المحلات في حال مخالفة هذه المحلات تعميمات سلطة النقد، مضيفاً "لا نقول هناك غياب لدور سلطة النقد في الحد من ظاهرة التلاعب في مواضيع الحوالات، بل هناك ضعف واضح في هذا المجال، ونعزو السبب للانقسام الفلسطيني وعدم وجود تعاون مشترك حقيقي بين وزارة الاقتصاد وسلطة النقد".

وركز أبو رويضة على دور سلطة النقد البارز في ترخيص محلات الصرافة ومنحهم شهادة مزاولة هو التأكد من وجود كامل مبلغ رأس المال المصرح به في نظام سلطة النقد المعمول به للشركات سواء شركات التضامن أو ذات مسؤولية محدودة موجودة لدى محلات الصرافة من عدمه.

وعاد أبو رويضة ليؤكد أن ما قامت به وزارة الاقتصاد في قطاع غزة من إصدار مثل هذه التعميمات، جاء بناء على وجود عدة شكاوى من المواطنين تواصلوا مع دائرة الشكاوى في الوزارة، والتي بدورها شكلت فريق متابعة لهذه الشكاوى، حيث تم حل جزء كبير منها مع الصرافين وسيتم تحويل المخالفين للنيابة العامة لوجود محاضر ضبط حالات استغلال لبعض المواطنين.

وجدد دعوته للمواطنين بالتواصل مع الوزارة للإبلاغ عن حالات الاستغلال والتلاعب التي تتم حتى يتم إنهاء مثل هذه الحالات وحماية المستهلك الفلسطيني وخدمته، مؤكداً أنهم لمسوا بعد إخطار محلات الصرافة والصرافين بالقرار، التغذية الراجعة من أصحاب التحويلات واستشعروا مدى رضاهم عن آثار القرار ونتائجه.

أرقام ومحددات

بدوره يقول جهاد بسيسو، عضو نقابة الصرافين ومالك مكتب للصرافة، إن ملايين الدولارات تصل محلات الصرافة في شهر رمضان، حيث إن المكتب الواحد يصله ما لا يقل عن مليون دولار أمريكي، مشيراً إلى أن الدعم المالي الذي يأتي من فلسطينيي الخارج ويُضخ في قطاع غزة يؤثر بشكل إيجابي على الحركة الشرائية في السوق.

وذكر بسيسو لـ "نون بوست" أن حجم الأموال التي تصل محل الصرافة في رمضان لا يقارن ببقية الشهور، التي تكون الحركة فيها عادة نهاية الشهر، مبيناً أن الصرافين يواصلون عملهم ليل نهار في الشهر الكريم، خاصة أن الدعم لا يكون فقط من الأقارب، بل هناك تبرعات تصل إلى الناس الفقيرة عبر جمعيات إغاثية تحول آلاف الدولارات لدعم الغزيين.

اقرأ أيضاً: إسناد حكومي غير كافٍ.. الضرائب في غزة تثقل كاهل المواطنين

ويلفت بسيسو إلى أن أكثر البلاد التي تُحول منها مبالغ مالية لقطاع غزة المحاصر، هي بالدرجة الأولى دول الخليج العربي ومن ثم أوروبا، موضحاً أن كل دولة تسمح بمبلغ معين لتحويله، وذلك فقط ما يحدده قانون البنك المركزي التابع لها.

وأشار إلى أن مكاتب الصرافة ترسل بشكل أسبوعي تقارير إلى سلطة النقد بحجم الحوالات التي وصلتها، خاصة أن البرنامج الذي يعملون وفقه لسحب الحوالات مرتبط مع سلطة النقد، مبيناً أنه في حال لم يعرف الزبون من هو مرسل الحوالة أو الدولة التي جاءت منها، لا تُصرف له أو تلغى.

وذكر بسيسو أنه في حال وصل مبلغ تجاوز الـ 7000 دولار لشخص واحد، دون توضيح الأسباب أو ماهية صلته بالمرسل، تُلغى أيضاً، خاصة لو كان يشوبها شبهات فساد.

أدوار ومسؤوليات غائبة

ومن وجهة نظر تحليلية، فقد أكد أحمد أبو قمر الكاتب والمختص في الشأن الاقتصادي لـ"زوايا" أن سوق الصرف في قطاع غزة يعاني من عدة اختلالات وتجاوزات بفعل الحصار المالي المفروض على قطاع غزة، حيث أنه منذ بدء الانقسام تقوم سلطة النقد بإصدار التشريعات والأوامر للصرافين دون متابعتها ودون عقاب لمن لا يلتزم بها.

وتوقع أبو قمر أن ما سبق ذكره، هو ما دفع وزارة الاقتصاد في غزة لتولي بعض المهام التنفيذية لسلطة النقد، عاداً أن هذه مشكلة يجب على سلطة النقد أن تتحمل مسؤولياتها التشريعية والتنفيذية تجاه الزام الصرافين.

ويرى أبو قمر في حديثه لـ"زوايا" أن بيان وزارة الاقتصاد الأخير بالخصوص الذي يحض الصرافين على الالتزام بصرف الحوالات بنفس العملة والقيمة "لن يجدي نفعاً وهي محاولات متكررة دون جدوى".

وحول الدور المنوط بسلطة النقد إزاء ذلك، ولماذا تتنصل من مسؤولياتها في هذا الجانب؟، فقد شدد أبو قمر بأن المسؤولية الأولى تقع على سلطة النقد لإلزام الصرافين بتنفيذ التعليمات، وبصفتها صاحبة جهة منح التراخيص للصرافين ومكاتب الحوالات المالية واصدار التشريعات بذلك.

وعاد ليكرر "يبدو أن الانقسام أثر على النظام المصرفي في غزة والحصار المالي أيضاً، وبالتالي على سلطة النقد أن تتولى المهمة بالكامل فيما يتعلق بالنظام المصرفي وسد الثغرات التي تلحق به أياً كانت".

وعن الجوانب الأخرى لدور سلطة النقد الواجبة لضبط القطاع المصرفي في غزة، فقد اعتبر أنه على سلطة النقد توفير العجز من العملات التي يحتاجها الصرافون والتوافق مع سلطات الاحتلال على إخراج الفائض، وهو ما سيمنع مشكلة اختلاف سعر الصرف في الشاشة عن سعر الصرف في السوق، وكذلك على سلطة النقد التحدث مع البنوك على التعاون أكبر مع الصرافين في قبول الكميات الفائضة وضخ ما ينقص منها للسوق وهو ما سيقضي على السوق السوداء، على حد تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo