مما تخشى السلطة..لو طبقت قرارات "المركزي"؟

من اجتماعات المجلس المركزي
من اجتماعات المجلس المركزي

ضاعف تأجيل اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله، الذي كان مقرراً ليل الأحد، إلى أجل غير مسمى، حدة الانتقادات الموجهة من الشارع الفلسطيني نحو السلطة، خاصة وأن البعض اعتبر التأجيل هروباً من الإستحقاق الرامي إلى وضع الآليات التنفيذية لتطبيق قرارات المجلس "المركزي" الأخير، بشأن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل بموازاة تجميد العمل بالإتفاقيات معها، خاصة في الوضع الميداني والسياسي الراهن الذي يضع مستقبل السلطة على المحك.

مسؤول في حركة "فتح" كشف لموقع "زوايا" أنه كان يعلم مُسبقاً، منذ يومين، بعدم عقد الإجتماع المذكور، رغم تحديد موعده. وبرر ذلك، بطرح سؤال مفاده: "ماذا يُتوقع من سلطة تحت احتلال؟".. في محاولة ضمنية منه لتبرير عدم مقدرة السلطة على تطبيق قرارات المركزي، أو اتخاذ أي قرارات نوعية، من منطلق أنها "لا حول لها ولا قوة..كما الشعب الرازح تحت الإحتلال".

لكن..ماذا يمنع السلطة الفلسطينية من تنفيذ قرارات "المركزي" بوقف التنسيق الأمني والإتفاقيات معها؟..بالرغم من الترويج لها مرات عديدة منذ سنوات!

أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بيرزيت د.غسان الخطيب، أكد أن المجلس "المركزي" هو بمثابة برلمان وليس سلطة تنفيذية، موضحاً أن البرلمانات، بالعادة، ليس من اختصاصها اتخاذ الإجراءات التنفيذية، بل هي تضع توجهات وتوصيات عامة، بينما تكون اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الجهة المنوط بها تنفيذ القرارات، إذا أمكنها ذلك.

"قرارات المركزي غير قابلة للتطبيق..مع بقاء السلطة"!

واعتبر الخطيب، في حديثه لموقع "زوايا"، أن قرارات المركزي هي قرارات غير قابلة للتطبيق مع بقاء السلطة؛ بمعنى "لو تم التفكير بالأمر بشكل موضوعي، سنرى أن تطبيق القرارات يعني نهاية السلطة"، حسب الخطيب..وهو ما دفعه إلى وصف هذه الحالة ب"تناقض بنيوي وموضوعي بهذه القرارات".

اقرأ أيضاً: مشعل يكشف تفاصيل معركة "حافة الهاوية" بين المقاومة والاحتلال

وتابع: "من الصعب جدا أن تتخذ القرارات التي يؤدي تنفيذها إلى زوال الجهة التي اتخذت مثل هذه القرارات؛ لأن السلطة نشأت نتيجة هذه الإتفاقيات، وبالتالي إيقاف الإلتزام بهذه الاتفاقيات مع إسرائيل، سيؤدي، بالمحصلة، إلى نهاية وجود السلطة".

لذا، شدد غسان الخطيب على أن المنظمة عندما تتخذ قرارات من هذا النوع، يجب عليها أن تدرس مسبقاً التبعات وتعالج بشكل مسبق التداعيات التي ستنشأ عن تنفيذ مثل هذا القرار، مبيناً أن هذه الدراسة الإستباقية لم تتم في الواقع.

وخلص الخطيب إلى القول إن قضية تطبيق قرارات "المركزي" بهذا الخصوص، هي مسألة كبيرة جداً وبحاجة إلى تحضير، مشيراً إلى أن أخذ قرارات من هذا النوع، والتي لها تداعيات بهذا المستوى، بحاجة الى جاهزية؛ بغية التعاطي مع التداعيات والتبعيات، وهذا ما لا يتم، وفق الخطيب.

"مشكلة تواصل بين القيادة والجمهور"

واعتبر الخطيب أن موضوع "قرارات المركزي"، قد شكل مثالا آخر على مشكلة بالتواصل بين القيادة والجمهور، وافتقار للمعلومات اللازمة.. مؤكداً أن الأصل هو أن يكون هناك توضيح وتفسير من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، للسؤال المركزي: لماذا لا يتم تنفيذ توصيات "المركزي"، وقبله "الوطني"، بشأن تحديد العلاقة مع إسرائيل؟

وأوضح الخطيب أنه ربما هناك ما يبرر عدم التطبيق، وربما لا مبرر..لكن الإشكالية أنه في حال عدم شرح وتفسير الأمر وتبريره والدفاع عنه، فإن الفجوة بين السلطة والشارع تتعزز أكثر، نتيجة تراجع الثقة، وهو الأمر الذي يلحق الضرر بالمؤسسات السياسية، بحسب الخطيب.

"عباس لا يطبق القرارات لأنها ستجلب ثمنا باهظا"

بيدَ أن أستاذ الفلسفة البروفيسور سعيد زيداني، فقد رأى أن المسألة ليست متعلقة بصعوبة التنفيذ، وإنما بموقع السلطة ومنظمة التحرير، مبيناً أن وقف التنسيق الأمني والعمل ببروتوكول باريس الاقتصادي، بموازاة تجميد الإعتراف بإسرائيل، فإن معنى ذلك "أنك في حالة مواجهة مع إسرائيل، والأخيرة تستطيع اتخاذ قرارات قاسية جدا ضد السلطة..والسلطة ورئيسها يعرفون ذلك، ولذلك لا يريدون دفع الثمن الباهظ".

وحسب زيداني، فإن عباس والسلطة يريدون تطبيق قرارات المركزي، ولكنهم لا يريدون دفع الثمن. ومن هنا، يكون التأجيل في عملية التطبيق أو المماطلة، أو عدم الصدق في ذلك. وتابع زيداني: "تطبيق القرارات يعني أن السلطة في حالة حرب مع إسرائيل وجيشها، والأخيرة تستطيع أن تحرم الفلسطينيين من التصاريح وتسجيل المواليد والوفيات، وتحجب أموال المقاصة". بمعنى، "لدى إسرائيل مجموعة من الإجراءات العقابية التي يمكن اتخاذها كرد فعل ضد قرار من هذا النوع"، يقول زيداني.

"الحل بجعل وظيفة السلطة خدماتية بحتة..وفصلها التام عن المنظمة"

وأكد البروفيسور زيداني لموقع "زوايا"، أن السؤال المركزي هو: "هل تستطيع السلطة وقيادتها أن تدفع ثمن ذلك؟".. ثم يستدرك، بالقول إن جواب عباس هو أنه غير مستعد لدفع مثل هذه الأثمان الباهظة، التي تحد من قدرة السلطة إن لم تكن تجمد عملها إلى حد كبير.

وللخروج من هذه المعضلة، ينصح زيداني بالفصل التام بين منظمة التحرير والسلطة، موضحاً أنه دعا إلى ذلك منذ زمن طويل، مطالباً منظمة التحرير بأن تدع السلطة لتقوم بتقديم الخدمات للناس وألا يكون لها علاقة بالمجال الأمني، وأن تنسحب المنظمة وفصائلها من السلطة على المستوى الوظيفي، على الأقل.

"التطبيق ممكن..بشرط توفر قيادة للمواجهة"

غير أنّ عضو المجلس الوطني الفلسطيني تيسير الزبري، خالف الخطيب وزيداني حول صعوبة التطبيق، بل رأى أن الإشكالية تكمن في عدم وجود نية لتطبيق قرارات المركزي من قبل القيادة..معتقداً أن هناك إمكانية لتطبيق القرارات، لو توفرت النية.

وأوضح تيسير الزبري، في حديث لموقع "زوايا"، أنّ هناك شرطاً لتطبيق قرارات "المركزي"، ألا وهو أن يكون "لدينا قيادة سياسية للمواجهة..غير أنّ "القيادة الحالية لا تريد التضحية بمكاسبها، ونحن في وضع سياسي انفصامي، فالحالة الشعبية في واد، والقيادة السياسية في واد آخر".

اقرأ أيضاً: "فتح" في الميدان المقدسي: لمنع الاشتعال.. أم إثبات الوجود؟

وتابع: "لا رغبة ولا نية ولا مصلحة للطاقم السياسي الحاكم أن يواجه أو يتحمل مسؤولياته التي من المفترض أن يقوم بها".

وقلل الزبري من قيمة القرارات التي صدرت عن المجلس "المركزي"، في اجتماعه الأخير، من منطلق أنها "قرارات سياسية فقط "، للتغطية على قرارات تنظيمية تمثلت بإضافة عناصر إلى اللجنة التنفيذية، وانتخاب رئيس للمجلس الوطني، وتكريس سحب "المركزي" لكل صلاحيات المجلس الوطني وكذلك "التشريعي"، وذلك عبر نص القرار "13"، الذي يخول "المركزي" لتولي مهام تشريعية ورقابية.

الخشية الأمنية والضغط الأمريكي..وراء عدم التطبيق؟!

في غضون ذلك، قال مصدر سياسي مقيم في أراضي-48، لموقع "زوايا"، إن هناك سببان لعدم إقدام السلطة الفلسطينية على وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ومجمل الاتفاقيات معها؛ الأول، هو إدراك القيادة الفلسطينية أن فعل ذلك، في ظل تنامي وجود قوة مسلحة "متمردة" على السلطة في جنين والخليل ومناطق أخرى، بموازاة الخوف من تنامي قدرات حماس والسيطرة على الضفة.. يعني إنهياراً كبيراً بالسلطة. لذلك، هي غير معنية بوقف هذا التنسيق؛ خشية على وجودها وسيطرتها. فهي أقدمت، في السابق، على تخفيض مستوى التنسيق لثلاثة أشهر، كخطوة احتجاجية، لكنها لم توقفه نهائياً.

وأما السبب الثاني لعدم تطبيق السلطة لقرارات المركزي، رغم أنها مكررة ست مرات على مدار السنوات الماضية، فهو الضغط الأمريكي الكبير الممارس على السلطة للحيلولة دون الإقدام على خطوات ستؤدي إلى الإضرار بالسلطة وبالوضع الراهن.

ويرى مراقبون، على نحو واسع، أن اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" حتى لو اضطرت لإتخاذ قرار بتطبيق بعض قرارات المركزي، فإنها ستكون، فقط، للإستهلاك الإعلامي والسياسي، لا أكثر، سعياً وراء ثقة المواطن..لكنها لن تُطبق في الحقيقة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo