الأقفاص البحرية بغزة.. مشروع واعد هل يُعوض الفاقد؟

الأقفاص البحرية في بحر غزة
الأقفاص البحرية في بحر غزة

نظراً لمحدودية الصيد البحري بسبب مضايقات الاحتلال الإسرائيلي للصيادين وتحديد مسافة الصيد في بحر قطاع غزة، فإن ذلك يفرض على الجهات الحكومية والمؤسسات الداعمة لقطاع الصيد والصيادين تعزيز بيئة الاستثمار في الاستزراع السمكي خارج وداخل البحر.

فبعد اللجوء للاستزراع السمكي خارج البحر وتحقيقه نسبة في توفير الأسماك للسوق المحلي الغزاوي وكذلك التسويق للضفة الغربية، فقد تطور التفكير إلى الاستزراع داخل البحر عبر ما يسمى "الأقفاص البحرية"، باعتبارها أول تجربة في القطاع، بالرغم من أنها تنفذ منذ سنوات في دول عدة.

ووفقاً لإحصاءات وزارة الزراعة، فإن إنتاج المزارع السمكية في قطاع غزة (خارج البحر)، يشهد نمواً كبيراً، حيث ارتفع من 10 أطنان في عام 2010 إلى 600 طن في عام 2021، علماً أن عمل معظم هذه المزارع يتركز أكثر إنتاجها من "سمك الدنيس"، نظراً لقبوله شعبياً وكثرة طلبه من المطاعم.

أول تجربة في غزة

أما فيما يخص الاستزراع (داخل البحر)، فقد ذكر وليد ثابت مدير عام الثروة السمكية في قطاع غزة، أن مشروع الاستزراع السمكي داخل البحر يتألف من ثلاثة أقفاص بحرية، تستوعب نحو30 ألف سمكة، ويبلغ قطر الواحد منها 15 متراً وارتفاع 12 متراً، وتوجد على بُعد أربعة أميال بحرية مقابل مدينة خان يونس جنوب القطاع.

04.jpg

وأوضح ثابت لـ "زوايا" أن القدرة الإنتاجية المتوقعة لهذه الأقفاص الثلاثة تُقدر حوالي 120 طن من سمك الدنيس، باعتباره الأكثر رواجاً لدى المستهلك الفلسطيني، ولكنه لفت إلى أن كمية أول إنتاج متوقعة في يونيو القادم، سوف تنخفض وقد لتصل إلى 70 طن، وذلك بسبب "النواة البحرية" وسوء الأجوال الجوية التي طرأت وأحدثت بعض المشكلات الفنية وأدت إلى تسرب ونفوق كميات من أسماك الدنيس المستزرعة من داخل هذه الأقفاص.

وذكر ثابت أن بداية المشروع كانت في 2018 بتمويل من الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي (ACIS) إيطاليا، بينما الجهة المسؤولة عن التنفيذ هي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (F.A.O- الفاو).

كما تم تنفيذ المشروع –حسب ثابت- من قبل شركة محلية وهي "سقا وخضري"، لافتاً إلى أن التأخير في تنفيذ المشروع كان بسبب ظروف الحصار والموافقات الأمنية الإسرائيلية على إدخال المعدات والمواد لصالح المشروع والتي استغرقت من 3 إلى 4 سنوات.

وأكد ثابت أن مشروع الأقفاص البحرية بمثابة تجربة لأول مرة في قطاع غزة والهدف منها "تعويض النقص في الصيد البحري، وتوفير فرص عمل للعاملين في مجال الصيد، ودعم قطاع الصيد والصيادين من خلال أرباح هذا المشروع، فضلاً عن تخفيض أسعار أسماك الدنيس على الصعيد المحلي".

02.jpg

كما تطرق ثابت للحديث عن معوقات مشروع الاستزراع والأقفاص البحرية، ومن أهمها "الاحتلال الإسرائيلي وممارساته داخل بحر غزة، وصعوبة الحصول على المواد الخاصة بالأقفاص وإدخالها للقطاع، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأعلاف الخاصة بالأسماك".

وأردف أنه جرى تحديد المنطقة البحرية لتنفيذ مشروع الاقفاص البحرية، بناءً على طبوغرافية ما تحت الماء، بحيث تكون في منطقة شبه تصحر، لا توجد فيها صخور لنمو الأسماك، وتكوينات لمجموعات سمكية نتيجة لوجود الأعلاف في الأقفاص، مبيناً أنه يعمل في هذا المشروع –بشكل مبدئي- أربعة غواصين مدربين على الغطس والتعامل مع أسماك الأقفاص البحرية، حيث تلقوا دورات تدريبية في هذا المجال من قبل خبير دولي.

ورافق هؤلاء الغواصين في أحد أيام عملهم اليومي لتغذية سمك الدنيس في الأقفاص البحرية، الصحفي الهاوي لرياضة الغطس والصيد بالمسدس البحري محمد أسعد، حيث نشر على قناته الشخصية على اليوتيوب تجربته التي وصفها "بالرائعة"، مشيداً بهذا الإنجاز الهام.

هل تزاحم الصيادين؟

بدوره، فقد اعتبر نزار عياش نقيب الصيادين، أن الاستزراع السمكي في البحر يختلف تماماً عن الاستزراع خارجه، وذلك نظراً للجهد والمعدات اللازمة التي يماطل الاحتلال في إدخالها للقطاع، حيث أن مشروع الأقفاص البحرية لأول مرة يتم تنفيذه في قطاع غزة، عاداً أنها تجربة ناجحة رغم ما اعترى المشروع من بعض المشكلات تمثلت في نفوق كمية من السمك المستزرع، علماً أن ذلك كان متوقعاً حاله حال أي مزرعة يكون فيها نفوق بنسبة معينة مثل مزارع الدجاج وغيرها.

ويرى عياش في حديثه لـ"زوايا" أنه لا يمكن أن تزاحم الأقفاص البحرية الصيادين في أعمالهم وأرزاقهم، حيث أن القطاع يعاني من نقص في كمية الأسماك المُصطادة من البحر، وبالتالي يمكن لهذه الأقفاص أن تغطي جزءاً من الفاقد في السوق المحلي ومن احتياج سكان القطاع للأسماك.

وأوضح عياش أن من يدير الأقفاص البحرية هو صندوق الاستثمار الذي يتألف من خمسة أعصاء برئاسته، لافتاً إلى أنه كان يفترض أن تسجل هذه الأقفاص تحت مظلة نقابة الصيادين، ولكن نظراً لأن الحسابات البنكية للنقابة مغلقة، فقد تم التوافق على إدارتها من صندوق الاستثمار.

وحول الجهة الرقابية المفترضة على هذا المشروع مثل وزارة الزراعة الراعية لقطاع الثروة السمكية في القطاع، فقد ذكر عياش أن للزراعة دور فني في المتابعة، ولكن بحكم أن النقابة وجمعية الصيادين يندرجان تحت مظلة وزارة العدل، فإن الأخيرة هي الجهة الرقابية التي تقوم بهذا الدور حالياً.

وتوقع عياش دخول القطاع الخاص على خط الاستثمار في الاستزراع السمكي داخل البحر، غير أن ذلك مرتبط بنجاح التجربة الأولى وبعد تبيان العائد المادي والنجاح في هذا المجال، منوهاً إلى أنه يمكن من خلال أرباح المشروع الحالي التوسع في إنشاء أقفاص بحرية جديدة ودعم قطاع الصيد والصيادين.

يذكر أنه يعمل في مهنة الصيد البحري نحو 4452 صياداً، يعيلون قرابة ٧٠٠٠ فرداً، حيث يملكون 1583 مركباً من مختلف الأنواع.

تخوفات من الاستثمار!

وعطفاً على ما سبق، فقد اعتبر محمد الحاج صاحب مزرعة البحار للاستزراع السمكي، أن الاستزراع داخل البحر ليس سهلاً في ظل الامكانيات المحدودة في غزة، لافتاً إلى عدم وجود قوارب كبيرة مثبت عليها معدات نقل مثل "المنوفات"، عاداً أن عملية نقل بذور الأسماك من المزرعة للأقفاص عملية صعبة ومعقدة.

فضلاً عن الاستزراع داخل البحر-بحسب حديث الحاج لـ "زوايا" - بحاجة إلى متابعة دائمة، وهذا لا يتوفر في ظل انعدام الأمن والحماية من اعتداءات الاحتلال والاستهداف في أي تصعيد أو حرب على القطاع. واضاف "نحن بلد محاصر ومغلق المعابر ولدينا التسويق والتصدير محدود".

ورغم إقرار الحاج بأن الاستزراع داخل البحر لا يُزاحم عملهم وانتاجهم من الاستزراع خارجه، فقد توقع عدم نجاح مشروع الأقفاص البحرية في بداياته بنسبة مائة بالمائة، ولكن ربما بعد خمسة أعوام تكتمل هذه النسبة، كما قال.

02.jpg

كما يرى الحاج بأن مشروع الأقفاص البحرية، لا يمكن أن يؤثر على التسويق المحلي أو التصديري للأسماك، ذلك لأن الأقفاص انتاجها محدود الكمية في هذه المرحلة، حيث لا يتعدى انتاجها الـ 100 طن، فضلاً عن أن مشكلات كثيرة حدثت في هذه الأقفاص تُقلل من هذه الكمية المذكورة، حسب معلوماته.

وأكد الحاج جازماً في نهاية حديثه، بأنهم في القطاع الخاص للاستزراع السمكي "لن يتجهوا للاستزراع في الاقفاص البحرية إلا بعد زوال الأسباب المعيقة التي ذكرها سالفاً، وكذلك تلمسهم نجاح التجربة الحالية في البحر".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo