تنذر باستعادة توازن القوى بالمنطقة

الأزمة الأوكرانية الروسية تحمل سيناريو مرعبًا لإسرائيل

صورة من المعارك الروسية
صورة من المعارك الروسية

يزداد التوتر والقلق الإسرائيلي، كلما اقتربت الأزمة الروسية الأوكرانية من ذروتها، حيث تخشى تل أبيب بأن تطور الأزمة وتفاقمها قد يشغل الولايات المتحدة الأمريكية عن المنطقة، مما يجعل ظهر إسرائيل مكشوفًا، وهو خبر سيء لتل أبيب، لأنه سيعني عملياً إفساح المجال أمام قوى المنطقة الحية المناهضة لها، لأخذ زمام المبادرة بأيديها، وهو أمر كفيل باستعادة توزان القوى في المنطقة، ولا يصب في مصلحة دولة الاحتلال.

ويعد البرنامج النووي الإيراني المشكلة الاستراتيجية الأكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل التي ترى أن الأزمة في أوكرانيا يمكن أن تقوّي طهران التي تريد استمرار المفاوضات في فيينا كي تحصل على أكبر قدر ممكن من التنازلات من الولايات المتحدة.

وأكد "عاموس يدلين" رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق و"عودي افينتال" المحاضر الإسرائيلي في مقال مشترك أنه في حال نشوب مواجهة مع الولايات المتحدة، يمكن أن تدعم موسكو مواقف إيران التي تشكل علاقاتها معها وزناً مضاداً للهيمنة الأميركية في المنطقة، كما يمكن أن تقدم الإدارة الأميركية في واشنطن، تنازلات إضافية بهدف "إعادة إيران إلى الصندوق" بأي ثمن، والتفرغ للمواجهة بين القوى الكبرى في أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ.

وطبقا للباحثين الإسرائيليين فإنه في مثل هذه الظروف هناك ضرر إضافي يمكن أن يلحق بصورة قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتقليص وجودها ونفوذها وهذه هي أخبار سيئة، بالنسبة إلى إسرائيل، حيث أن هذا الواقع قد ينعكس سلبياً على الاستقرار في المنطقة، وعلى مسعى للجم توسُّع إيران، وبصورة غير مباشرة على استقرار إسرائيل وقوتها الردعية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: صناعة القوارب بغزة.. مهنة تنقرض بدون إنقاذ

ويرى الباحثان أن ما يجري على حدود روسيا وأوكرانيا ينطوي على سيناريو رعب خاصة من ناحية تبعاته على الشرق الأوسط، وتخشى اسرائيل فشل كل الجهود الدبلوماسية، في حال قرر الرئيس بوتين القيام بالغزو، فليس واضحاً أي مخطط سيختار، حيث تمنحه القوات التي جمعها حول أوكرانيا مرونة ومجموعة واسعة من الاحتمالات وإنه في السيناريو الأخطر، يمكنه استخدام كامل القوات التي نُشرت، وتوجيه ضربة جوية إلى مراكز السلطة، وفرض حصار إلكتروني، وشنّ هجمات سيبرانية تشل القدرة الأوكرانية على السيطرة والعمل.

وأوضح الباحثان أن ساحة أُخرى يمكن أن يسوء فيها الواقع، في نظر إسرائيل، هي سورية، في حال أرادت روسيا توجيه رسائل إلى الولايات المتحدة على حساب إسرائيل بصورة قد تهدد حرية عمل الجيش الإسرائيلي.

على المستوى الاستراتيجي، من المتوقع أن تقلص الأزمة أكثر اهتمام الولايات المتحدة بتحديات الشرق الأوسط، بينما تسعى الولايات المتحدة لتقليص تدخُّلها في المنطقة من أجل التفرغ لآسيا والمنافسة الاستراتيجية مع الصين، والتي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً تاريخياً للنظام العالمي.

مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تشكل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط. ولديها حلف مع إسرائيل وعلاقات استراتيجية مع الدول العربية، وهي ملتزمة بالدفاع عن أمنها في مواجهة التهديد الإيراني.

وأضاف الباحثان أن خطرا مهما آخر يتعين على إسرائيل مواجهته، يتعلق بالعلاقات الثنائية مع الدولتين الكبيرتين، إذ من المتوقع أن تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل تأييداً واضحاً لمواقفها، وسيكون على إسرائيل إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع حليفتها الكبيرة والوحيدة، والتصرف مع واشنطن بشفافية مطلقة فيما يتعلق بعلاقاتها الضرورية والعملية مع روسيا من أجل المحافظة على حرية العمل لكبح إيران، وأن تحاذر من إظهار علاقات" قريبة جداً" مع موسكو، وهو ما يمكن اعتباره مشكلة، في نظر الولايات المتحدة.

من جهته توقع الرئيس السابق للشعبة السياسية والعسكرية في وزارة جيش الاحتلال الجنرال عاموس جلعاد في مقال له نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت أنه في حال نجحت الخطة الروسية للسيطرة على أوكرانيا، فهذا كفيل بأن يكون لذلك تأثير دراماتيكي على إسرائيل والشرق الأوسط، وأن يتعاظم التهديد الاستراتيجي الشامل من جانب إيران على إسرائيل.

ورأى أنه في حال كان هناك اتفاق، ستحصل إيران على يد حرة لمواصلة تطوير قوتها في حال كان تحت تصرفها قدرات اقتصادية غير مسبوقة نتيجة لرفع العقوبات، كما أن الاتفاق سيجدي فقط في تأخير الجداول الزمنية لتطوير القدرات النووية العسكرية، ولكن ليس في منعها، وإذا لم يتحقق اتفاق، فستواصل إيران تعاظمها وهي متحررة من القيود السياسية".

وأكد أن "إيران ستتمكن من استغلال الخصومة المحتدمة بين أمريكا والمحور الاستراتيجي روسيا – الصين، حيث يرى هذا المحور في إيران حليفا له حيال الأمريكيين".

بالمقابل، يمكن لهذا الوضع أن يخلق فرصا لإسرائيل، وأولا وقبل كل شيء، قد تصل الولايات المتحدة إلى الاستنتاج بأنه لا بديل للشرق الأوسط كذخر استراتيجي حيوي لأمنها القومي، فتؤخر هجر المنطقة، وستواصل الولايات المتحدة الاعتماد على النفط الذي مصدره في الشرق الأوسط، وأن تشكل مصدر قوة ودعم لإسرائيل، كما أن تل أبيب ستنفذ مسيرة تعاظم قوى تستند أكثر فأكثر على الحلف بينها وبين واشنطن، إلى جانب ذلك، يمكن أن يتوثق الحلف الأمني الاستراتيجي بين إسرائيل وبعض الدول العربية، التي تنجح بشكل مبهر في الحفاظ على استقرارها".

من زاوية أخرى تُعقد رياح الحرب على الحدود الروسية الأوكرانية التوازن الذي تحاول إسرائيل ايضا الحفاظ عليه كصديق لكل من كييف وموسكو، فقد حاولت تل أبيب تجاوز ذلك الخط في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، حيث أعرب سفير أوكرانيا لدى إسرائيل في حينها عن أسفه لصمت إسرائيل بشأن الصراع ووصفه بأنه "جاحد للجميل".

وأضاف السفير أن "إسرائيل كانت مترددة في الانحياز إلى أي طرف على الرغم من حقيقة أن أوكرانيا كانت واحدة من 18 دولة فقط صوتت ضد تأييد تقرير غولدستون الذي حقق في عملية "الرصاص المصبوب" في غزة عام 2009.

وتقول صحيفة معاريف العبرية إن أي موقف تتخذه إسرائيل في القضايا الدولية يمكن أن يتسبب لها في أضرار مباشرة أو عرضية، ولذلك على إسرائيل أن تبدي حيادية واضحة حيال الأزمة الأوكرانية، لأن هذا الوضع قد يخلق معضلة دبلوماسية لها.

هذا وما زالت "معاداة روسيا" هي علامة التحذير التي تخيم على سياسة إسرائيل شديدة الحذر تجاه هذا الوضع المعقد. ولأكثر من ست سنوات نسقت إسرائيل بعناية نشاط سلاحها الجوي فوق سوريا مع روسيا، حيث يسمح هذا التفاهم المستمر مع روسيا لإسرائيل باستهداف القوات الإيرانية المتمركزة في سوريا بينما تسيطر روسيا على المجال الجوي، ومن الواضح أن هذا يمثل رصيداً استراتيجياً لإسرائيل، وهو يخدم أيضاً المصالح الاستراتيجية والسياسية الروسية في منطقة تريد فيها موسكو النفوذ.

المصدر : متابعة-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo