هل تكتمل مسيرة اليسار؟!

وقفة تضامنية من اليسار الفلسطيني
وقفة تضامنية من اليسار الفلسطيني

أخيرًا ظهر اللون الأحمر بعد أفول طال زمانه، إذ فاز تحالف اليسار بانتخابات مجلس اتحاد طلبة جامعة بيت لحم، والفوز كان على قائمة حركة فتح ممثلة بذراعها الطلابي الشبيبة الفتحاوية، هذا الفوز كانت حركة فتح بحاجة إليه أكثر من اليسار ذاته، لأن قوة اليسار وحضوره على الأرض يدعم حركة فتح في تصدير مشهد وطني جامع، وعليه يُمكن أن تُبنى السياسات والتوجهات بشكلٍ حقيقي ومؤثر على الأرض. لكن السؤال أين ذلك اليسار؟! وأين هي حركة فتح التي تنتظر يسار قوي لتبني معه التوجهات الحقيقية والمؤثرة؟!

لم تعد حركة فتح تتمتع بالبعد الجماهيري في الضفة الغربية كما السابق، وهذا الأمر لم يعد سرًا ولا يحتاج إلى مراكز دراسات كي تثبته، بل إنها تمر في حالة انفصالٍ شديدة الوطأة على مستوى القيادة والجماهير، فالقيادة التي تعيش في مستوى سياسي واجتماعي بعيد كليًا عن أبسط أبجديات النضال الفلسطيني الذي نادت فيه الحركة، وتماهت مع مشروع سياسي لو صح أن نضع له عنوانًا فربما يكون مشروع "اللا مشروع" من أجل إبقاء الحال على ما هو عليه.

اقرأ أيضاً: المواطن الفلسطيني ضحية ارتفاع الأسعار.. ماذا تفعل الحكومة؟

كذلك غابت قوى اليسار بل وتماهت إلى حدٍ كبيرٍ مع امتيازات السلطة بطريقة غير مباشرة من خلال ما تتمتع فيه قيادتها من امتيازات سياسية واجتماعية على حساب استخدام الإرث التاريخي من أجل تمرير قرارات تتخذها القيادة المشابهة لهم في المنفعة ونمط الحياة في حركة فتح للحفاظ على مشروع "اللاشيء" كذلك وجود حالة الانفصام الواضحة بين يسار في غزة متهم بلبس العباءة الحمساوية، ويسار في الضفة الغربية ما زال يتلمس رضى القيادات المتنفذة هناك، وبين هذا وذاك تحصل أحيانًا بعض المناوشات الإعلامية بين اليسار من جهة وبين فتح وحماس من جهة أخرى، هذا لأن ما بقي من قواعد اليسار المثقفة غير مقتنعة بتلك التبيعة التي بدأت بوصف اليسار بالإسلامي!

إن اليسار في داخله يعاني من أزمة صنعها لنفسه ولم يأخذه أحد إليها، فقد توقف عن تحديث خياراته مما أجبره على الالتحاق بخيارات الآخرين، تارة عندما وافق على الدخول في حكومة وانتخابات تتم تحت مظلة أوسلو التي يرفضها ورغم ذلك يتمتع بكامل امتيازاتها، وتارة أخرى صمته عن نهج حركة حماس في إدارة شؤون قطاع غزة وما يجري فيه من تضييق على الحريات والإمعان في فرض الضرائب على الجماهير، مما دفع بالناس إلى إتهام اليسار بتلقي دعم مالي من حركة حماس في سبيل استمرار صمته، وكسب موقف ما ضد رئيس السلطة ونهجه المتفرد بإدارة شؤون المنظمة وما يتعلق فيها من شأن فلسطيني داخلي، خاصة أن رئيس السلطة استخدم الابتزاز كثيرًا من خلال حجز ميزانيات حركات اليسار الفلسطيني أكثر من مرة مما أوقع اليسار - لأكون أكثر دقة - أوقع قيادات اليسار في أزماتٍ مالية غير معتادة!

لطالما كانت علاقة اليسار بحركة فتح علاقة تنافر منذ التأسيس، وحصل اقتتال داخلي بينهم بل وتنابزوا بالألقاب والشتائم، لكن العلاقة لم تنفك أبدًا مثلما هو حاصل اليوم، هذا لآن حركة فتح بطبيعتها الجماهرية تطرح نفسها حركة الكل الفلسطيني، فهي غير منغلقة تحت سقف عقدي معين، ففيها المتدين والماركسي والقومي والليبرالي، بل وكانت الغلبة فيها فيما مضى للتيار اليساري والقومي، لكن جاءت أوسلو ووضعت بصمتها على كل شيء!

وربما أبرز ما جمع بين الحركتين تاريخيًا هو فكرة التحرير المبنية على الكفاح المسلح، وكانت خلافاتهم مبينة علي طريقة إطلاق النار على المحتل، وليس على طريقة المفاوضات! أي أن الخلاف في جوهره كان خلافًا حيًا يدفع في الطريق الصحيح، هذا بالإضافة إلى تمتع الحركتين بعلاقات قوية مع منظمات العالم الاشتراكية وحركات التحرر على مستوى العالم بصفتهم حركات تحرر علمانية بالدرجة الأولى، وأعتقد أن هذا سبب جوهري لقوى اليسار وحركة فتح لفرصة التحالف المأمول بينهما، وهذا قد يعارضه تيار واسع في اليسار، ذلك التيار الذي يحتفظ بوجهة نظر شديدة البغض لحركة فتح!

اقرأ أيضاً: سحب الجواز الدبلوماسي ورقة يستخدمها الرئيس عباس لتكبيل معارضيه

إن هذا الفوز في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيت لحم، فرصة عظيمة أمام اليسار لكسر ثنائية فتح وحماس التي تسيطر على مفاصل الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي بسببها تم توقف العملية الديمقراطية في قطاع غزة، وتفعيلها بصورتها الشكلية في الضفة الغربية، من خلال عقد الانتخابات البلدية ومجالس اتحاد الطلبة في الجامعات والامتناع عن عقد الانتخابات التشريعية تحت ذريعة رفض الاحتلال لعقدها في القدس، وهذا ما فسره البعض بأنه تطبيق للرؤية الاسرائيلية بحصر الفلسطيني داخل إدارة مدينة مفصولة تمامًا عن الفعل السياسي الهادف إلى تحقيق الدولة!

لا شك أن الفلسطيني اليوم متعطش لمن يقود العمل النضالي بشكل غير منطقي وغير متوازن كما تفعل قيادة حركة فتح وحركة حماس الحاليين، فإن عدم الاتزان والتوازن هنا هدفه التفكير في طرق جديدة ربما يكون التطرف والجنون السياسي هو الاتزان الحقيقي، لهذا أعتقد أن يسارًا قويًا مراجعًا لنفسه يستطيع أن يقوم بهذا الدور أو يساعد على القيام به، ولكن قبل ذلك لابد لليسار أن يتحرر من غلافه الجوي المحيط به، والانتفاض خارجه ليقف على أرض حقيقية بعيدًا عن بيانات الحضور الإعلامية ليشكل حالة مؤثرة على الأرض يفرض من خلالها "الجنون" على حركتي حماس وفتح، وهذا يتطلب انتفاض القاعدة اليسارية على قيادتها الحالية، وعدم الاكتفاء برفع صور غسان كنفاني في المؤتمرات والانتخابات الطلابية!

ما العمل؟

  • على قوى اليسار أن تحقق النموذج بأن تقوم بتغيير دراماتيكي يُعيد ثقة منتسبيها وكوادرها وقواعدها الشعبية بها من خلال إجراء انتخابات داخلية حقيقة فيها وتصدير قيادة جديدة منتخبة، والحفاظ على دورية ذلك مما يجعلها نموذج يطلبه الناس ويتطلع إليه في أي تغيير قادم.
  • المراجعة الحقيقية لأسباب الفشل الحزبية وانعكاسها على ما حصل للمشروع الوطني بصفة عامة.
  • الإيمان بأن الاتحاد السوفيتي لن يعود من جديد!

إن القيام بما سبق يؤكد أن الفوز بالانتخابات كان فوزًا حقيقيًا وليس شكليًا، وقد جاء بناء على تغير واضح في النهج، وليس ملهاة تتم كل فترة من أجل تبديل الكراسي بين الأحزاب وممثليها في الكتل الطلابية، والنزول بشكل حقيقي على الأرض للمطالبة بعقد الانتخابات التشريعية وعدم الاكتفاء بالعتب واللقاءات الصحفية، فالفوز معناه حضور على الأرض، وقيل في السابق أن الجَمل قد "نط" المأذنة .. فهذا الجَمل وهذه المأذنة!

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo