رغم الحرب على أوكرانيا .. العلاقات الإسرائيلية الروسية متجذرة

بوتين وبينيت
بوتين وبينيت

(1) علاقة اخذة في التطور

من خلال الاطلاع على مجريات الحرب الروسية الاوكرانية وتدخل مختلف الاطراف فيها , نجد ان دولة الاحتلال لها نصيب في هذه الحرب وتبعاتها , لذلك فهي تسعي بكل ما اوتيت من صلات ومقدرات ان تخرج من هذه الحرب سالمة ولا تفقد علاقاتها الاستراتيجية بالأطراف الثلاثة الرئيسيين : الغرب وروسيا واوكرانيا.

وقد مرت العلاقات الروسية الإسرائيلية بمراحل مختلفة، فتداخلت مصالحهما لاقتصادية والسياسية والعسكرية والإستراتيجية، مع متغيرات إقليمية ودولية متعددة، ونمت وتطورت العلاقة عبر شراكات متعددة، بحكم العلاقة الوثيقة التي جمعت الدولتين.

ومن العوامل المهمة التي تعزز من توجه اسرائيل الى توثيق علاقاتها بروسيا أنها تدرك جيداً بأن روسيا بقيادة بوتين أصبحت قوة مركزية عالمية, وهذه القوة اخذة في التصاعد في مختلف المجالات، سواء العسكرية او الاقتصادية او السياسية, كما أن لها تأثيرها ونفوذها في الشرق الأوسط، وذات علاقات قوية مع عدد من الدول العربية والإسلامية، لذلك فقد قامت بفتح الكثير من القنوات التي ساهمت في نسج علاقة متينة مع موسكو, لكن هذا لا يعني انه لا توجد الكثير من مساحات الخلاف بين الطرفين خصوصا في التعامل مع مشاكل منطقة الشرق الاوسط.

وترى إسرائيل في علاقتها بروسيا مصلحة استراتيجية كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، إذ تشكل روسيا اقتصادياً سوقاً كبيرة للكثير من الصادرات الإسرائيلية، كما تلعب دوراً مهماً في موضوع استراتيجي وبالغ الحساسية لإسرائيل, الا وهو الملف الإيراني، فضلا عن حاجة اسرائيل للتنسيق اليومي في الملف السوري , كون روسيا اصبحا "جارة" لدولة الاحتلال وعلى حدودها.

(2) بوتين وتعزيز العلاقة مع تل ابيب

وقد سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند استلامه زمام السلطة في آذار/مارس 2000، إلى إعادة روسيا كلاعب بارز إلى ساحة الشرق الأوسط, وعمل على توثيق علاقاته مع مختلف الاطراف, سواء الذين يتوافقون مع سياسات روسيا او يعارضونها, مما أكسبه قدرة كبيرة على التدخل في النزاعات والخلافات القائمة في المنطقة. وقد ارتكز بوتين في سياسته على تحقيق المصالح الحيوية لروسيا انطلاقاً من وجهة نظر واقعية بحتة. وقد برزت اسرائيل- في نظر روسيا- قوة عسكرية واقتصادية صاعدة , فضلا عن اسهاماتها في مجال الفضاء والتقنية ومساحات اخرى وجدت فيها روسيا فرصة كبيرة لتعزيز وجودها في الشرق الاوسط والدخول على ملف القضية الفلسطينية بشكل مباشر.

اقرأ أيضاً: كتاب وباحثون: الموقف الفلسطيني تجاه الأزمة الأوكرانية بحاجة للحذر

وقد شعرت إسرائيل انها بحاجة الى تعزيز علاقتها بروسيا بعد التحولات التي طرأت على المنطقة في أعقاب ثورات الربيع العربي، وشعور إسرائيل -لأول مرة- بحدوث خلاف جوهري لدى الشعوب العربية التي تطلعت الى ازالة الانظمة المستبدة واستبدالها بانظمة ديمقراطية توفر لها الحرية والكرامة, مما يجعل اسرائيل معزولة بشكل اكبر في المحيط العربي, لذا فقد وجدت في روسيا شريكة تساعدها على تجاوز هذه العزلة وتفتح لها قنوات كانت مغلقة في وجهها.

ومن الاشكالات التي واجهت دوائر صنع القرار في تل أبيب، أن مكانة الولايات المتحدة آخذة في التراجع في منطقة الشرق الاوسط وأن نفوذها بدأ يتضاءل بسبب اهتمامها بمناطق أخرى، تقديرا لمصالحها الاقتصادية وتخفيف الاعباء العسكرية التي اثقلت كاهلها بسبب التدخلات الكثيرة في مناطق النزاع, مما ترك مساحات سياسية فارغة سارعت موسكو الى اغتنامها.

(3) تشابك العلاقة في الملف السوري

منذ عام 2015، دعمت روسيا إلى حد كبير نظامَ بشار الأسد في سورية، ضدّ معارضيه, وعززت من حالة الاستقرار الامني والسياسي , لكن إسرائيل التي تعتبر سوريا عدوة استراتيجية كونها ترفض الاعتراف بها وتحتضن العديد من فصائل المقاومة وتقدم لها الدعم السياسي والعسكري, رأت في الحضور الروسي في سوريا فرصة كبيرة لتحقيق الكثير من مصالحها, خاصة بعد ان عززت ايران من وجودها في سوريا وباتت على حدودها. وقد قيّمت دولة الاحتلال التطورات السريعة في سورية –بعد اندلاع الثورة الداخلية- على أنها تحدٍ استراتيجي جديد وخطير للأمن الإسرائيلي، وذلك بسبب كثافة التدخل الإيراني, حيث قيمت الدوائر الاستخبارية على ان ايران تسعى الى استكمال ما يسمى “الهلال الشيعي”، وهو تحالف استراتيجي محتمل بقيادة إيران بين إيران وسورية ولبنان , وان هذا التحول الخطير ينبغي مواجهته على وجه السرعة. لكن في نفس الوقت وجدت اسرائيل انها في مواجهة روسيا التي تتواجد بشكل كبير في الاراضي السورية, لذا لم تجد بدا من مد حبال التعاون معها, خاصة ان روسيا لا تحبذ التواجد الايراني في سوريا. ووجد الطرفان الروسي والاسرائيلي مصلحة مشتركة في تقليم اظافر ايران وتقليل وجودها وتأثيرها في سوريا.

اسرائيل لم تستطع ان تتوقف عن هجماتها ضد قوات حزب الله والحرس الايراني والمجموعات المناوئة لها على الاراضي السورية , وقد شنت اسرائيل المئات من الهجمات الصاروخية على مواقع عديدة ومن بينها تدمير مقرات ومواقع للجيش السوري دون ان تعترض روسيا على هذه النشاطات التي أودت بأرواح الكثيرين ودمرت كميات هائلة من الاسلحة والمصانع الحربية.

وقد تعاون الجانبان-الروسي والاسرائيلي- إلى درجةٍ تسمح بهجمات متكررة من سلاح الجو الإسرائيلي، ضدّ أهداف تابعة لإيران في سورية.

ان روسيا مهتمة بالحفاظ على موطئ قدمها الاستراتيجي الوحيد في الشرق الأوسط، وإثبات قيمة روسيا كقوة إقليمية وحليف استراتيجي , وفي ذات الوقت اشارة قوية لحلف الناتو على مدى حضور روسيا السياسي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط وانه لا يمكن تجاهلها من المعادلة الاقليمية , وأيضا يساهم في تعزيز مكانة روسيا، باعتبارها تاجرًا ومصنعًا للأسلحة.

اقرأ أيضاً: هل تؤثر حرب أوكرانيا على المساعدات الدولية للفلسطينيين؟

لقد بات التعاون الروسي الاسرائيلي في سوريا متكاملا ومنتظما خلال السنوات الاخيرة واتخذ طابعا منهجيا ومدروسا بعناية بحيث لا يلحق الضرر بأي من الطرفين , وقبل الطرفان المعادلة القائمة على أن اسرائيل لن تتسامح مع أي أنشطة عسكرية أو شبه عسكرية من قبل إيران ووكلائها، بالقرب من الحدود الإسرائيلية السورية؛ كما أنها لن تتسامح مع نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله عبر الأراضي السورية.

(4) مجالات التعاون

هناك الكثير من مجالات التعاون بين روسيا واسرائيل مما يشي بقوة العلاقة بين الطرفين وحرصهما على تعزيز وتوسيع هذه العلاقة بما يخدم مصالحهما المشتركة.

ففي المجال العسكري هناك صناعة أسلحة مشتركة بين اسرائيل وروسيا ومن اهمها المسيرات، لأن الروس لا يصنعون طائرات مسيرات انما يتم تصنيعها في اسرائيل وتأخذها روسيا مقابل امور عديدة , تستغلها اسرائيل في منع انواع خاصة من الاسلحة في الوصول الى الدول العربية. كما وقعت تل أبيب وموسكو على اتفاقات عديدة لتعزيز التعاون العسكري والأمني ، ومن بينها اتفاقات لشراء المزيد من السلاح والتكنولوجيا الإسرائيلية، لما لها من أهمية قصوى للقوات المسلحة الروسية، كما جرى على اتفاقية هامة تختص بتطوير عدة موديلات ونماذج للأسلحة الروسية القديمة. كما وقع الطرفان اتفاقية للتعاون في مجال الفضاء، وقد أطلقت روسيا صاروخها "سويز" حاملاً معه قمر الاتصالات الإسرائيلي الصناعي "عاموس2"، وهو ما يمثل اتجاهاً جديداً وتطوراً هاماً يشير للخطوات البعيدة التي بدأت تخطوها موسكو تجاه تل أبيب منذ نهاية الحرب الباردة.

وبالرغم من هذا التعاون الخطير والاستراتيجي بين روسيا واسرائيل الا أن الولايات المتحدة تبدو غير منزعجة من تطور هذه العلاقة، لأنه يمنحها القدرة على التحكم إلى حد كبير بالدول التي يتم توريد أسلحة إسرائيل إليها. فمثلا، نجحت الولايات المتحدة في اجهاض صفقة بيع رادارات الإنذار المبكر "فالكون" الإسرائيلية المحمولة على طائرات روسية إلى الصين، فيما وافقت على صفقة لنفس الأسلحة الروسية الإسرائيلية مع الهند، حصلت خلالها الأخيرة على 3 طائرات روسية مزودة بأنظمة المراقبة المبكرة الإسرائيلية.

وفي المجال الاقتصادي تدرك إسرائيل أن هناك مساحة كبيرة للتعاون بين الطرفين، خاصة في اعقاب اكتشافات الغاز الضخمة التي توصلت إليها إسرائيل في البحر المتوسط، كما بات بإمكانها الإسهام في العثور على أسواق جديدة للغاز الروسي , وهو ما يحول إسرائيل إلى شريك هام في اقتصاديات الطاقة لروسيا، مما يجعلها تدافع عن مصالحها، وهو ما يكسبها مكانة إقليمية قوية، ويعزز هذا التوجه العوائد الضخمة المنتظرة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الخارج.

وقد وصلت العلاقات التجارية والاقتصادية بين تل أبيب وموسكو مستويات متقدمة بالنظر إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية، فعلي سبيل المثال وطرأ ارتفاع على حجم التبادل التجاري بين البلدين في السنوات الأخيرة بحيث وصل الى 3 مليارات دولار سنويا, وقد كشف الرئيس الروسي بوتين بأن حجم التبادل التجاري المشترك بين موسكو وإسرائيل تصاعد بمقدار أربعة أضعاف، وذلك في إطار إقامة الكثير من المشروعات المشتركة بين البلدين في مجال الطاقة والتعليم والسياحة والزراعة.

(5) التشابك في الملف الايراني

شكل الملف النووي الإيراني مادة دسمة للخلاف بين تل أبيب وموسكو، واعتبرته موسكو من الاوراق المهمة التي يمكن ان تلوح بها في وجه الغرب عموما, كما أنه يشكل ورقة ضاغطة على الامن الاستراتيجي الاسرائيلي. يقول المحلل الروسي الكسي مالاشنكو “بالمختصر المفيد يجد الكرملين نفسه اليوم جالسا بين كرسيين”، في اشارة الى ايران واسرائيل، مضيفا “انه وضع معقد وصعب لروسيا التي تقيم علاقات جيدة مع العدوين اللدودين”.

وترى المؤسسة الامنية الإسرائيلية أنها في حاجة ملحة للتعاون مع روسيا من اجل كبح سلوك إيران النووي, وترى ان لروسيا تأثيرا كبيرا على ايران بحكم العلاقات التي تربط البلدين, وأنها قادرة على الضغط على إيران، لكن روسيا تتعامل بطريقة ذكية وترى ان "تهور" سلوك اسرائيل في الملف النووي غير مبرر وانه يمكن معالجة الامر دون اللجوء الى عزلة ايران او فرض العقوبات عليها , كما تريد اسرائيل.

لا شك أن موسكو لا تريد لايران ان تكون "منفلتة" في الساحة النووية لانها هذا يؤثر على حضورها ونفوذها السياسي في المنطقة , لكنها تعتبر انه يمكن الاستفادة بشكل كبير من استخدام هذه الورقة في الكثير من الخلافات القائمة في منطقة الشرق الاوسط , وخصوصا وان اسرائيل تروج دوما ان الخطر الاكبر الذي يهدد المنطقة هو "العدو الايراني " المجدد بسلاح نووي وان العالم يجب ان يتجند لمواجهة هذا الخطر الداهم . ومن هنا تنبع قدرة روسيا على التأثير على تل ابيب التي تعتبر جزءا من الحلف الغربي المناويء لروسيا.

هي معادلة معقدة وشائكة لكن كلا الطرفين الروسي والاسرائيلي يدركان ان مصالحهما المشتركة تتطلب تفهما وتعاونا وقدرة عالية على تجاوز الخلافات.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo