المسؤولية الفردية في القرآن الكريم

قراءة القران الكريم
قراءة القران الكريم

لا يذهب العنوان في اتجاه تخلي الإنسان عن مسئولياته تجاه الآخرين أبداً، فتلك مسألة محسومة في القرآن الكريم، فخير الناس أنفعهم للناس" أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وليس هناك أحب إلى الله سبحانه وتعالى من الإنسان النافع لغيره أياً كانت تلك المنفعة التي يقدمها الإنسان للآخرين، فالمصلح، والمتصدق، والمحسن، كل أولئك وغيرهم ممن شهدت لهم آيات القرآن الكريم بأن الله يحبهم، وأن لهم على منفعتهم، وإحسانهم للآخرين إحساناً عند رب العالمين" فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان".

غرض العنوان إذن ليس التخلي عن نفع الآخرين، إنما مسئوليتك الشخصية عن اختياراتك أنت، وتحملك وحدك نتيجة هذه الاختيارات، وتحديداً تلك التي وهبك الله القدرة على اختيارها.

لقد قررت آيات القرآن الكريم مبدأً في غاية الوضوح حول المسئولية الفردية عن الأعمال، فلقد قال القرآن:" ولا تزر وازرة وزر أخرى"، حتى أولئك الذين يدعون الناس إلى اتباعهم في الحياة الدنيا سرعان ما يتخلون عنهم في الآخرة" إذ تبرأ الذين اتُّبِعُوا من الذين اتَّبَعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب"، ولا يكفي قول التابعين يوم القيامة: بأنهم كانوا تابعين" وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا☆ ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً".. " حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون"

ومن المقرر أيضاً في القرآن الكريم بأن أقرب الناس إليك في الحياة الدنيا أولهم فراراً منك يوم القيامة" يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرء منهم يومئذ شأن يغينيه".." يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق..."

اقرأ أيضاً: الأقفاص البحرية بغزة.. مشروع واعد هل يُعوض الفاقد؟

ليس هناك أي لبس في هذا المنطق القرآني، فأنت وحدك من تتحمل مسئولية اختياراتك، مع ملاحظة أن الله سبحانه وتعالى أعلم من خلقه بجملة المؤثرات التي تلقي بظلالها على تلك الاختيارات، وأي منها لا يد للإنسان فيه- أي للمؤثرات- حيث من المؤكد أن ما نحن أحرار في اختياره يخضع بدوره إلى مؤثرات جانبية لا يد لنا فيها في بعض الأحيان، ولذلك فإن العدالة اقتضت ألا يحاسبنا على اختياراتنا إلا من يحيط بكل ما له تأثير على ما اخترناه، وهو يقيناً الله وحده سبحانه وتعالى، والذي أكد هذه الحقيقة الثابتة، ونفاها عن أي من مخلوقاته، ولا حتى أنبيائه عليهم السلام" ما عليك من حسابهم من شيء".." إنما عليك البلاغ.. وعلينا الحساب"

لكن، ومع وجود هذه المؤثرات، فإن مساحة حرية الاختيار لا تنعدم بالمطلق، وتبقى هناك مسئولية خاصة لكل منا عن المساحة المتبقية، والتي نتحكم نحن في استخدامها، والاستفادة منها، من خلال مسئوليتنا عن إعمال عقولنا، وفحص اختياراتنا، وعدم التذرع باتباع السادة، والكبراء، ولا حتى ميراث الآباء والأجداد" بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"

ولأن المسألة كذلك، ولأنك وحدك المسئول عما تختار، فلقد قرر القرآن الكريم أيضاً أن لا أحد يحق له أن يفرض عليك- ولا حتى النبي عليه السلام- ولو أهم القضايا الدينية، وعلى رأسها الإيمان، والكفر، حيث ما قيمة أن تفرض عليّ ما لا أؤمن به، خاصة بعد أن نعرف أن الإيمان مقره القلب، فمن هذا الذي يستطيع- غير الله- أن يعرف ما استقر في قلبي؟! بل الإيمان والكفر من أكثر القضايا التي لا يوجد فيها أي قيمة للإكراه، ولقد منع القرآن الكريم النبي نفسه من مجرد التفكير في الإكراه" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" بل ولا حتى أن يدخل الهداية إلى قلب من أحب" إنك لا تهدي من أحببت" فالمسألة محسومة في اتجاه الاختيار الحر، حتى يتحقق مبدأ المسئولية الفردية عن هذا الاختيار" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

لاحظوا:

  • الإنسان مسئول حصراً عن أعمال نفسه، واختياراته الخاصة، ولن يتحمل عنه أحد وزر اختياراته.
  • الإنسان حر فيما يختار، وإلا فكيف يكون وزره على نفسه.
  • لا أحد يملك حق إكراهك على ما لا تقبله.

مع ملاحظة أن الحديث هنا يدور عن اختياراتك الدينية، ونتائجها الأخروية، وليس فيما هو دنيوي مما من شأنه أن يضر بالآخرين.

اقرأ أيضاً: مشعل يكشف تفاصيل معركة "حافة الهاوية" بين المقاومة والاحتلال

إن كانت المسألة كذلك، فإنني أستطيع القول بوضوح: إن مبدأ الحرية الفردية هو مبدأ قرآني ثابت، وأن معيار تقيبد تلك الحريات مرتبط بعدم المساس بحريات الآخرين، أو الإضرار بهم، وما دون ذلك فلا قيمة لأي إكراه تمارسه أي جهة من خارج الإنسان ذاته، وعليه فإن كل ما كان في تارخنا القديم، والحديث على السواء من محاولات إكراه الآخرين على اختياراتهم الدينية، أو محاسبتهم دنيوياً بغرض منعهم من حرية اختيارهم، مما يضعهم في حالة من الخوف، والإرهاب تحول دون حرية الاختيار، فكل هذا لا علاقة للقرآن الكريم به، ولا لدين القرآن، إنما مدخلات خارجية يمكن اعتبارها جزءاً من الدين الموازي الذي تم استبدال دين القرآن به.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo