دراسة: "اللجان الشعبية".. طريق التحرير بين عرقله الإحتلال وتواطؤ السلطة

مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي.jpg
مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي.jpg

حققت اللجان الشعبية الفلسطينية التي تشكلت في الضفة الغربية وغزة في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، نجاحات ساهمت في تحدي نظام الاحتلال الإسرائيلي، الذي أقدم في نهاية المطاف على حظر كافة اللجان الشعبية عام 1988.

وقامت الانتفاضة الأولى عام 87 بعد تعبئة شعبية طالبت بفك الارتباط عن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، وشملت حملاتُ وطنية قادتها قيادة موحدة طالبت بمقاطعةِ المنتجات الإسرائيلية والإدارة المدنية، ورفضِ دفع الضرائب الإسرائيلية، ودعوات ناجحةٍ أخرى دفعت باستقالة مئات الفلسطينيين العاملين في جباية الضرائب وجهاز الشرطة في عقدي السبعينات والثمانينات.

ودعت ورقة سياسية أعدها "ليث حنبلي" المحلل السياسي في شبكة السياسيات الفلسطينية "الشبكة" إلى تعزيز الحركات الشعبية القائمة التي أنشأت بالفعل هياكلَ مجتمعية، كتلك التي في بلدة بيتا والشيخ جراح وسلوان وأم الفحم والنقب، لأنها الأقدر على الارتقاء بدورها من التنظيم القائم على ردة الفعل إلى المبادرة بصياغة رؤية للتحرير مستمدة من قواعدها المجتمعية.

كما طالبت بتعزيز دور المؤسسات الثقافية والتعليمية والمكتبات العامة وغيرها من المنتديات العامة لتوفير مساحات يتسنى للمجتمعات من خلالها أن تُعبِّرَ عن احتياجاتها ومطالبها السياسية.

وأوضحت الورقة أن الفلسطينيين حظوا منذ اندلاع انتفاضة الوحدة في 2021، بمستوياتٍ غيرِ مسبوقة من التضامن الدولي، ولكن نضالهم من أجل التحرير ظل حبيسًا في إطار العمل المنبثق عن عملية أوسلو. 
ونجحَ الفلسطينيون وحلفاؤهم في إحياء الخطاب المؤكد على الدور المحوري للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في معاناة الفلسطينيين، وإعادة طرح التحرير كالحل المنطقي الوحيد للقضية الفلسطينية، بديلاً عن رواية السلام وبناء الدولة التي هيمنت على الخطاب العالمي بشأن فلسطين، ولا سيما منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993. 

وتطرق المحلل السياسي إلى إرث اللجان الشعبية التي انطلقت في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكان لها هدفٌ مشترك يتمثل في معالجة الثغرات التي خلّفتها إسرائيل بسبب إهمالها وتَقصُّدِها تراجعَ التنمية في معظم القطاعات. 

وأُنشئت اللجان الشعبية في جميع أنحاء الضفة الغربية وغزة للقيام بمهام متنوعة، وكانت اللجان الأكثر انتشارًا تلك التي تعمل على مستوى الأحياء، وعملت في المقام الأول على تقديم الدعم للفئات الأكثر ضعفًا، كما عزَّزت قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في مواجهة الهجمات لإسرائيلية بأساليب عديدة منها تنسيق العونة والتكافل الاجتماعي، وتسيير الحراسات الليلية للتحذير من هجمات المستوطنين والجيش، وإدارة عملية تخزين المواد الغذائية وتوزيعها لمواجهة فترات حظر التجول.
كما سَعت اللجان الشعبية إلى تحقيق أهدافٍ أساسية منها تعزيز استقلال الاقتصاد الفلسطيني، فشجَّعت شبكات التعاونيات ومشاريع الاقتصاد المنزلي المنتجات المحلية، وهدفت إلى تقليل الاعتماد على السلع الإسرائيلية، فيما قامت العديد من الأحياء أيضًا بزراعة حدائق البيوت لزيادة الأمن الغذائي. وانتشرت تلك المبادرات بالذات إبان الانتفاضة الأولى، عندما بلغ الالتزامُ بمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي أوجَه.

اقرأ أيضاً: الأسرى يتمردون على انتهاكات الاحتلال بحقهم ويهددون بخطوات غير مسبوقة

وأشار المحلل السياسي إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال حينها لمجابهة اللجان الشعبية والتي بدأت بتجريم أنشطة أعضائها، وتقييد حركة العديد من رؤساء البلديات والناشطين، كما قامت بإغلاق الجامعات الفلسطينية لعدة أشهر في مناسبات عديدة، ونفذَّ التنظيم الإرهابي الصهيوني السرّي عمليةً لاغتيال ثلاثة رؤساء بلديات في الضفة الغربية عام 1980.

هذا وحظرت إسرائيلُ اللجانَ الشعبية في عام 1988، ولكنها استمرت في العمل حتى أسهَمت عدةُ عوامل في انهيارها في حقبة التسعينات، بما فيها الخسائر المادية والاقتصادية الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني إبان الانتفاضة الأولى. 

ولاحقاً دأبت إسرائيل على تفتيت النظام السياسي الفلسطيني، وهي مشكلةٌ فاقمها سرعة التوسع الحضري، وفي ظل استمرار إسرائيل في التطهير العرقي والعنف الوحشي واستغلال العمالة والموارد وتطبيق سياسات تُعزز تبعية الفلسطينيين الاقتصادية، تغدو فرصة التعبئة الفعالة بعيدة المنال.

في المقابل، أكدت الورقة السياسية أن تبني منظمة التحرير الفلسطينية لـ"أوسلو"، ومن ثم إنشاء السلطة الفلسطينية، تسبب في تسريع عملية اللاتسييس داخل المجتمع الفلسطيني، مما عزَّز التحول في الخطاب الفلسطيني من التحرير إلى بناء الدولة، بعد أن دمجت مجالس الخدمات الصحية والاجتماعية والزراعية وغيرها ضمن وزارات كانت قد تشكلت حينها في إطار السلطة الفلسطينية.

كما تسبب تواطؤ السلطة الفلسطينية وتعاونها الأمني مع الاحتلال بفرض عقباتٍ كبيرةً أيضًا أمام قدرة الفلسطينيين على التعبئة كما في السبعينات والثمانينات، حيث شاركت في الجهود المبذولة من أجل تراجع الخدمات العامة، بما في ذلك في قطاعي التعليم والصحة. 

وخلصت الورقة السياسية إلى أن نجاحات اللجان الشعبية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي لن تؤدي تلقائيًا إلى رؤية واضحة للتحرير في وقتنا الراهن، ولكن يمكن من خلالها تحديد بعض الأهداف الأولية على طريق وضع رؤية متجددة لإطار تحريري في فلسطين.

وطالبت بإعادة توجيه المجالس البلدية بهدف إحياء دورها السياسي والاجتماعي، بما في ذلك قيامها بدورها في ضمان استدامة البنية التحتية في البلدات والمدن سريعة النمو لتلبية احتياجات الناس الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo