إسرائيل ما بين الهجمات الفلسطينية وأوهام قمة النقب

العمليات في النقب
العمليات في النقب

(1) يجب علينا الاستيقاظ

"يجب عليك الاستيقاظ”.. قالها رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينت بعد ان اكتسحت موجة من العمليات العسكرية في الداخل المحتل وقتل نحو 13 اسرائيليا خلال اسبوعين .

إسرائيل لم تشهد من فترة طويلة سلسلة من هذه العمليات وكانت تتباهى بأنها تحرز تقدما كبيرا في مجال الامن والاستقرار وفي فتح علاقات أوسع مع الدول العربية.

ان الهجمات الاخيرة والتي ضربت في اماكن حساسة تميزت بشكل جريء من حيث استهداف اسرائيليين في مدن كبيرة ومركزية مثل تل ابيب والقدس والخضيرة, كما أنها كشفت عن الفشل الاستخباري الكبير للاجهزة الامنية الإسرائيلية التي سبق ان رفعت درجة التأهب في شهر رمضان بشكل لم يسبق له مثيل, ونشرت الالاف من قوات الجيش والشرطة لاحباط أي عملية عسكرية وفرضت قيودا كبيرة على دخول فلسطيني الضفة الغربية الى اسرائيل.

هذه الهجمات خلقت حالة من الفوضى الامنية والسياسية في اسرائيل واربكت الكثير منة حساباتهم القائمة على أنها قادرة توفير الامن في كل شوارع اسرائيل وبدأ سيل من الاتهامات يصدر من وسائل الاعلام الإسرائيلية لحكومة بينت بأنها حكومة فاشلة وأنها لا تمتلك أي رؤية في مواجهة "المخربين الفلسطينيين" ,واستغلها رئيس الوزراء السابق نتنياهو لكي يشن هجوما كاسحا على الحكومة معتبرة اياها حكومة فاشلة وعاجزة وانه يجب عليها ان ترحل.

لقد وجدت اسرائيل نفسها في خضم معركة تمزق احشاءها من الداخل وتفتت ائتلافها الحكومي, وتضعضع الثقة بالجيش وتوجه الاتهام للمؤسسة الامنية وترمي الحمل على قائد الجبهة الداخلية , فضلا عن غضب الجمهور الاسرائيلي الذي شعر بانتكاسة كبيرة في احساسه بالامن.

(2) قمة النقب والصورة الباهتة

ما صدم صانعي القرار في تل ابيب أن العمليات جاءت في ظل انعقاد تغيرات سياسية اعتبرتها اسرائيل تصنع استراتيجيتها في المنطقة واختراقا كبيرا ونجاحا هائلا في دبلوماسيتها الخارجية, مثل قمة النقب التي جمعتها وعدد من الدول العربية .

اقرأ أيضاً: "فتح" في الميدان المقدسي: لمنع الاشتعال.. أم إثبات الوجود؟

ان اسرائيل تريد من وراء هذه القمة ان ترسخ نفسها انها ذات شرعية في المنطقة العربية وليس جسما غريبا , بل انها من خلال استضافة القمة في منطقة فلسطينية –النقب- يعاني اهلها من العنصرية وهدم البيوت وتشريد المواطنين تريد جر الدول العربية الى وضع بصمتهم على كل الجرائم الاسرائيلية المرتكبة في النقب والى دفعهم الى طي صفحة الفلسطينيين وقضيتهم الى الابد. كما انها بهذه الطريقة الماكرة تريد ان تروج أنها ليس مجرد دولة بل قائدة تحدد أولويات الدول العربية وتصر عليها ان عدوها الاول والاخير هو ايران و"الارهاب الاسلامي" وليس الاحتلال الاسرائيلي.

وللاسف ان الدول العربية المشاركة في القمةانساقت وراء روايات الاحتلال واصدرت بيانات تنديد واستنكار, بما فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, بينما صمتت عن الكثير من الجرائم التي ترتكب بشكل يومي في الاراضي الفلسطينية وخلفت الكثير من الضحايا والدمار.

المحزن ان الدول العربية التي اجتمعت في النقب لم تضع القضية الفلسطينية ولا جرائم الاحتلال ضمن أجندتها, وانما جرت وراء أوهام مضللة تحت شعار السلام الاقتصادي مع دولة الاحتلال واعتقدت أنها تصنع تاريخا جديدا على قاعدة "الاتفاقات الابراهيمية" التي ما أفرزت الا مزيدا من الكذب والتضليل على الشعوب في صناعة سلام زائف مع دولة الاحتلال.

ان العمليات التي قام بها مواطنون فلسطينيون ضد اهداف اسرائيلية ما هو الا انعكاس للاضطهاد والمعاناة التي يذوقها الفلسطينيون بشكل يومي وممنهج في كل الاراضي الفلسطينية. ففي الضفة الغربية يعانون من سرطان الاستيطان ومصادرة الاراضي والاعتقالات والحواجز العسكرية , وفي غزة ترى اثار الحصار والعقوبات ماثلة في كل مكان , اما في الداخل المحتل فيكفي ما اشار له التقرير الاخير لمنظمة العفو الدولية" امنستي" والتي وصف اسرائيل بأنها دولة ابرتهايد , أي دولة عنصرية فاشية تطبق قوانين عنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين بينما تعطي الحقوق الكاملة لليهود.

ان مثل هذا الواقع الظالم كفيل ان يولد شرارة المواجهة والعصيان والتمرد , وليس من المنطق ان يتوقع أحد ان يرضى الفلسطينيون بكذا واقع او يقبلون به.

(3) إسرائيل لم تتعلم من التاريخ

ان العمليات التي نفذت خلال الاسابيع الماضية وخزت صدر الامن الاسرائيلي بقوة وارسلت له رسالة قوية بان الرماد تحت النار, وان الفلسطينيين لن يسلموا بالأكاذيب والاوهام التي تروجها المؤسسة الاسرائيلية حول السلام والتعايش والديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

المضحك ان حكومة الاحتلال حاولت ان تسوق ان من يقفون وراء العمليات هم من اتباع "داعش" لكسب التأييد الدولي وكي تمنح نفسها مساحة واسعة لارتكاب الكثير من الجرائم والانتهاكات تحت مبرر محاربة الارهاب الدولي .!!

هنا تجدر الاشارة الى ان مواقع اسرائيلية اهتمت بما أعلنه تنظيم الدولة في عام 2016 أن مهاجمة إسرائيل أو تحرير الأراضي الفلسطينية ليست من ضمن أولوياته. وأوضح في بيان نشره في صحيفة النبأ الأسبوعية -التي تعد من أبرز إصداراته المقروءة- أنه يحارب في المقام الأول الحكومات القائمة في الدول العربية والاسلامية التي يصنفها على أنها "كافرة" ولا تحكم بشرع الله، . كما ان "داعش" انتقدت مواقف من يقولون بان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للمسلمين التي يجب الدفاع عنها.

اقرأ أيضاً: رمضان... فلسطين على أبواب المواجهة الشاملة

ان اسرائيل لم تتعلم من التاريخ ولا من التجارب الماضية, وتصر على انها -بقوتها العسكرية وقدراتها الامنية- تستطيع ان تفرض الامن والاستقرار وتمنع أي كائن ان يمس امن مواطنيها, لكن ثبت ان هذه معادلة فاشلة وان العمليات تكاد تنفذ بشكل يومي سواء في الضفة أو في الداخل المحتل , وان اختلفت في اشكالها, ما بين استخدام القوة النارية او الطعن بالسكين او الدهس.

وفي هذا السياق من المهم هنا الاشارة الى ما أورده رئيس المعهد للسياسة والاستراتيجية في جامعة رايخمان، عاموس غلعاد، والباحث في الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، د. ميخائيل ميلشتاين، في مقالهما في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن ثمة أربعة "استنتاجات عميقة" من الهجمات المتسلسلة في الاونة الاخيرة.

أولاً: "انقلاب الأمور رأسا على عقب في ديناميكية التهديدات الداخلية. وإذا كان يظهر غليان في الأجواء لدى الجمهور العربي بسبب تصعيد في المنظومة الفلسطينية، فإن فلسطيني الداخل شكلوا في الأسبوع الأخير رأس الحربة للتوتر الأمني الذي ينعكس تدريجيا على الضفة والقدس".

ثانباً: "أن السلام الاقتصادي الذي تستند إليه إسرائيل مقابل تجاهل حقوق الفلسطينيين السياسية والوطنية الفلسطينيين ما هو الا عبارة عن سقف زجاجي، وأن هذا توجه ناجع من أجل لجم تصعيد عسكري أو هبة شعبية، لكنه ناجع أقل ضد موجة منفذي عمليات فردية".

والاستنتاج الثالث مرتبط بشكل خاص بحركة حماس, فمن جهة تحافظ الحركة على الهدوء في قطاع غزة بناء على التفاهمات التي تمت وتسمح بتسهيلات اقتصادية واسعة في قطاع غزة وفي نفس الوقت تقوم بحملة تحريض واسعة في الضفة الغربية لاشعال الفتيل وتحريك جماعات مسلحة لتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين".

رابعا: رغم ان إسرائيل نجحت بالفصل بين علاقاتها مع الدول العربية وبين صراعها السياسي مع الفلسطينيين, والتقدم الكبير في العلاقات مع دول المنطقة يجري من دون علاقة لما يحدث في الاراضي الفلسطينية وبالرغم من الجمود مقابل الفلسطينيين، لكن هناك جهات ترى أنه بالإمكان استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية واحداث حالة من الارباك لاضعاف قدرة اسرائيل على تحقيق اهداف استراتيجية في المنطقة".

يجب على اسرائيل- كدولة احتلال- ان تدرك انها لن تذوق طعم الامن والاستقرار والتمتع في علاقاتها بالدول العربية ما لم تضع حدا لجرائمها واحتلالها , كما يجب عليها ان تدرك ان العزيمة والارادة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال لم تضعف رغم كل اجراءاتها الامنية والعسكرية واعتماد سياسة البطش والقتل.

كما يجب على الدول التي وضعت يدها في يد الاحتلال الملطخة بالدم الفلسطيني انها ستذوق ثمرة هذا السلام المر وستعرف كم خدعتها دولة الاحتلال ووضعت لها سما ناقعا في صحن الاتفاقات الابراهيمية الموهومة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo