أفقدها تمثيلها السياسي

ورقة بحثية: نظام الحصص عزز هيمنة الحزب الواحد داخل منظمة التحرير

من اجتماعات منظمة التحرير
من اجتماعات منظمة التحرير

يعد إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية متطلبٌ أساسي إذا أرادت أن تكون أكثر تمثيلًا وأن تستعيد شرعيتها لدى الشعب الفلسطيني، لا سيما مع وجود ازدواجية وتركز بنيوي للسلطة الفلسطينية في مؤسسات المنظمة، بعد تعطل الانتخابات التشريعية وتوسيع عضوية المجلس الوطني الفلسطيني ليشمل مجموعات بارزة جديدة.

وتقترح العديد من المبادرات الرامية لإصلاح منظمة التحرير أَطرًا عمليةً لعقد الانتخابات وتوزيع السلطة، غير أن معظم تلك المبادرات تفتقر إلى نقاش متعمق حول طابع المنظمة ودورها ووظائفها، والأهم من ذلك كله، برنامجها السياسي.

وهنا تؤكد الدكتورة نجمة علي الباحثة والناشطة السياسية خلال ورقة بحثية أنه دون تحديد ماهية منظمة التحرير من خلال الاجابة على هذا التساؤل هل هي حركة تحرير، أم منظمة مكرسة لبناء الدولة أم مزيج من هذا وذاك؟ سيجعلها كيانًا فارغًا ذا مؤسسات وهمية.

وأضافت أن حلَّ شرعية التمثيل السياسي الفلسطيني لا يكمن في إلغاء منظمة التحرير الفلسطينية أو تفكيك السلطة الفلسطينية، ولا يكمن في عقد انتخابات جديدة أو إدخال إصلاحات تنظيمية تستند على حُكم الأغلبية أو الإجماع، بل يكمن في تحديد طابع المنظمة وهويتها.

كما أشارت إلى ضرورة تحديد دور منظمة التحرير تجاه السلطة الفلسطينية وإحياء مكانتها التمثيلية من خلال تفاعل الفلسطينيين وانخراطهم، حيث حاول الفلسطينيون منذ سنوات إحياءَ منظمة التحرير الفلسطينية، وطالب الكثير منهم بانتخابات مباشرة لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، غير أن منظمة التحرير ليست دولة، ولا يمتلك الشعب الفلسطيني وضعًا مدنيًا واحدًا بل أوضاعًا متعددة تبعًا لمواقع تواجده الجغرافي.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يستخدم "الاعتقال الإداري" لردع فلسطينيي الـ48

وتابعت الكاتبة السياسية إذا أجابت منظمة التحرير عن هذا السؤال، وكانت مستعدةً لمواجهة التحدي المتمثل في إعادة هيكلتها، سيكون النموذج الفيدرالي حينها أحد الخيارات المطروحة لقدرته الكامنة على تعزيز التمثيل المحلي وتفعيل المجتمعات المحلية الفلسطينية على اختلاف مواقعها السياسية والجغرافية. فضلًا على أنه يُنشئ شبكةً قيادية شعبية.

وأوضحت أنه في حال اختارت منظمةُ التحرير إعادةَ هيكلتها كحركة تحرر، فينبغي لآلية التمثيل المُختار أن تركز على الوحدة الداخلية وبناء الإجماع الفلسطيني من أجل تقليل الصدامات الداخلية. وأمّا إذا اختارت أن تتصدر لجهود إقامة الدولة، فينبغي أن تعكس آلية الانتخابات التنوعَ الداخلي الذي يخلق ثقافة الحوار والاختلاف والتنافس السياسي.

وكشفت الكاتبة أنه لا توجد صيغةٌ سحرية لإجراء الانتخابات أو تحقيق التمثيل، وإنما لا بد من تحديد الغرض من منظمة التحرير الفلسطينية، وآلية الانتخابات ومبنى المنظمة وقدرتها على التمثيل. والأهم من ذلك كله هو استعادةُ ثقةِ الشعب الفلسطيني في مؤسساته وفي نفسه كفاعلٍ سياسي، وهو أمرٌ أساسي للمشاركة المدنية والانخراط بقدر ما هو أساسي لتعزيز الشعور بالانتماء.

وتطرقت الباحثة السياسية إلى نظام الحصص وأسلوب التعييين داخل منظمة التحرير الذي منح الهيمنة للأحزاب السياسية القوية في منظمة التحرير، ولا سيما حركة فتح، وأفضى إلى تهميش النساء والشباب والفصائل الجديدة والمعارضين لقرارات منظمة التحرير السياسية، منوهة إلى الجانب السلبي للنموذج السياسي القائمِ على الإجماع والذي يتجلى في خطر هيمنة حزب واحد على سائر الأحزاب الأخرى، حيث إن الكثيرين ينظرون إلى منظمة التحرير وحركة فتح كوجهين لعملة واحدة.

وترى الكاتبة أن عدم التغيير في بنية منظمة التحرير الفلسطينية وجمودها ساهم في تركز السلطة في يد الحفنة ذاتها من المجموعات والأفراد، وخصوصا في ظل انعدام عقد للانتخابات أو مبادرات لتوسيع قاعدة الإجماع لاستيعاب حركات أخرى، كحماس التي تمثل عددًا كبيرًا من الفلسطينيين ولكنها تعارض سياسات المنظمة، وهو ما أدى بدوره إلى عدم ضخ دماء جديدة لإنعاش المجلس الوطني الفلسطيني أو مؤسسات المنظمة الأخرى، ولم تُعقد انتخابات للمجلس التشريعي في الأرض الفلسطينية ولا انتخابات رئاسية منذ الانقسام بين حركتي فتح وحماس في 2007.

ويرتكز المبنى الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية على ميثاقها المعدَّل وعلى نظامها الأساسي الصادر في 1968 بعد سيطرة فصائل المقاومة الفلسطينية على المنظمة.

وكان التعديل الرئيسي الذي أدخلته تلك القيادة الجديدة يقتضي تحويل المجلس الوطني الفلسطيني من نظام الانتخاب التمثيلي المبني على حُكم الأغلبية، إلى نظام الحصص واتخاذ القرارات بالإجماع، وقد اعتُمد أسلوب الإجماع تعزيزًا للوحدة السياسية ودرئًا للخصومة والصدامات، ولضمان ألا تتمكن المجموعات المرتبطة بالأنظمة العربية من تقويض العملية السياسية. فضلًا على أن عقد انتخابات ديمقراطية كان أمرًا صعبًا للغاية نظرًا لتشتت الفلسطينيين وعيشهم في كنف دول مختلفة.

وتؤكد الباحثة نجمة علي أن منظمة التحرير الفلسطينية سعت حتى العام 1988 إلى تمثيل الفلسطينيين كافة، وإلى تعبئتهم للمشاركة في تحرير فلسطين، ولكن التخلي التدريجي عن ذلك الهدف بدأ في 1974 عندما تبنت المنظمة برنامج النقاط العشر الذي ينص على استعدادها في إقامة سلطةٍ وطنية "على أي جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها.

وبحسب "نجمة علي" شكَّل تأسيسُ السلطة الوطنية الفلسطينية ضمن المناطق المحدودة المتفق عليها مع إسرائيل بموجب اتفاقات أوسلو مرحلةً بارزة في تحول منظمة التحرير الفلسطينية وجلبت معها تحديات جديدة. فبينما ظلت المنظمةُ الممثلَ الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني رسميًا، إلا أن الشكوك حول مدى تمثيلها السياسي كانت تتنامى خصوصا في ظل انتقال ثقل النشاط السياسي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo