تداعيات وخيمة وعلاج محفوف بالصعوبات

الفاقد التعليمي. بين ضعف التعليم البديل وعلاج بحاجة للتكاملية والدعم

طلاب يغادرون مدارسهم في غزة
طلاب يغادرون مدارسهم في غزة

المختص والمدرب بالشأن التربوي مخلص سمارة:

  • يجب أن تكون هناك خطة لربط المنهاج القديم بالجديد، وقياس مدى الفاقد التعليمي من خلال بعض الاختبارات، للمعالجة.

أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد بالجامعة الإسلامية محمد أبو سكران:

  • ضرورة مشاركة الأهل في تقليص الفاقد التعليمي، والدور  بين المعلم والمدرسة والأسر وباقي المؤسسات علاقة تكاملية.

الدكتور محمود مطر مدير عام الإشراف التربوي في وزارة التربية والتعليم:

  • هناك العديد من العقبات تعتري التعليم البديل للوجاهي، مثل ضعف الانترنت وضعف ثقافة الوالدين وعدم توفر الأجهزة اللوحية
  • الوزارة ومنذ بداية جائحة كورونا اتخذت العديد من الإجراءات لتعويض الفاقد التعليمي، من خلال "الصفوف الافتراضية" عبر "جوجل كلاس" والعديد من أدوات "جوجل" وخلقت نوعًا من التواصل بين المعلمين والطلبة.
  • جزءًا من خطة الوزارة لتعويض الفاقد التعليمي خلال جائحة كورونا نجح بالفعل، وجزء آخر نجح نسبيًا، وأن جزءًا كبيرًا لم يكتب له النجاح
  • الوزارة تبذل جهودًا ضمن وعودات قريبة بتجربة المعلم المساندة في المدارس الأساسية" منبهًا أن ذلك يتطلب عملية تشغيل وجهود من المؤسسات ولا سيما مؤسسات الأمم المتحدة

بقدمين صغيرتين متثاقلتين تمضي الطالبة "تالا" ابنة الثمانية أعوامٍ، نحو مدرستها القريبة من منزلها في شمال قطاع غزة، بعد عامين دراسيين مليئين بالتوقف الدراسي نتيجة جائحة كورونا التي ضربت العالم وفلسطين، تصلُ مدرستها التي غابت عنها طويلًا تحاول أن تستذكر شكلها وساحتها وزملاءها ومعلميها، الذين لم ترهم إلا مراتٍ قليلةٍ.

"تالا" كحالِ عشرات الآلاف من الطلبة الفلسطينيين، الذي انقطعوا لفتراتٍ طويلة عن الدراسة بسبب جائحة كورونا، وفقدوا التعليم الوجاهي، معتمدين على التعليم الإلكتروني للمرة الأولى في مشوارهم الدراسي. 

الفاقد التعليمي عاد ليطلّ عبر بوابّة جائحة كورونا وما فرضته من تحول من التعليم الوجاهي إلى التعليم الافتراضي والمدمج، ما جعل التربويين مطالبين بالتفكير والتفكر والبحث بعمق لإيجاد أدوات فعالة لقياس نسبة الفاقد التعليمي لدى المتعلمين، وكيفية العمل على الحد منها، وكما أشارت الدراسات إلى أن الفاقد التعليمي لا يكون نتيجة إغلاق المؤسسات التعليمية قصراً وفي الظروف الطارئة فقط، وإنما يمتد الأمر لمسببات أخرى مثل انقطاع الطلبة في العطلة الصيفية؛ ما قد يضطر مدرسيهم إلى إعادة التركيز على أساسيات التعلم بعد انتهائها.

اقرأ أيضاً: “بزنس التعليم” معضلة أولياء الأمور في المدارس الخاصة بالضفة

تستعرض "زوايا" في هذا التقرير آثار وتداعيات الفاقد أو الهدر التعليمي للطلبة خلال مراحلهم الدراسية المختلفة، وما وسبل العلاج.

تداعيات الفاقد التعليمي

وقال المختص والمدرب بالشأن التربوي مخلص سمارة، أن طلبة المرحلة الأساسية حرموا ليس من علمٍ فقط ومهاراتٍ، بل من الجو الدراسي الحقيقي أيضًا والجلوس في الصف الدراسي وحمل الكتاب والحقيبة والساعة الرياضية.

"الطلبة لم يعيشوا أجواء التفاعل ومهارات الاتصال وكثيرًا من المهارات التربوية والسلوكية والاجتماعية، وخسروا أمورًا لا تعوض لا من الأهل ولا من أي وسيلة أخرى، خسروا مرحلة البناء وغرس أساسيات المعرفة وارتباط الطفل بالجو المدرسي، فالطفل غالبًا لا يستذكر سوى المرحلة الأساسية ومرحلة انتظامـه في المدرسة " يضيف معلم التربية الإسلامية والمختص التربوي "سمارة" في حديثـه لـ "زوايا".

ويبين "سمارة" أنه من خلال مشاركته في التعليم وتدريب الطلبة، أن طلبة المرحلة الأساسية، لم يستندوا إلى المعارف الحقيقة ولا المهارات ولا الأبجديات المدرسة والرحلات والاحتفالات والإفطارات المدرسية.

خطة علاجية

وأكد على حاجة الطلبة لمرحلةٍ تعافٍ جديدة على الصعيد التربوية، يعودوا من خلاله لتدارك ما فاتهم خلال الأعوام السابقة، متمنيًا ألا تتوجه سياسة الحكومة نحو إغلاق المدارس.

ودعا إلى ضرورة إنقاذ هذه المرحلة من الكارثة وتعويض ما تم ضياعه من العليم الوجاهي خلال الأعوام السابقة، وإعادة النظر بالخطط القادمة دون تعطيل التعليم الوجاهي، والنظر في جدوى التعليم الإلكتروني والمدمج.

وعن آلية الإنقاذ، قال سمارة "يجب أن تكون هناك خطة لربط المنهاج القديم بالجديد، وأن يقوم المعلم بقياس مدى الفاقد التعليمي من خلال بعض الاختبارات، ليتعرف على العلوم والمهارات الناقصة لدى الطلبة، وما الذي بحاجة لتعزيز، مطالبًا بتدارك ما تم حرمانه من الفترة الماضي قدر الإمكان والخروج بأقل الخسائر بدلًا من لعن الظلام وأن نتقدم خطوة للأمام عوضًا عن خسارة جديدة.

ودعا الأهالي ومؤسسات المجتمع أن تطلق برامج إسنادية للتعليم وتنظيم حصص إضافة مدرسية وشعبية وإفساح المجال أمام المتطوعين لتعويض ما فات في جميع المراحل الدراسية، والاستعانة بمنظومة متكاملة يتكاثف فيها الجميع لإنقاذ الطلبة في المراحل الدراسية.

ثلاثة مسارات مهمة

وبين أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد بالجامعة الإسلامية محمد أبو سكران أن الطالب بمجرد التحاقه بالمدرسة يمضي نحو ثلاثة مسارات أولها بتعلم المعارف الأساسية في اللغة العربية والقراءة والكتابة والرياضيات، ومهارات في العلوم كالعناية بالنظافة الشخصية، والتعرف على المعارف الأساسية في اللغة الإنجليزية وغيرها.

وعن المسار الثاني قال " الجانب المهاري يتعلق بالجوانب الحركية والأدائية كطابور المدرسة وحصة الرياضة والرسم، وهذا الجانب مهم لتنشئة الطفل حركيًا"

 وأما الجانب الثالث الوجداني والنفسي فأضاف أبو سكران " هذا الجانب على قدر كبير من الأهمية، ولا سيما حين ينتقل الطفل من الروضة إلى المدرسة ويتعلق باحترام المعلم والآخرين وإنشاء علاقات مع المتعلمين، ويتم صقل شخصية الطفل بشكل أفضل، ويصبح لديه ثقة بنفسه"

وأكد على ترابط المسارات الثلاثة فيما بينها والتي تؤثر في شخصية الطفل والتي تؤهله للالتحاق بمرحلة الصف الرابع.

وأشار إلى أن بعد فترة كورونا التي أصابت العام وفلسطين، أغلقت المدارس وفقد التعلم في الجوانب الثلاثة، ولم يعد فاقدًا معرفيًا فحسب، فالطالب قد فقد جوانب اجتماعية وسلوكية ومهارية، منوهًا أن الفاقد يضعف الطالب في حالة عدم امتلاكه هذه المهارات وسيعاني من نقص شديد في الجوانب التعليمية المختلفة.

مشاركة الأهل

وأشار أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد في الجامعة الإسلامية محمد أبو سكران على ضرورة مشاركة الأهل الذين يقع على عاتقهم دور كبير في تقليص الفاقد التعليمي، وأن الدور بين المعلم والمدرسة والأسر وباقي المؤسسات علاقة تكاملية، منوهًا إلى ضرورة تحقيق التكامل المعرفي ولا سيما أن فلسطين قادمة على موجة جديدة من الجائحة.

معالجة منهجية

وأكد في حديثــه لـ "زوايا" على ضرورة أن تكون المعالجة منهجية وغير خاضعة للأهواء، وأن يتم تدريس المحتوى التعليمي في إطار منهجي تكاملي، يجعل مكانًا للخبرات السابقة والجديدة، وألا تكتفي المعالجة بمادة استدراكية مكثفة قصير الأمد بل اكتساب المهارات على طريقة التوازي بتعلم مواد حديثة واستدراك بعض ما فات، وضرورة الاعتماد على الأنشطة التفاعلية والجماعية وتركز على المتعلم بشكلٍ أساسي وتعالج الجوانب الحركية والصحية حتى يخرج الطلبة من العزلة واستعادة الثقة بنفسه.

ونصح "أبو سكران" بمعالجة الفاقد التعليم عبر توظيف أساليب حديثة وبالخبرات الكافية واستخدام التقنيات الحديثة لجلب الطلبة بشكل مستمر، لتحقيق الأهداف بشكلٍ أفضل مما سبق، مشددًا على ضرورة تفعيل دور الأسرة في متابعة سلوك الطفل وسلبياته وما يمكن تعزيزه من سلوكيات من خلال التواصل مع المدرسة والمعلم وإيجاد حل للسلبيات.

إن الفاقد التعليميّ، وأثره في التعليم، ليس قضيّة بسيطة يمكن حلّها في مرحلة زمنيّة قصيرة، بل يحتاج علاجه إلى تحقيق التعاون المشترك بين عائلات الطلاب والهيئات التعليميّة، ذلك عن طريق توظيف جميع القدرات التي تعالج آثاره السلبيّة، وتحدّ من تفاقم حالة عدم استقرار التعلّم المترتّبة عليه، مع ضرورة تذكّر أن الطرف الوحيد الذي يدفع ضريبة هذه المشكلة الخطيرة هو الطالب، باعتباره المحور الأساس في العمليّة التعليميّة، لذلك يجب الإسراع دون تأجيل أو تردّد في الوصول إلى علاجٍ فعّال، يساهمُ في تحسين كفاءة التعليم، وحماية مستقبل الطلاب من تداعيات الفاقد التعليميّ.

الوزارة وسبل العلاج

ووافق الدكتور محمود مطر مدير عام الإشراف التربوي في وزارة التربية والتعليم، ما ذكره المختصان التربويان سابقًا، من أن هناك فاقدين أحدهما تربوي والآخر تعليمي، معللًا بأن التعليم البديل للتعليم الوجاهي ضعيفٌ وأن الإمكانيات لا تساعد على خلق تعليم إلكتروني متكامل.

وبيّن خلال حديثه لـ "زوايا" أن هناك العديد من العقبات تعتري التعليم البديل للوجاهي، مثل ضعف الانترنت وضعف ثقافة الوالدين وعدم توفر الأجهزة اللوحية، منبهّا إلى أن التعليم الإلكتروني كان مرهونًا باستجابة المجتمع "المستقبل" لـلوزارة "المرسل".

وأوضح أن الوزارة ومنذ بداية جائحة كورونا اتخذت العديد من الإجراءات لتعويض الفاقد التعليمي، من خلال "الصفوف الافتراضية" عبر "جوجل كلاس" والعديد من أدوات "جوجل" وخلقت نوعًا من التواصل بين المعلمين والطلبة سواء كان متزامنًا بفيديوهات مباشرة، أو غير متزامنٍ بنشر مواد تعليمية وبعض الأنشطة والاختبارات والبطاقات التعليمية عبر قناة "روافد التعليمية" التي تبث عبر "فيس بوك" و"يوتيوب".

ولفت إلى قناة "روافد" تعمل وفق جدول محد لتعويض الفاقد التعليمي، كما أن الوزارة صممت بطاقات تحتوي على المهارات الأساسية وإرشادات لأولياء الأمور، كما أنها وفرت نسخًا ورقية لذوي الاحتياجات الخاصة وللطلبة الذين لا يملكون خدمة الانترنت.

وعن تفاصيل البطاقات التعليمية قال "البطاقة تتضمن ثلاثة جوانب، الجانب الأول يعالج المهارات السلوكية، وتشرح المهارة بشكل كاملة، والجانب الثاني يعالج الجانب التعليمي، والجانب الثالث متعلق بالأنشطة التقييمية" لافتًا أن البطاقة تحتوي على رابط QR لفيديو تعليمي، في حال وجد الطلبة صعوبة في عملية شرح البطاقة ذات الدور المكمل للتعليم الوجاهي، مبينًا أن عملية التطوير مستمرة.

وأشار أن الوزارة بذلت جهودًا مع المؤسسات ومنها "اليونيسف" و"النرويجي للاجئين" ونجحت في توفير أجهزة لوحية لـ 2000-2500 أسرى في قطاع غزة، كما بذلت جهودًا مع الشركات المزودة للإنترنت لرفع السرعات في المدارس وجعل الدخول لمواقع الانترنت التعليمية أكثر سرعة.

وبين "مطر" أن جزءًا من خطة الوزارة لتعويض الفاقد التعليمي خلال جائحة كورونا نجح بالفعل، وجزء آخر نجح نسبيًا، وأن جزءًا كبيرًا لم يكتب له النجاح.

وعن جهود الوزارة بعد تواصل التعليم الوجاهي بعد انقطاعٍ لفترةٍ طويلةٍ، لتعويض الفاقد التعليمي، قال مطر " الوزارة تعكف على إعداد منصة تعليمية وطنية خاص بالتعليم في قطاع غزة، لتطوير بطاقات التعليمي"

"الوزارة تبذل جهودًا ضمن وعودات قريبة بتجربة المعلم المساندة في المدارس الأساسية" منبهًا أن ذلك يتطلب عملية تشغيل وجهود من المؤسسات ولا سيما مؤسسات الأمم المتحدة، لتوفير عددي من المعلمين لتنفيذ التعليم العلاجي والمساند لتعويض الفاقد.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo