الناتو يحفر تحت قواعد شانغهاي

حلف الناتو
حلف الناتو

ورثت روسيا الاتحادية تركة ثقيلة من الاتحاد السوفيتي المنهار اقتصاديا بالاساس، ولكنها تركة اعطت امتيازات لروسيا للإبقاء على صبغة بقائها كقوة عالمية كحق النقض الفيتو والتركة النووية. وعلى الرغم من ذلك الا انهيار القطب الاشتراكي وما تبعه من اعباء اقتصادية وحضارية حولت الوريث الابرز الى قوة اقليمية بإمتيازات عالمية، والتي استمرت عبر الزمن تفقد مجالها الحيوي وحدائقها الخلفية لصالح غريمها التقليدي وهو حلف الناتو والقوى الغربية.

إن الانضمام التدريجي لدول الكتلة الاشتراكية السابقة وحلف وارسو المنحل انضمامها للاتحاد الاوروبي وحلف الناتو والذي افضى لقرب انضمام اوكرانيا وجورجيا للناتو مما يفقد روسيا تلك الامتيازات العالمية والافضلية النووية المتقدمة على كثير من الدول، والذي دفع الرئيس الروسي للدفاع عن هذه الافضلية بأن روسيا لا تعتقد بالحرب او الضربة الاستباقية وانها يمكن ان تتلقاها الا انها تستطيع ان ترد وبقوة لاحقا، مما يدلل على خطورة وامتياز وقوف الناتو على ابواب موسكو.

الإنفاق العسكري والاداء الاقتصادي

يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الروسي 1.47 تريليون دولار وهو ما يزيد قليلا فقط عن نصف الناتج الفرنسي او البريطاني او اقل من 30% من الناتج الالماني او 7%، 8% من الناتج الامريكي والأوروبي على التوالي، من جهة اخرى فان الانفاق على الدفاع الروسي 65.1 مليار اعلى من نظيره الفرنسي او البريطاني حيث يبلغا 50.1 و 48.7 مليار على التوالي وهو ما يوضح عبئ هذه التركة العسكرية على الاقتصاد الروسي الريعي، اي المعتمد على بيع الموارد الطبيعية، وهو ما توضحه النظرية الاقتصادية فالافراط في انفاق الدفاع يزاحم المدخرات المحلية ويخفض من تراكم رأس المال ويؤثر على النمو الاقتصادي الاحتمالي. ان هذه الاحجام النسبية شديدة التباين بين مكونات الناتو وروسيا يجلي سبب اندفاع دول الكتلة الاشتراكية السابقة والاتحاد السوفيتي نحو الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو. اضافة لذلك فان الانفاق الغربي العسكري يرتكز على الصناعات الدفاعية عالية التقنية التي تعزز الانتاج الصناعي والصادرات وزيادة الهيمنة ونفوذها العالمي بما فيه النفوذ الناعم. ان هذا تكيفا طبيعيا لتقلص الدور الروسي من القطبية العالمية ابان زمن الاتحاد السوفيتي الى قوة اقليمية بارزة خلال العقد الماضي على الاقل ومؤثرة من خلال قوتها العسكرية في البحر الاسود والمياه الدافئة وتحكمها بالغاز المصدر لاوروبا، والتي ستؤول هذه القوة الى قوة محلية وهو ما تأباه قوتها النووية حتى الان، فهل من مناص.

هل الحرب بديل

ان هذا تحولا طبيعيا لان البديل هو خوض حرب ربما تتطور نوويا للحفاظ على مجالها الحيوي في اوكرانيا وجورجيا التي باتت تفقده تدريجيا عبر ولاءات الحكام هناك اولا وعبر تطور معتبر للعلاقات مع الغرب بما فيها شراكات مع بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق المطلة على بحر قزوين مع الناتو مثل اذربيجان وأرمينيا ثانيا، ولكن هذه الحرب و البديل ستسرع من عملية التحول لان الغرب لن ينخرط بها مباشرة وسيخنق الاتحاد الروسي اقتصاديا عبر منع صادرات الغاز الطبيعي التي تعتبر عصب الاقتصاد الروسي ومنع نظام SWIFT الذي سيقيد تجارتها الخارجية ويتضح مؤخرا انهيار مؤشرات سوق المال الروسي سواء المقومة بالدولار او الروبل لحوالي 13%، 9% منذ بداية العام الحالي. ان قيام صراع مسلح في اوكرانيا سيعجل من تحقيق اهداف الناتو بتحجيم روسيا وتحديد نفوذها بشكل اسرع الا ان التوسع لحرب نووية فلا يعلم مألها ونتائجها الا الله، ويحضرني هنا عندما سئل اينشتاين عن نوع الاسلحة التي ستستخدم في الحرب العالمية الثالثة فأجاب انه لا يعلم ولكنه متأكد من ان الحرب العالمية الرابعة ستكون بالحجارة، في اشارة الى كون الحرب الثالثة المفترضة ستقضي على الحضارة البشرية. كما ان عدم قيام الحرب دون صفقة حقيقية تحميها من نفوذ الناتو المتوقع عليها بضم اوكرانيا سيحد من قدرتها ايضا، اي ان التحول قائم قائم.

لماذا في هذا التوقيت

اذا كانت الاوراق جميعا في صالح الناتو فلم تحتدم مفاوضات خشنة حول اوكرانيا، وذلك باعتقادي لان المستقبل سيعزز بشكل قوي قدرة حلف شنغهاي الذي تقوده الصين صاحبة ثاني اعلى ناتج محلي وإنفاق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والآخذة في التحول الهيكلي الإقتصادي والعسكري التدريجي والتي ليس من صالحها الان الدخول في صراعات مسلحة على الرغم من تزايد نفوذها في مجالها الحيوي، الا ان المستقبل يتنبأ بالقيادة العالمية للصين وهو ما يستدعي العمل الجاد حاليا لتحييد وتحديد الدب الروسي قدر الامكان.

لذلك ونظرا لان الغرب لن ينخرط مباشرة بالحرب في اوكرانيا ان حدثت فسيرد اقتصاديا على روسيا وبقوة وربما ايضا عبر ضربة استباقية غير مسبوقة لإيران والتي اصبحت عضوا كاملا في حلف شانغهاي للتعاون والتعاون الامني 2021 وكونها معزز قوي للمقايضة التجارية مع روسيا بالاضافة لكونها في طريق التجارة العالمية مع الصين بالاضافة لبرنامجها النووي والتحريض الإسرائيلي والعربي عليها، فستبدو ضربة الدب الروسي في اوكرانيا في وجه الغرب والتي سيردها الغرب تحت الحزام للشرق. والذي سينعكس بشكل اوسع في مجمل منطقتنا كما سيعزز احتمالية عالمية الحرب.

لطالما مرت الامم والدول العظمى عبر التاريخ خصوصا الحديث في عملية الانحدار او الوصول لقوة عالمية وهو امر طبيعي ومدفوع اقتصاديا دوما، إلا ان المنحدرة اخيرا اي روسيا تملك قوة وامتيازا عسكريا غير مسبوق مما قد يترك آثارا غير مسبوقة، كما لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط مرتكزا من مرتكزات تلك التحولات وساحة لآثاره

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo