الدروس الخصوصية تلتهم جيوب الفلسطينيين.. ما أسباب رواجها؟

طلاب يتلقون دروس خاصة
طلاب يتلقون دروس خاصة

يُناظر الطالب الفلسطيني "محمد" زملاءه بحسرةٍ، وهم يتوجهون لتلقي درسًا خصوصيًا، وتعويض ما فاتهم في الصف المدرسي، في الوقت الذي يعجز والده العاطل عن العمل عن تلبية رغباته في الالتحاق بأحد المراكز التعليمية في غزة، لدراسة مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية.

"محمد" حاله كحال الآلاف من الطلبة الفلسطينيين، الذين هم بحاجةٍ لدروس خصوصيةٍ، لتعويض الفاقد التعليمي في الصف المدرسي، وأحد ضحايا تردي التعليم والمناهج الفلسطينية.

أما الأب معتز الشريف في مخيم جباليا فيضطر لأن يدفع 100 شيكل لكل واحدٍ من أبنائه الثلاثة في المرحلة الأساسية لأحد مراكز التعليم الخصوصي في المخيم، لتعويض ما فاتهم خلال الفترة الماضيةِ وضعف التعليم الإلكتروني كمــا يقول لــ "زوايا".

"نعم أنا مضطر لدفع هذه التكاليف رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وأعتبرها من الأولويات، لأن المرحلة الأساسية مهمة وهي أساس للمراحل التعليمية القادمة.. فالمدرسة لم تلبِ حاجة أبنائي من التعليم" يضيف "الشريف".

مبالغ تستنزف الأهالي

ويدفع قاسم الرملاوي وهو طالب في الثانوية العامة يقطن مخيم البريج وسط قطاع غزة، 200 شيكل شهريًا لمعلمي الدروس الخصوصية، بواقع 50 شيكل عن كل مادة، كما يقول لـ "زوايا".

ولم يكتفِ مدرسو الخصوصي بالمبالغ التي يدفعها الطلبة، ثمنًا للدروس الخصوصية بواقع 12 حصة شهريًا، ولكنّهم يستقطبون الطلبة يوم الامتحانات بواقع 10 شيكل لكل حصة، كما يقول "الرملاوي".

اقرأ أيضاً: الفاقد التعليمي. بين ضعف التعليم البديل وعلاج بحاجة للتكاملية والدعم

أما الطالب محمد أبو عوّاد وهو في المرحلة الثانوية "التوجيهي"، فرأى أن تكاليف الدروس تختلف من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ ومن معلم إلى معلمٍ ومن مادة إلى أخرى، وأنه قد دفع لأحد المعلمين 70 شيكلًا ثمنًا شهريًا لمادة واحدةٍ.

ويرتفع ثمن المادة الواحدة بحسب عدد أفراد المجموعة، ومكان تلقي الدرس الخصوصي، حيث يرتفع جدًا إذا أتى المعلم بنفسه لمنزل الطالب، كما يقول "أبو عواد".

وفي هذا التقرير، تستضيف "زوايا" خبراء في التربية وشؤون التعليم والتنمية البشرية، للوقوف على أبرز دوافع الطلبة للتوجه للدروس الخصوصية ، وأسباب رواجها، وواقع المنهاج الفلسطيني ومقترحات حل المعضلة التي تؤرق الطلبة وأهاليهم.

"التعليم" لم تعد الخطط اللازمة

ولفت الخبير في التنمية البشرية والتدريب القيادي الدكتور محمد بشارات، أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لم تعد الخطط اللازمة لتعويض الفاقد التعليمي لدى الطلبة، ولم تواكب المهارات التعليمية، ما أدى للجوء الطلبة لـ "الدروس الخصوصية" على نحو واسعٍ.

ويعد اللجوء للدروس الخصوصية أمر مؤلم، ولا سيما أنه من حق الطالب التعليم المجاني الفاعل والمميز والذي يغنيه عن اللجوء لـ "الخصوصي" المرهق ماديًا للأسرة الفلسطينية، حسب حديث بشارات لـ "زوايا".

وبشأن فترة الانقطاع الدراسي بسبب جائحة كورونا، بيّن أنها صنعت فجوة كبيرة في المهارات والتعليم لدى الطلبة، منوهًا أن الإعلام الإلكتروني لم يسد الثغرة ولم يلبِ حاجات الطلاب المعرفية الكاملة خلال فترة الانقطاع.

استغلالٌ وتربّح

ويتعرض الطلبة لاستغلال شديدٍ بشأن الدروس الخصوصية، ولا سيما في ظل الأوضاع الصعبة، وهناك بعض المعلمين وجدوها فرصة للتربح على حساب التحصيل الدراسي والتعليم، كما يقول بشارات.

وبيّن أن المعالجات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم من منصات وغيرها، لم تعطِ الطالب كفايته واستغناءه عن الدروس الخصوصية، مستنكرًا تحول الطالب في بعض الأحيان لزبون للمراكز الخصوصية.

وحول مقترحات العلاج، أكد "بشارات" أنه لا بد من خطة وطنية تراعي الفاقد التعليمي، وتقديم الدروس المجانية في المرحلة الصيفية، لتقليل الهوة التعليمية، وإغناء الطلاب عن التوجه للدروس الخصوصية.

كما شدد على ضرورة أن تشمل الخطة الوطنية منهاجًا مواكبًا لتطلعات الطلبة ومراحلهم التعليمية، معارضًا ذهاب الطلبة للدروس الخصوصية، مشيرًا أنه سيمنع الدروس الخصوصية في حال كان الأمر بيده.

انخفاض الحافزية والدافعية

من جانبه، قال المختص والمدرب بالشأن التربوي مخلص سمارة أن الحافزية والدافعية لدى الطلاب انخفضت في الآونة الأخيرة، وأن الطالب أضحى غير حريص كما السابق في تلقي التعليم المدرسي.

ولم تكن الدراسة والتعليم من أولويات الطلبة داخل الصف المدرسي، مما خلق حاجز هلامي بين الطلبة والمادة التعليمية، وانخفضت الرغبة، بسبب انشغال الطلبة بوسائل الترفيه والتكنولوجيا الحديثة، يبين "سمارة" لـ "زوايا".

وحول المنهاج الفلسطيني، نبّه "سمارة" أن صعوبة المنهاج، وصعوبة تدارك الطالب ما في المنهاج، بسبب الانقطاع في ظل جائحة كورونا، وأن الطلبة وأهاليهم ما زالوا يدفعون ثمن الانقطاع ولسنوات قادمة.

اقرأ أيضاً: بنية التعليم العام بين الضفة والقطاع .. هل غزة درجة ثانية

ويحاول الطلبة تعويض فترة الانقطاع باللجوء للدروس الخصوصية، لمواكبة ما فقدوه، وتعويض ما فاتهم من المادة التعليمية في الصف المدرسي.

بيئة خصبة للدروس الخصوصية

وبيّن "سمارة" أن المراكز التعليمية لـ "الدروس الخصوصية" تبحث عن النخب من المدرسين كيلا تضحي بسمعتها، لافتًا أنه ليس ضد "الخصوصي" بل متحفظ على كمية الهوس المصاحب لهذه الظاهرة.

وتختلف تطلعات الطلبة من الدروس الخصوصية، ما بين راغب في التفوق أو النجاح في المرحلة الثانوية، أو تعويض الفاقد في المراحل الأساسية الدراسية.

وآخرون يلجؤون لها من باب "مسايرة الموضة" وهم ليسوا بحاجة لها، لكيلا يشعروا بالنقص ويعيشوا كابوس الفشل. "بحسب سمارة".

وتتسبب الدروس الخصوصية بأعباء مالية إضافة على الأسر الفلسطينية، وتحديًا لا يوصف من الصراعة والكآبة ومشكلات عائلية في بعض الأحيان، وكثير من الأسر غير مهيأة لهذه الأعباء والمشكلات، بحسب "سمارة".

منهاج يدفع الطالب للخصوصي

وقال الخبير التربوي في شؤون التعليم الدكتور محمود برغوث، أن المناهج الفلسطيني أضحى يعتمد على الاكتشاف ويعتمد على المعلم في إكمال محتواه.

وعزا توجه الطلبة للدروس الخصوصية بأن الصف المدرسي الذي قد يحتوي على 50 طالبًا لا يلبي طموح الطالب من الكم المعرفي والمهاري، ولا يتيح المشاركة التفاعلية.

ويقع على عاتق المعلم أعباء كبيرة تجعله عاجزًا عن تقديم الحصة التعليمية على نحو فعال، بسبب تكدس الحصص والأعداد الكبيرة للطلبة في الصف المدرسي، إضافة إلى الأنشطة والأعباء الإضافية من مناوبة وتحضير.

ويضطر الأهالي لإرسال أبنائهم للدروس الخصوصية، لتخطي الامتحانات والحصول على تقييم جيد، لأن المعلومات المتواجدة في المنهاج، تحتاج لمعلم لتفهيم الطالب محتواها، "بحسب برغوث".

واتفق برغوث مع سابقيه، بأن فترة الانقطاع، دفعت الأهالي لإرسال أبنائهم للمراكز التعليمية لسد العجز، وأنها أعباء مالية إضافية وكثير من الأسر تعجز عن دفع ثمن هذه الدروس.

وفي ظل عدم مواكبة المنهاج الفلسطيني لتطلعات الطلبة الفلسطينيين، وتردي التعليم الفلسطيني، يبقى الطلبة مرتهنون للدروس الخصوصية ويبحثون عن وسائل بديلة عن الصف المدرسي المكتظ بالطلبة لتعويض ما فاتهم خلال رحلتهم التعليمية، في انتظار خطة وطنية شاملة لإغنائهم عن الدروس الخصوصية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo